د. نواف إبراهيم*

كان الرئيس التركي، رجب طيب أوردغان، وسيبقى أداة للولايات المتحدة، التي إتفق معها على تدمير أوروبا، التي حاولت بعض دولها التصريح علنا بأنها لا تريد الإستمرار في الإنسياق خلف ركب الأمريكي، ونذكر منها تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حول إقامة جيش أوروبي مستقل ما يعني فرط سيطرة واشنطن على حلف الناتو التي تلعب فيه تركيا حالياً، بقيادة الرئيس أردوغان، الأداة الرئيسية فيه لتدمير الشرق الأوسط؛ فما دفعه بعشرات الآلاف من اللاجئين إلى حدودها، والتي أثبتت التقارير الدولية أن ثلثهم من غير السوريين، نحو أوروبا عبر اليونان إلا دليل صارخ على ذلك وكل ما قام به من تقارب مع روسيا كان مجرد “لعبة” أمريكية متفق عليها ضمناً لأنهم أصحاب مشروع واحد. فلقد قال الرئيس أردوغان نفسه، عدة مرات، بأنه “نائب رئيس مشروع الشرق الأوسط الكبير” وحتى موضوع الإنقلاب، في يونيو/حزيران عام 2016، كان فيلماً أمريكياً هوليوودياً الهدف منه دعم محاولته للتقرب من موسكو لمساعدته في السيطرة على الدولة والقضاء على خصومه، وللمساعدة أيضاً في إسقاط سوريا والسيطرة على التوازنات الإقليمية ليكون، على المدى البعيد أو حتى المتوسط، “حصان طروادة” للتوسع الصهيوني، والتحكم الكامل بالمنطقة وإزاحة روسيا عنها بالكامل.

يعتقد الرئيس أردوغان أن مصالح روسيا مع تركيا أكبر بكثير من مصالحها مع سوريا؛ بالتالي، يمكنه الحصول على موطئ قدم في شمالها أو على الأقل يحظى بحصة وازنة في تشكيل حكومة سورية جديدة يشرك فيها “الإخوان المسلمين”، الذين كانوا الأداة الرئيسية لدخوله المعترك السوري بجميع أشكالهم ولبوسهم الذي تغطوا به طوال فترة الحرب على سوريا تحت تسميات مختلفة جميعنا يعرفها جيداً وعلى رأسها تنظيم “القاعدة” و”جبهة النصرة” الإرهابيين، وما يتبع لهما من تنظيمات إرهابية أخرى، إمتدت على طول الساحة الشرق أوسطية وعاثت خراباً إلا في الدول التي تمولها وتدعمها، حتى وصل “البل إلى ذقونهم” جميعاً بفعل فائض الإنتصار السوري غير المتوقع.

الآن، يتعامل الرئيس أردوغان يتعامل مع الملف السوري على أنه يقتضي على موسكو التعامل معه كـ “شريك إستراتيجي” لا كشريك ضرورة، وأن ألا يرفض له سيد الكرملين، فلاديمير بوتين، أي طلب بناء على وهم بأنه يحظى بقيمة عظيمة وأهمية كبرى عندها. أسلوب ساذج مفضوح لا يمكن أن ينطلي على رئيس عملاق، ورجل مخابراتي عتيق، وسياسي محنك من الطراز الأول.

في الحقيقة، ليست تركيا دولة وطنية خاصة بعد تولي حزب “العدالة والتنمية” الحكم فيها لكونها باتت مملوكة، بشكل شبه كامل، لرؤوس الأموال الأمريكية والغربية، إذ لا يستطيع الرئيس التركي إعطاء روسيا أي استثمار عملاق مهم فيها. من هنا، نرى على أي أساس قام الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالتهديد على بأنه يستطيع تدمير الإقتصاد التركي خلال أسبوع.

إن السياسة التركية هي مجرد لعبة لأنها ليست سياسة دولة وإنما سياسة حزب يرأسه شخص “مهووس بالسلطة” وإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية التي لم تورِّث الشعوب، التي وقعت تحت نيرها، سوى القتل والدمار والخراب وهذا بشهادة جل كتب التاريخ العربية والأجانبية، فهذه السياسة ستنتهي بمجرد حصول الرئيس أردوغان على أي موطىء قدم في سوريا، أو مشاركة لجماعة الإخوان في حكمها، ومن ثم سيُظهر للروس وجهه الحقيقي ولكن بعد فوات الآوان، كما لن يضر الغرب وصول الأمور إلى مواجهة عسكرية بين الطرفين وحرق ورقة الرئيس أوردغان مع الروس لآخر نفس.

أما عن سوريا، فكل الإنتصارات التي حققها الجيش السوري وحلفائه، خلال السنوات الماضية، هي في كفة والنصر الذي تحقق في سراقب بالكفة الأخرى؛ فالإنتصار في هذه المعركة، دفن حلمه تحت التراب مئة عام قادمة وأكثر، فجن جنونه لأنه قلب كل الموازين وأعاد ترتيب الأوراق التي خلطها التركي، خلال السنوات الماضية كلها، وتحمل فيها حلفاء دمشق الكثير من الغِّي والتغطرس التركي، خاصة الروسي الذي لم ولن ينسى إسقاط الطائرة في أواخر العام 2015 والتمثيل بجثة الطيار، ولا إغتيال السفير الروسي، أندريه كارلوف، في وضح النهار وغيرها الكثير جراء الوهم الذي عاشه أمام شعوره الزائد بالقوة ووهم حجمه الكبير في تحقيق معادلات المصالح وفق حساباته الخاطئة.

إن تحرير سراقب، الذي حشَد له الجانب التركي أكثر من 15 ألف جندي وثلاثة آلاف دبابة وعربة مدرعة لفرض الانسِحاب السوري من كُل ريف إدلب بالقوة، غير كل موازين القوى وقلب كل المعادلات السياسية والعسكرية رأساً على عقب ولكن لصالح الدولة السورية وحلفائها، الذين على وعي تام بمدى خطورة خسارة المعركة عليهم جميعاً. فمن يعرف بالجيو- بوليتيك والأبعاد الجيو – سياسية لها يعي بشكل دقيق كم هو نصر عظيم جرد الرئيس التركي، وجميع التنظيمات الإرهابية التي يساندها، من أقوى ورقة يمكن له الضغط بها عليهم جميعاً دون أن يكون لهم القدرة حتى على الإدلاء بتصريح “لا ناقة منه ولا جمل”. نعم إنها الحقيقة.

أما الحليف الإيراني، الذي مسه ومعه حزب الله قسم من “جنون” الرئيس أردوغان، فقد كان واضحاً جداً في موقفه وإستعداده للمواجهة، لكنه أعطاه فرصة عبر دعوته إلى عقد قمة ثلاثية إيرانية – سورية – تركية لوضع حد لمسألة إدلب، كون معظم دول الغرب نعت “أستانا” و”سوتشي”، استعداداً لمرحلة تالية بناء على ظنهم الذي خاب بخسارته لسراقب، بعد أن حاولت بعض الدول الأوروبية، ومن خلفها واشنطن والكيان الصهيوني، جر الجانب الروسي إلى الفخ بالدعوة إلى عقد قمة رباعية روسية – فرنسية – ألمانية – تركية بتر الروسي دابرها من اللحظة الأولى للإعلان عنها كونه يعي تماماً الهدف منها.

لقد كان ضرباً من الغباء طلب الرئيس أردوغان من روسيا التنحي جانباً عن المعركة، فكان رد الأخيرة، بمؤسساتها السياسية والعسكرية والدبلوماسية، كضربة “الفراعة” في عنق شجرة مهترئة حيث رفض الرئيس بوتين إستقبال الرئيس أردوغان في موسكو لمناقشة موضوع إدلب، إذ أكدت التصريحات أن الدولة الروسية ماضية إلى أخر الطريق في دعم الدولة السورية لمكافحة الإرهاب في رسالة لا تقبل الجدل بأن الرئيس التركي لن ينال مراده غير المشروع، حيث أن موسكو تعتبر الوجود التركي على الأراضي السورية غير شرعي على عكس الوجود الروسي، المدعوم من دمشق، للمساعدة في دحر الإرهاب.

أسئلة كثيرة هنا وأبرزها: هل حفظ الرئيس أردوغان الدرس جيداً قبل مجيئه إلى موسكو؟ وهل ستجبر عنجهيته الجانب الروسي على إعادة التفكير في مساعدته بـ “النزول عن الشجرة” ورمي طوق النجاة للإنسحاب من سوريا، أو على الأقل مرحلياً من إدلب وكل المناطق التي تجاوز فيها الإتفاقات المشتركة، وتعيد للأخيرة حقها في تصحيح “إتفاقية أضنة”؟ أم أنه سيرى جنوده وقد باتوا جثثاً هامدة من جراء ضربات الجيش السوري وحلفائه فيقوم عليه بالداخل فيصبح محاصراً بين “مطرقة النصر السوري وسندان الغضب الشعبي التركي”؟

*إعلامي وكاتب سياسي سوري – موسكو

مصدر الصور: الميادين – مونتي كارلو الدولية.

موضوع ذا صلة: هل ستكون إدلب معركة الجيش السوري الأخيرة؟!