لا أحد يجادل أن إيران دولة قديمة تحتضن الكثير من الحضارات وهي الوحيدة في المنطقة الحريصة على استقلالها في عهد الجمهورية الإسلامية وأن ثورتها في فبراير 1979 خلقت معسكر المناوأة لبيت الطاعة الأمريكي الإسرائيلي وبادرت إسرائيل بالعداء.
وإيران لم تعادِ حلفاء الغرب، حتى لو حرضت الدولتان بعض العرب ضد إيران. والثابت أن عداء بعض العرب لإيران ليس سببه أخطاء إيران معها وإنما راجع إلى ظروف الاستقطاب الإيراني الأمريكي والإسرائيلي، ويمكن لإيران أن تصفي جميع علاقاتها مع العرب حلفاء أمريكا وإسرائيل بأن تتفق معهما على اقتسام العالم العربي واقتسام ثرواته.
قامت الثورة الإسلامية في وقت كانت مصر قد دخلت بيت الطاعة الأمريكي وسمحت لأمريكا وإسرائيل أن تؤثر على قرارتها. خاصة في قضية فلسطين وهي شديدة الارتباط بالأمن القومي المصري. وترتب على خطوة مصر أن فقدت التأثير في محيطها العربي رغم إدراكها أن الحكم يكتسب تحالفات هي ضد مصالح الوطن وفشل الحكم في أن يوفق بين الحكم وحساباته ومصالح الوطن.
هكذا بدأ العالم العربي ينحو منحى مصر فقرر في الرباط 1982 أن السلام مع إسرائيل خيار استراتيجي بصرف النظر عن مصالح الشعب الفلسطيني بل تماشت الدول العربية أو بعضها مع إسرائيل حتى استجابت لطلب أمريكا وهو أن تلغي الصراع مع إسرائيل وتنحاز لإسرائيل وأمريكا في عدائها لإيران وكلما اشتد الصراع الإيراني الأمريكي بسبب دعم إيران للمقاومة التي تخلى عنها العرب وعن القضية الفلسطينية ازدادت المشاكل بين إيران وبعض الدول العربية وبلغ التوتر أحياناً إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية وانبرت قلة من الأقلام العربية تضع الأمور في نصابها وتدعو إلى تحرير فلسطين من إسرائيل وأولى بالعرب أن يدعموا المقاومة وداعميها مثل إيران بحيث يتفق العرب مع إيران على هدف واحد ضد إسرائيل المعتدية على العرب. ولكن هذا الاتجاه فشل بسبب دعم إيران للمقاومة ضد إسرائيل فحدث اختلاف كبير بين مواقف الحكام العرب مع إسرائيل، بينما الشعوب تقدر إيران وتحقد على إسرائيل.
وإذا كانت إيران بمساعدتها للمقاومة تسيء إلى إسرائيل وأمريكا فلايجوز لبعض العرب أن يضاعف خطأه ويحارب معركة غيره.
أما إن ضاقت بعض الدول العربية بتلاحم إيران مع بعض دول المقاومة وبلغ من خضوع العرب لإمريكا وإسرائيل أن أدانت المقاومة في قرار رسمي في الجامعة العربية ووصمها بالإرهاب.وهذا القرار وصمة عار على عرب اليوم ولن يكسب من القرار إلا أعداء الأمة.
في هذه الأثناء صرح أحد المسؤولين الإيرانيين بأن إيران اليوم تهيمن على عدد من الدول العربية مثل لبنان وسوريا واليمن والعراق وبالطبع فهذه الدول في معسكر المقاومة.
وكرر بعض الإعلام العربي هجوم إسرائيل وأمريكا على إيران وترديد مصطلحات تتهم إيران وأذرعها في المنطقة بينما الغرب كله يشارك إسرائيل في أعمال الإبادة. والصحيح أن إيران تتحمل العبء الأكبر مع حلفائها في معسكر المقاومة.
والحق أن الغرب يتحالف تحالفاً آثماً مع إسرائيل، بينما تتحالف إيران مع حلفائها لنصرة الحق في فلسطين.
وإذا كان بعض العرب يضيقون بإيران في العالم العربي فأقدم لهم مقترحين الأول أن تدعم هذه الدول المقاومة العربية بالسلاح والمال وأنا واثق أن لا أحد يجرؤ أن يضحي بكرسيه ويتحدى أمريكا وإسرائيل بهذا الدعم. وبعض الحكام يشيرون تضليلاً أو جهلاً بأن عجزه أمام إسرائيل بسبب قيود المعاهدة.
الاقتراح الثاني: مادامت هذه الدول قريبة جداً من إسرائيل وأمريكا فلتستخدم نفوذها إن وجد لكي تجلب لفلسطين حلاً سليماً عادلاً وهو مستحيل ولو حلت القضية فسوف تتوقف المقاومة ولا نكون بحاجة إلى إيران وإذا كانت هذه الدول تزعم أن إيران تحرض دول المقاومة ضدها فحلها بسيط وهو أن دول التحالف الأمريكي تتفادى العدوان تحت ستار أمريكي وبذلك تحفظ وشائج القربى مع الدول العربية.
وهذه الحلول يمكن طرحها في مفاوضات إيرانية عربية واضحة صريحة لو توفرت الإرادة العربية التي تهدف إلى المصلحة العربية العليا.
الاقتراح الثالث أن يحصل الحاكم العربي على رضى أمريكا مقدماً وتتفق مع أمريكا بشرط عدم التقارب الحميم مع المقاومة. وهكذا يستطيع الحاكم العربي أن يجمع بين الحسنيين.
مصدر الصورة: أرشيف سيتا.
إقرأ أيضاً: معايير النصر والهزيمة في ملحمة غزة
السفير د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ محاضر في القانون الدولي – مصر