خاص سيتا
يان فان زيبروك*
البنك المركزي الأوروبي يطلق سياسة “التيسير الكمي””Q.I 5”
في مارس/آذار العام 2015، أطلق البنك المركزي الأوروبي خطط التسهيل النقدي، بمعدل 80 مليار يورو شهرياً ثم انخفضت الى 30 مليار هذا العام، برئاسة ماريو دراغي، المدير السابق لشركة غولدمان ساكس، والذي استخدم الحجج نفسها التي قدمها البنك الاحتياطي الفدرالي الاميركي لدعم المالية الأسواق، وهذا ما يعد انتهاكاً للميثاق الذي يقونن النظام الاقتصادي الأوروبي، لا سيما حذر طباعة النقود.
بعد الكارثة الاقتصادية التي حلت باليونان والتي اعادت هذا البلد الى ذات المرحلة التي مرت بها المانيا في العام 1929، اتهمت جميع الجهات الاقتصادية اليونانيين الفاعلة بطريقة عنيفة، تمثلت في حالة الركود، كما بداؤا يشيعون بأن العامل اليوناني يعمل اكثر من العامل الفرنسي، لكنهم لم يشيروا الى المساعدة التي قدمتها شركة “غولدمان ساكس”، والتي هي اقرب الى عملية احتيال، من اجل ادخال اليونان في العملة الاوروبية الموحدة، مع العلم المسبق بأن أثينا لن تستطيع تحمل ذلك، اذ كانت النتيجة انتحار عشرات الاشخاص شهرياً، وإعادة هيكلة الخطط العامة، والتخفيض في المعاشات التقاعدية، والإخلاء القسري للسكان من المنازل والذين اصبحوا غير قادرين على دفع نفقاتها، اذ كان القانون السابق يعطي السكان 8 أيام للاخلاء الطوعي قبل عمليات الإخلاء القسرية من قبل الشرطة.
في قبرص، تم اجراء اختبار بعد اقرار قانون جديد بشأن ضمان أموال المودعين، بحيث اذا كان الشخص يمتلك 100 الف يورو في حسابه يستطيع البنك ان يقوم بإستثمار 80% من هذه الاموال في الحالات الخطيرة، وهذا ما يمكن تسميته بـ “الكفالة” وهو الامر الذي اعتبر انقلاباً من قبل البنوك.
هذا التوجيه نحو “استرداد البنوك وتوجيه القرارات” تم تطبيقه على جميع البنوك الأوروبية. غير انه، ومع بداية العام 2018، تبين ان هذا الملبغ لن يكون كافياً، فالحديث اصبح يتمحور حول المبلغ بكامله، اذ ان بعض القوانين اعطت الحق جميع البنوك الاوروبية، في حال ما إذا كان احد البنوك يمر بأزمة، في حظر أي عملية سحب للسيولة. فعلى سبيل المثال، إذا أفلس مصرف إسباني، فإن البنوك البلجيكية سيكون لها الحق في حظر عملائها من سحب النقود.
هاتان الحالتان، اليونان وقبرص، تشيران إلى أن البنك المركزي الأوروبي سيطلق سياسة “التيسير الكمي” أة الـ “Q.I” عندما لا تكون الأمور على ما يرام. وتجدر الإشارة هنا أيضاً إلى أن الغرض من البدء في توزيع السيولة في البنوك المركزية كان، وفي المقام الاول، لإنقاذ خسائر البنوك التي تمتلك أصولاً “نتنة”، حتى لا تقوم تلك الأصول بتسميم سيولة البنك. إن بعض البلدان قد مارست ما سمي فيما بعد “تأميم الديون وتحرير الصورة”، وهذا صحيح.
من خلال هذا الاجراء، تم الحفاظ على المساهمين، بينما دُفع المودعين الى أسواق الأسهم التي تشبه “الكازينو”. ولكن ما هي النتائج؟ في هذا الشأن، سأحيلكم الى مقالة لي (بعنوان: “قوة النموذج الالماني”) عن كيفية تصرف المانيا في هذا المجال.
إن ضخ هذه الكمية من “المال الوهمي” يلزم الدول الأعضاء بالاقتراض في المصارف الخاصة لضمان الحد الأدنى لمواطنيها، مما رتب خفضاً في المكاسب الاجتماعية وغيرها. هذه الاجراءات، اثرت على الكثير من العاملين سلباً لا سيما وان خطوط انتاج الشركات الكبرى اصبحت في الخارج، وبالتالي باتت تدفع مبالغ اقل للعمال، بينما يتم ارسال المنتجات الى اوروبا مدموغة بعلامة “صنع في اوروبا”.
هذا “التيسير الكمي” عمل على ما يرام في اوروبا، اذ ترافق مع سياسة “منطقة اليورو” لكن، وفي المقابل، دفعت الشباب الاوروبي على الهجرة. ففي العام 2009، وصل معدل البطالة بين الاسبان أكثر من 50٪. وفي العام 2016، غادر أكثر من مليونان واربعمائة الف دولهم الى البلدان الناطقة بالإسبانية، كما غادر أكثر من مليون شاب ايطالي، وحوالي 600 الف ايرلندي، أو ما يعادل 10٪ من مجموع سكان البلاد الى خارج اوروبا، بالرغم من النصوص الواردة في اتفاقية لشبونة، التي تنص على أن أي شركة أوروبية يحق لها ان تجلب العمال من بلدان اروروبية أخرى.
للعام، قامت الشركات الكبرى بدقع مرتبات العمال على على اساس بلدانهم وليس بلد العمل. وهنا يثور التساؤل التالي: كيف يمكن تقييم ذلك في بلدان تشهد مستويات تنافسية عالية كألمانيا مثلاً؟ في مثال على ذلك، ان قيمة الاجور في اسبانيا هي اقل بـ 20%، وايطاليا 10%، هذا اذا لم نتحدث عن المعايير الاجتماعية التي دمرت تقريباً. ان سياسة “التيسير الكمي” هذه تسببت في تراجع اوروبا، وهو ما عرف ايضاً بسياسة “التجزئة. من هنا، يمكن تصور مدى الخطورة الوضع الذي تمر بها المنطقة الاوروبية، حيث تتفاوت الامور بين بلد وآخر، فهي أقل في ألمانيا من البرتغال التي هي أقل من اليونان.
ان زيادة المخاطر يستتبعها حكماً زيادة في حجم الديون، وبالتالي فإن البنك المركزي الأوروبي، من خلال سياسة توحيد المخاطر الأوروبية، سيعمد الى شراء جميع الديون المعدومة التي من المرجح أن تصدع منطقة اليورو. ومع وجود مثل هذه السياسة، الا ان هذه الديون لا تزال قائمة، ولا تزال هناك العديد من المشاكل.
بحسب التعريف، فإن البنك المركزي هو مؤسسة تهدف إلى دعم المجال الاقتصادي بالسيولة، سواء كانت استثمارات ائتمانية أو استهلاكية. بالاختلاف مع دور البنك المركزي الأمريكي، يقوم البنك المركزي الأوروبي، والياباني ايضاً، بعملية شراء الأسهم، والتي لا تدخل ضمن اختصاصه بالاصل، من اجل توفير السيولة المالية في الاسواق.
الاقتصادي باتريك أرتوس، في العام 2017، اصدر كتاباً شخَّص فيه سياسة السيولة للبنوك المركزية، حيث قال “جنون البنوك المركزية، يستدعي وضعاً جديداً”، ويضيف “ان وضع الاقتصاد على النار مع التيسير الكمي ومعدلاتها السلبية سيؤدي إلى فقاعة السندات”. فتطبيق المعدلات السلبية الموجودة في عدد من البلدان الأوروبية، وأيضا في اليابان، سيكون بمثابة تدمير لرأس المال، وتفكك للثقة في العملة والنظام القائم على الدين. بعض الاقتصاديين يعتقد أن هذا الامر لن يؤثر على المودعين الصغار، لكنهم بذلك اما لا يقولون الصدق، ام تنقصهم كفاءة التحليل.
لكن أصدق تعبير عن ذلك، أي عدم كفاءة السياسة النقدية في أوروبا، أتى من رئيس المجموعة الأوروبية، الهولندي جيروين ديسلبلوم، الذي قال “لدينا أزمة مصرفية وأزمة مالية وكثير من المال”، ويضيف “إذا كان الناس ينتقدوننا ويقولون إن كل ما يجري هو لصالح البنوك، فهم الى حدٍ ما على حق.”
ويشير ديسلبلوم أنه لم يكن من بين الكثيرين المرحبين بالاتفاق القاضي بإنقاذ البنوك، ولكنه على ما يبدو وافق على اتباع المسار السابق. هذه السياسة، جعلت الملايين من اليونانيين، الذين يعيشون في الفقر أو تحت خط الفقر وأكثر من 3000 شخص الذين انتحروا، غير قادرين على مقاومة الأزمة الاقتصادية التي لم تنتهِ بعد.
*باحث في مركز “سيتا”
الهوامش:
http://bit.ly/2DhbBq4
مصدر الصور: Association of American Physicians and Surgeons – The Telegraph – IMLebanon – روسيا اليوم.