سمر رضوان*
في خلال ثلاثة أيام فقط، تم إستهداف نقاط المراقبة التركية في محيط إدلب بقذائف صاروخية، في ظلّ “هدنة” مفترضة أعلن عنها الجانب الروسي. فماذا يعني تكرار استهداف القوات التركية؟ وهل تم نعي الهدنة المفترضة؟
خروقات ومفاوضات
إن خرق الهدنة من جهة، واستهداف النقاط التركية من جهة أخرى، يعكسان الجو السلبي الذي يشوب العلاقة الروسية – التركية حول إدلب، على الرغم من التنسيق المستمر بين الجانبين، إذ لا يمكن عزل ما يجري على الأرض عن التصريحات التي خرجت من موسكو أخيراً، وتحديداً على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي تؤكد استمرار دعم الجانب السوري في حربه ضد الإرهاب، بما يشمل إنهاء التنظيمات الإرهابية في محافظة إدلب ومحيطها.
من هذه النقطة تحديداً، يبدو أن هناك خلافاً غير ظاهر للعيان ما بين أنقرة وموسكو، فلقد بدا الخلاف واضحاً في المواقف عبر تقاذف الطرفين المسؤولية عن إيقاف التصعيد، وتطبيق إتفاق “سوتشي”، إلى جانب الحراك الدبلوماسي بين الطرفين المتعلق بملف “اللجنة الدستورية” لإرتباطه القوي بينهما إنطلاقاً من إدلب. فهذا الملف، سيكون من أهم الملفات التي ستُبحث في محادثات “أستانا” المقبلة.
إنخراط صيني
في الجهة المقابلة، تبدو سوريا غير منعزلة عن كل ما يحدث لجهة إصرارها على مكافحة الإرهاب، والتخلص من الإرهابيين على الجبهات المشتعلة في ريفي حماة وإدلب. فلقد برزت زيارة وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، إلى بكين ولقاءه نظيره الصيني، وانغ يي، لتقول إن سوريا ماضية في الحراكين السياسي والعسكري جنباً إلى جنب، دون إغفال الإنخراط الصيني بالملف السوري منذ بدايته وحتى الآن.
فلقد أكد الوزير المعلم أن دمشق لا تسعى في المبدأ إلى أية مواجهة مع الجيش التركي، بل حربها هي ضد الإرهاب في إدلب، التي هي أرض سورية لا تركية، حيث أشار إلى سؤال مضمونه: ماذا يفعل الأتراك في سوريا؟ هل هم موجودون لحماية تنظيمي “جبهة النصرة” و”داعش” و”حركة تركستان الشرقية” الإرهابية؟
تساؤل المعلم حمل رسالتين لافتتين؛ الرسالة الأولى، أن الهجوم على الجماعات الإرهابية، والذي أقرّه اتفاقا “أستانا” و”سوتشي”، لا يستهدف القوات التركية إن حيّدت مواقعها عن نقاط وجود تلك الجماعات، والعكس صحيح. أما الرسالة الثانية، فقد كانت تأكيد أهمية التعاون مع الجانب الصيني من باب التنسيق ضد “الحزب الإسلامي التركستاني” (لا ينفصل عن حركة تركستان الشرقية)، إلى جانب مواجهة “الإرهاب الإقتصادي” الأميركي. وهو ما لاقاه الوزير وانغ، عبر التأكيد أن الصين ستواصل دعم سوريا في سعيها لحماية سيادتها وسلامة أراضيها ومحاربة الإرهاب، وستساعد في جهود إعادة بناء اقتصادها.
من هنا، فإن هذه التطورات جاءت في موازاة معركة ميدانية محدودة انطلقت عقب محاولة الفصائل المسلحة التقدم على بعض المحاور.
خلاف ضمني
على الرغم من أن شكل العلاقات الثنائية الروسية – التركية لا يشير إلى وجود خلاف واضح على الأقل من الناحية الإقتصادية، إلا أن موسكو ملتزمة بعودة إدلب إلى كنف الدول السورية، وهو ما أكده مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أن العمليات التي ينفذها الجيش السوري ضرورة، وتنضوي ضمن سياق الإتفاق الروسي – التركي نفسه حول إدلب ويطبق بشكل تام، لافتاً إلى أن بلاده لن تتسامح مع هذا الأمر، وموضحاً أن روسيا وتركيا ترفضان غض الطرف عن هجمات الإرهابيين، فيما اعتبر أن منصة “أستانا” هي عملية فعالة واحدة لتسوية الأزمة السورية، مؤكداً عزم الجانب الروسي على استمرار الإلتزام بالإتفاق مع أنقرة.
توحي الأحداث الميدانية بأن الهدنة ليست على القدر المطلوب، ولكن تعاطي الجانبين الروسي والتركي يوحي بأن هناك إرادة لمنحها الفرصة المناسبة، وهذا ما أشرنا إليه أعلاه عند الحديث عن ضبط الملف السوري وتحديداً إدلب، لكن في بواطن الأحداث يبدو أن أنقرة لديها رأي آخر في ضوء مباحثات هذا الملف مع الجانب الأمريكي والفرنسي.
لكن ضبط الجانبان تبعات حديثهم هذا، من دون أن يخرج التصعيد عن المألوف على خطوط التماس. في ضوء اعتبار تركيا أن الخروقات هي من الجانب السوري، الأمر الذي تعتبره أنقرة استفزازاً متعمداً لها.
إن هدف أنقرة اليوم هو تسريع التسوية السياسية، ومن ثم التأثير على هذه التسوية، بطريقة تعالج مخاوفها فيما يتعلق بمستقبل سوريا، فلربما تنتهي الأعمال العسكرية بطريقة أو بأخرى وتعود المناطق إلى كنف الدولة السورية، الأمر الذي سيلقي بظلاله على تسارع العملية السياسية، وهذا ضمناً وعلناً تُجمع عليه كافة الأطراف، من بينها تركيا والتي “ذاقت المر”، كما سوريا، لتداخلها العميق في شؤون دول الجوار.
*المدير التنفيذي في مركز سيتا
مصدر الصور: قناة الغد – العربية.