القراءة الصحيحة للحاكم العربي وانحيازاته تؤدي إلى معالجات صحيحة ما دمنا نروم الإصلاح. وقد سبق أن شخّصنا أمراض الراعي والرعية في العالم العربي وسوف يصدر مؤلف خلال أسابيع عنوانه نحو مصالحة تاريخية بين الحاكم والمحكوم في العالم العربي وهذه أسهل وسيلة للتغيير.

في ظن البعض أن العثور على هذه المصالحة مستحيلة ولكننا نأمل أن يتعاون الحاكم والمحكوم على رفعة الوطن والدفاع عن مصالحه العليا بعد إصلاح الراعي والرعية. هذا المقال في إصلاح الراعي.

في الوقت الراهن، وكما رأينا في ملحمة غزة أن الحاكم العربي تحت الضغط الأمريكي والإسرائيلي مال إلى حسابات كرسي الحكم والمطلوب عدم التضحية بأي من مصالح الوطن وحسابات كرسي الحكم حرصاً على الاستقرار. ومادامت أمريكا وإسرائيل تريدان إخضاع الحاكم العربي تماماً لقراراتها فقد أحرجت الحاكم العربي وأظهرته أمام العالم وأمام الشعوب العربية بالإضافة إلى تصريحات إسرائيل التي كشفت أسرار العلاقات معهم وأحياناً الفضائح.

بعض الحكام العرب يندمجون مع الخارج حين يكون الخارج مسيطراً على الحاكم وضامناً لكرسي الحكم والتستر على الامتيازات المحلية للحاكم وأعضاء فريقه.

بالإضافة إلى تمسك الحاكم بالسلطة مادامت مضمونة من الخارج فيزداد الحاكم استخفافاً بشعبه على أساس أن هذا الشعب ليس هو الذي يمنحه الشرعية.

وهناك خمسة عوامل معاكسة لاندماج الحاكم العربي بالخارج:

أولاً، مبالغة الخارج في إحراجه مثل سلوك ترامب مع السعودية؛

ثانياً، عامل الدين واستحضاره؛

ثالثاً، عامل الوطنية والشعور الوطني؛

رابعاً، العناد الشخصي للحاكم واعتزازه بنفسه؛

خامساً، شعور الحاكم بأن تمسكه المبالغ فيه بالكرسي يسبب ضرراً ظاهراً لبلاده.

ويمكن تخفيف عوامل اندماج الحاكم العربي مع الخارج عن طريق استنهاض الدين والكرامة الشخصية لتقليل الفساد غير المبرر لأن الحاكم العربي محاط بالمنافقين فيزورون الحقائق ويحلو للحاكم العربي ذلك بل قد يطلبه الحاكم نفسه.

فهل يمكن تحقيق مصلحة الخارج دون الإضرار الجسيم بمصالح الوطن وتصوير هذا الضرر بوضوح حتى توقظ الحاكم العربي.

ولا شك أن الكتابات والإيضاحات للحاكم يمكن أن يدفعه إلى مواقف إيجابية. فمثلاً مصلحة الوطن المصري تفرض على الحكومة الانحياز للمقاومة ولكنها تفقد شروط الوسيط ومن الخطر أن تفقد مصر الاتصال بأطراف الصراع، لكن من المهم أن يكون لمصر رؤيتها التي تحقق مصالح الوطن في نفس الوقت لا تغضب الخارج وأحياناً يكون الموقف المهادن من الخارج في مصلحة الوطن، لأن التناقض ليس مطلقاً ويمكن التوفيق بين مصالح الوطن ورغبة الحاكم في البقاء في السلطة.

ولذلك فإن الحاكم الذكي هو الذي يكون واقعيا ويتفادى الإضرار الجسيم بالوطن خاصة من الناحية الاستراتيجية ولابد من تبصير الحاكم بالحقائق والتحاليل حتى لا يفرض عليه منهج معين. وليس من المصلحة إحراج الحاكم وكشفه أمام نفسه ومحببه، وإلا سوف يندمج تماما في المحتل الصهيوني.

ومادامت معالجة الحاكم يغلب عليها الطابع الشخصي جنباً إلى جنب مع المصلحة الشخصية .

وليس من الحكمة نقل الحاكم فجأة من الاندماج الكامل مع الخارج إلى الاندماج الكامل مع الوطن. ولابد من الحلم مع الحاكم حتى لا يشعر بالإهانة والدونية فعندما أحرج المعتمد السامي البريطاني في حادث 4 فبراير 1942 الملك فاروق يعتقد أن هذا الموقف أدى إلى مظاهر معينة فى سلوك الملك تجاه ألمانيا عدو بريطانيا وربما موقفه المتشدد من إسرائيل لأن الملك يعلم أن هذا الموقف من إسرائيل هو انتقام لنفسه وبلده من إهانة المندوب السامي. كما لابد أن يتضمن برنامج تطويع الحاكم العربي تعويضاً ولو جزئياً لمصالحه المفقودة ولابد أن يشعر كل بمصالحه في هذا الشأن وأنه لم يغفل الجانب النفسي للحاكم العربي.

مصدر الصورة: أرشيف سيتا.

إقرأ أيضاً: الحاكم العربي تاريخياً بين سلطة الدين وسلطة القانون

السفير د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر