علوان أمين الدين*
بعد التصريحات اللافتة التي أدلى بها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب حول باكستان ودورها في محاربة الإرهاب وما نقلته بعض الصحف العالمية من لأن على باكستان أن “تنهي لعبة الاحتيال التي تقوم بها، وأنها لا يحق لها أن تحصل على أموال لمحاربة الإرهاب طالما أنها تقوم سراً بأشياء مشتركة مع هؤلاء الذين يسعون إلى تدمير أفغانستان”(1)، ارتفعت وتيرة التصعيد المشترك بين واشنطن وإسلام آباد إلى حد كبير، حيث هاجم وزير الخارجية الباكستاني، خواجة آصف، الولايات المتحدة الأمريكية، خلال لقاء بممثلي الأحزاب في البرلمان الباكستاني لمناقشة التوتر الأخير بين البلدين، بالقول “يجب عدم اعتبار الصبر الذي أظهرناه بأنه ناجم عن ضعف”، مشيراً إلى أن تحميل الولايات المتحدة لبلاده بأنه سعي إلى “تحميل باكستان مسؤولية فشلها في أفغانستان منذ احتلالها.”(2)
وبعد إعلان واشنطن تعليق المساعدات المالية للجيش التي تبلغ حوالي 255 مليون دولار سنوياً، قال الجيش الباكستاني إن قائد القوات المسلحة أبلغ قائداً عسكريا أمريكياً كبيراً بأن “الأمة الباكستانية بأكملها شعرت بالغدر إزاء البيانات الأمريكية التي صدرت في الآونة الأخيرة رغم عقود التعاون.”(3)
1. الموقع الجيو-إستراتيجي
تحتل باكستان موقعاً مهماً على “حافة اليابسة” الآسيوية. على سبيل المثال، شاطئ باكستان مع المحيط الهادئ بطول يزيد عن الـ 1000 كلم، اضافة إلى أنها الدولة التي “تحبس” أفغانستان، بالإضافة إلى إيران، من الوصول إلى مياه المحيط.
في هذه النقطة بالذات، تحتاج واشنطن لإسلام آباد بشكل حيوي للوصول، أو إخراج، الوحدات العسكرية المقاتلة في كابول، إذ أنه من الصعب عليها، وربما من المستحيل، استعمال الإقليم الإيراني، سواء البري أو البحري أو الجوي الأقرب، لهذا الغرض. ناهيك عن التعاون المستجد، لاسيما على الصعيد العسكري الذي سنتحدث عنه لاحقاً بينها وبين الصين.
بالإضافة إلى ما سبق، تشرف باكستان، إلى حد كبير، على “فوهة” مضيق هرمز وبحر العرب الذي تخرج وتبحر فيه قوافل النفط إلى العالم من تلك المنطقة.
2. خطوط الغاز
تعتبر باكستان ممراً حيوياً، حالياً ومستقبلياً، لخطوط الغاز العابرة إلى الهند والصين، وهو أمر تخافه واشنطن كون أغلب الدول التي يوجد فيها مخزونات كبيرة من هذه الطاقة موجود في منطقة لا توالي واشنطن سياستها، وبالتالي لن تستطيع “الضغط” على بكين مستقبلاً، وسيتم “فك الحصار”، الذي تريد الولايات المتحدة فرضه عليها، تدريجياً خصوصاً وأنها تريد منع وصول الطاقة إليها، وإقفال خطوط التجارة عليها براً وبحراً، من أجل وقف تمددها اقتصادياً وهو الأمر الذي يضرب واشنطن في الصميم.
خط “تابي”
وهو خط الغاز الذي يربط ما بين تركمانستان وأفغانستان والهند مروراً بباكستان الذي بدأ انشاؤه في العام 2015 بطول 1814 كلم. من هنا، أعلن الرئيس التركمانستاني، قربان قولي بردي محمدوف، أن الأطراف المشاركة في مشروع خط أنابيب غاز “تابي” ستواصل العمل على مد أنبوب الغاز على أراضي أفغانستان. وقال بردي محمدوف “إن تركمانستان، تقوم في الوقت الحاضر ببناء خط الأنابيب هذا على أراضيها، وتعمل الأطراف المشاركة معاً لحل المسائل الفنية المتعلقة بمواصلة بنائه على أراضي أفغانستان”(4)
خط إيران -باكستان
وبسبب الأخطار الأمنية التي لا زالت تحيط بالموضوع في أفغانستان، يمكن لباكستان أن تمرر خطاً بديلاً من إيران، التي يقدر بأنها تمتلك ثالث أكبر احتياطي غاز بعد روسيا وقطر، تم الاتفاق عليه سابقاً، حيث تشير المعلومات بأن إيران، التي أنجزت تركيب حوالي 900 كلم من الخط، قد هددت باكستان بتغريمها 200 مليون دولار بسبب التباطؤ في انجاز المشروع.(5)
من هنا، وقعت شركة “غازبروم” الروسية مع شركة النفط الوطنية الإيرانية على مذكرة تفاهم للتعاون في تطوير حقول غاز في إيران ونقله إلى الهند عبر باكستان، بحسب بيان عن الشركة الروسية المذكرة “تتيح للشركتين البدء في إعداد دراسة اقتصادية وتقنية من أجل تصميم وبناء وتشغيل خط أنابيب غاز إيران -باكستان -الهند.”(6)
هنا يأت دور الصين “العطشى” إلى الطاقة، فهذا المشروع سيكون رافداً، وحامياً، لخط “قوة سيبريا” الذي تم الاتفاق عليه مع روسيا لمدة 40 عاماً بكلفة مئات مليار الدولارات والذي سيبدأ الضخ فيه العام 2021، وبالتالي لا خوف على مستقبل الصناعة والإنتاج الصيني، لا سيما أنه سيخفف من التلوث البيئي الذي تطالب دول العالم بكين بالتخفيف منه.
كذلك، تم الإعلان عن أول مشروع يقوم الصندوق بتمويله في باكستان، تاريخ 20/4/2015، وذلك خلال زيارة الرئيس الصيني لها. وبحسب البيان المشترك الصادر عن البلدين، فإن الصندوق سيضخ رأس مال في شركة الاستثمار الآسيوي التابعة لـ “شركة الخوانق الثلاثة” الصينية، لتطوير مشروع للطاقة الكهرومائية في باكستان ومشروعات طاقة نظيفة أخرى.(7)
3. الدخول إلى “شنغهاي”
في 9 يونيو/حزيران من العام 2017، أصبحت باكستان، والهند، عضواً كاملاً في منظمة شنغهاي للتعاون، التي كانت تشغل دور الدولة المراقب منذ العام 2005.(8)
في هذا الخصوص، قال الرئيس الكازخستاني نور سلطان نزاربايف “سيبدأ خلال المؤتمر في أستانا، يمكن أن نقول، تاريخ جديد لمنظمتنا. هذه الجلسة ستعقد وللمرة الأخيرة وفق صيغة سداسية. اتفقنا اليوم على توقيع قرار حول اختتام عملية قبول ومنح الهند وباكستان صفة دول-أعضاء بمنظمة شنغهاي للتعاون، قبول أعضاء جدد سيعطي نبضاً جديداً وقوياً لتطوير المنظمة وسيساعد على تعزيز مكانتها الدولية.”(9)
إن وجود باكستان في هذه المنظمة، والتي تنص أبرز بنود العضوية فيها على ألا يكون هناك خلافات حدودية بين الدول الأعضاء ومبدأ حسن الجوار(10)، بالإضافة إلى وجود الهند سيخفف كثيراً من التناقضات التي يمكن أن تستغلها واشنطن، الخلاف الحدودي الباكستاني –الهندي والصيني –الهندي، من أجل تفتيت المنظمة أو التأثير على التعاون بين أعضائها، وهو ما يصب بشكل مباشر في مصلحة الصين، وروسيا، لا سيما مع المخاوف النابعة من دول في قلب آسيا، وهو الأمر الذي قد لا تريده الولايات المتحدة.
4. الممر الاقتصادي وميناء جوادر
قال وزير التخطيط الباكستاني، أحسن إقبال، إن باكستان تنفذ بسلاسة خطة طموحة لبناء ممر اقتصادي مع الصين على الرغم من بعض التحديات، إذ تعهدت الصين بتخصيص 57 مليار دولار لاستثمارات مشروعات على طول الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني في إطار خطة “الحزام والطريق” الطموحة. وقال إقبال، لوكالة رويترز على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة داليان الصينية، “ننفذ بسلاسة ونحن راضون جدا عن وتيرة التنفيذ”. وأضاف أنه إلى جانب الاستثمارات التي تعهدت بها الصين ستستثمر باكستان نحو عشرة مليارات دولار. وأشار إلى أن الممر الاقتصادي الذي سيكتمل على ثلاث مراحل، في موعد أقصاه عام 2030، وسيعزز أمن الطاقة والبنية التحتية في باكستان مما سيساعدها على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.(11)
في المقابل، يشير بعض المحللين بأن نجاح هذا الممر، الذي سيستمر بناؤه حوالي العقدين من الزمن، سيكون له أثر ايجابي على بقية الممرات المنوي إقامتها، لاسيما بين الهند وبنغلادش وميانمار.(12)
أما ميناء جوادر، فلقد استطاعت الصين أن تحصل على امتياز تشغيل الميناء لمدة أربعين عاماً ابتداءً من العام 2015.(13) في حينها، أشار الرئيس الباكستاني السابق، آصف علي زرداري، أن العمل في الميناء سيسهل نقل نفط المنطقة إلى الصين، وسيصبح جوادر مركز التجارة في المنطقة الذي يجمع بلدان آسيا الوسطى، كما أنه سيعطي دفعة جديدة للعلاقات الباكستانية -الصينية.(14)
في هذا السياق، إن الاهمية الاستراتيجية لميناء جوادر تكمن في قربه من مضيق هرمز (250 ميلاً)، ولقد استفادت الصين من رفض الولايات المتحدة لطلب باكستان تطوير الميناء، إذ قبلت تحمل 79% من الكلفة الإجمالية لبنائه والبالغة 500 مليون دولار اميركي.(15) وبحسب الاتفاقيات الاستثمارية الضخمة الموقعة بين البلدين، سيتم انشاء شبكة طرق وسكك حديدية وأنابيب بطول يبلغ حوالى 3000 كلم بين الميناء وإقليم شينجيانغ في غرب الصين.(16)
وبالتالي، سعت العديد من الدول الخليجية، المقربة من واشنطن، إلى العمل على تحديد نشاط هذا الميناء كونه سيخفف من تجارتها وموقعها في قلب التجارة العالمية، وبالتالي سيضعف هؤلاء الحلفاء في وجه الصين.
5. اعتماد العملات المحلية في التعامل التجاري
أعلن وزير الدولة الباكستاني للشؤون المالية، رانا أفضل، موافقة البنك المركزي رسمياً على استخدام اليوان الصيني في التعاملات التجارية الثنائية بين إسلام آباد وبكين. وقال الوزير أفضل “لقد أصدر بنك باكستان الوطني تعميماً وسمح رسمياً للشركات العامة والخاصة في باكستان باستخدام العملة الصينية في التجارة الثنائية والأنشطة الاستثمارية”. وأوضح أنه “من شأن هذه الخطوة تخفيف العبء عن باكستان فيما يتعلق بالاعتماد على الدولار الأمريكي”.(17)
هذا الاعلان هو بمثابة “قنبلة” في وجه واشنطن التي تحرك العام عبر الدولار. فإن أية عملية تجارية تستبعد عملتها، سيؤدي إلى تراجع مكانتها الاقتصادية، بشكل خاص، ورقابتها على سوق المال، بشكل عام. لكن الخوف الأكبر يكمن في مدى إمكانية “فك الربط” بين الدولار والبترول، والطاقة عموماً، لا سيما مع وجود بنك “البريكس” المؤيد لاستخدام العملات الوطنية. فروسيا، على سبيل المثال والتي تمتلك أكبر احتياطي غاز في العام، قد تقدم على بيع وتسعير الطاقة بالروبل. وهذا الأمر قد ينطبق أيضاً على الصين التي قد، ونقول قد لعدد من الأسباب، تأخذ مثل هذه الخطوة في تعاملاتها خصوصاً مع اعتماد اليوان الصيني كعملة أساسية لدى صندوق النقد الدولي.
6. قاعدة عسكرية صينية
نقلت بعض الوكالات الإعلامية عن مسؤولين صينيين أن بلادهم تعتزم إقامة قاعدة بحرية لها في ميناء غوادر، حيث تبرر الصين انتشارها في المنطقة بأنه ضروري لحماية تجارتها، فيما تخشى الهند والولايات المتحدة من تواجد البحرية الصينية المتزايد في بحر العرب والمحيط الهندي.(18)
إلى ذلك، يرى بعض المحللين بأن الصين تقوم ستقوم ببناء قاعدتها العسكرية الثانية في باكستان في إطار دفع المزيد من القدرات استعراض القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية الصينية على طول الطرق البحرية الاستراتيجية. وسوف يتم بناء المرفق في منطقة “جيواني”، وهو ميناء قريب من الحدود الإيرانية على خليج عمان، والتي من المقدر لها أن منشأة بحرية وجوية مشتركة للقوات الصينية التي قدمت خطط بشأنها مجموعة من 16 ضابطاً من الجيش الصيني الذين التقوا مع حوالي 10 ضباط عسكريين باكستانيين.(19)
أما بالنسبة للتعاون العسكري وخلال زيارته إلى باكستان في أبريل/نيسان من العام 2015، وقع الرئيس الصيني شي جين بينغ على عدد من الاتفاقيات أبرزها الاتفاق العسكري الذي ينص على تزويد الصين باكستان ثماني غواصات حديثة تصل قيمتها إلى خمسة بلايين دولار.(20)
هذه العوامل، وغيرها، تجعل من باكستان “هدفاً” محتملا لواشنطن، خصوصاً وأنها تؤثر وبشكل كبير على سياساتها ونفوذها في تلك المنطقة.
*مؤسس ومدير مركز “سيتا”
مصدر الصور: سبوتنيك – Times Of Lahore – SDArabia- قناة العالم – indianexpress.com – الوكالة الاقتصادية – سكاي نيوز.
المصادر:
(1) تايمز: على باكستان أن تنهي لعبة الاحتيال. 6/1/2018. الرأي اليوم. على الرابط التالي:
http://bit.ly/2mm8D9v
(2)باكستان ترد علي ترامب بعد اتهامه لها بالإرهاب: لا تعتقد ان صبرنا عليك ناجم عن ضعف!! وتصعقه برد مفحم. 6/1/2018. الحرية بوست. على الرابط التالي:
http://bit.ly/2D6RaNi
(3) قائد الجيش الباكستاني: شعرنا بالغدر أمام الانتقادات الأمريكية. 12/1/2018. رويترز. على الرابط التالي:
http://bit.ly/2D7Sq1Q
(4) رئيس تركمانستان: العمل متواصل فى مشروع خط أنابيب الغاز “تابى” فى أفغانستان. 3/7/2017. اليوم السابع. على الرابط التالي:
http://bit.ly/2qZhiE7
(5) هل ستتخلى ايران عن تغريم باكستان حول أنبوب الغاز؟ 13/5/2014. قناة العالم. على الرابط التالي:
http://bit.ly/2D65K7Z
(6) موسكو وطهران اتفقتا على بناء خط غاز من إيران إلى الهند. 3/11/2017. روسيا اليوم. على الرابط التالي:
http://bit.ly/2h2QnzK
(7) لمزيد من التفاصيل، راجع:
صندوق طريق الحرير يبدأ اول استثماراته فى باكستان. 21/4/2015. صحيفة الشعب اليومية الصينية اونلاين. على الرابط التالي:
http://bit.ly/2CYkUrH
(8) باكستان تنضم إلى منظمة شنغهاي للتعاون. 26/6/2016. الوطن الكويتية. على الرابط التالي:
http://bit.ly/2mvZKed
(9) انضمام الهند وباكستان إلى “شنغهاي” سيقويها. 9/6/2017. سبوتنيك. على الرابط التالي:
http://bit.ly/2AUrrBU
(10) الدكتور احمد علّو. نوفمبر/تشرين الثاني 2009. منظمة شنغهاي… بين تحالف المصالح وصراع الحضارات . مجلة الجيش اللبناني. على الرابط التالي:
http://bit.ly/2Ezhegc
(11) الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان “يمضي” بسلاسة. 28/6/2017. سكاي نيوز عربية. على الرابط التالي:
http://bit.ly/2mzUKp9
(12) لمزيد من التفاصيل، راجع:
Muhammad Amir Rana. 17/5/2015. Economic corridor challenges. Dawn, on:
http://bit.ly/2qWZmtM
(13) لمزيد من التفاصيل، راجع:
الصين تحصل على حقوق تشغيل ميناء جوادر الباكستاني لمدة 40 عاماً. 15/4/2015. على الرابط التالي:
http://on.china.cn/2mm7lLm
(14) المرجع السابق نفسه.
(15) لمزيد من التفاصيل، راجع:
د. عبد العظيم محمود حنفي. دون تاريخ. القلق الهندي من خيط اللؤلؤ الصيني. موقع المطرقة. على الرابط التالي:
http://bit.ly/2D4Dz8n
(16) لمزيد من التفاصيل، راجع:
باكستان “نمراً آسيوياً” جديداً… بدعم صيني. 21/4/2015. جريدة الاخبار اللبنانية. العدد 2571. على الرابط التالي:
http://www.al-akhbar.com/node/231001
(17) باكستان تعتمد اليوان الصيني بالتعاملات التجارية الثنائية. 4/1/2018. قناة العالم. على الرابط التالي:
http://bit.ly/2D4A2H9
(18) جمال إسماعيل. 8/1/2018. قاعدة عسكرية صينية في باكستان و”البنتاغون” يدرس رداً على أي اعتداء. جريدة الحياة. على الرابط التالي:
http://bit.ly/2mlmQTW
(19) الصين تبني قاعدة عسكرية في باكستان. 7/1/2018. الدفاع العربي. على الرابط التالي:
http://bit.ly/2EA2NZw
(20) لمزيد من التفاصيل، راجع:
الصين تطمح الى جعل باكستان “ممراً اقتصادياً” يربطها بالشرق الاوسط، مرجع سبق ذكره، على الموقع التالي:
http://bit.ly/2DnFyCs