شارك الخبر

خاص سيتا

يان فان زيبروك*

ماذا نعني بالمطابع النقدية أو التيسير الكمَّي؟ إنه مجرد توفیر النقد لدعم الاقتصاد بشکل عام من خلال السیولة، وھي عادة ما تصدر عن البنوك المرکزیة. منذ عام 2007 أي بعد أزمة الرهن العقاري، أغرقت البنوك المركزية الأسواق بالعملات بنسب لم يسبق لها مثيل في التاريخ. لن نعيد الحديث في هذه الأزمة، ولكني أدعو المهتمين في هذه الفترة إلى قراءة كتاب جيليان تيت، وهو صحفي مالي في هيئة الإذاعة البريطانية، عنوانه جيليان تيت “ذهب الأغبياء”، والذي لا يزال أحد المراجع الرئيسية لهذه الفترة.

أزمة الرهن العقاري، كان الشعار: “يجب علينا إنقاذ النظام العالمي”، وهي في الحقيقة كانت شعارات المؤسسات المالية العالمية الكبرى، سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا أو اليابان أو الصين. في حين كان من الضروري إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن المحرضين من خطة الإنقاذ المالي كانوا تحت “المورفين النقدي”، وما رأيناه هو أن الأرقام تقول نسب النمو لا تتجاوز 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، والتي وأذكر أنها تعد شرطاً من أجل سداد ديونها، فالصين على سبيل المثال تستوفي هذه الشروط.

اليابان… المثل الأمثل

اليابان هي أفضل مثال في هذا المجال، فمنذ 19 عاماً والبنك المركزي الياباني يطبع المال، أما العواقب على اليابانيين فهي كارثية تماماً، بحيث انهم لم يعودوا يمتلكون شيئاً، بل المصرف المركزي من يمتلك، فهم لم يمتلكون أيه مدخرات مالية، فتعويضات كبار السن على سبيل المثال بدأت تذوب. ويرجع ذلك إلى الزيادة في أسعار السلع الاستهلاكية في مقابل معاش تقاعدي يتآكل مع كل زيادة في الأسعار. إضافة الى ذلك، ارتفع معدل الانتحار لدى الشبان الذي يترافق مع شكل جديد من أحداث العنف تمارسها فئة من الشبان لم تعد تؤمن بمستقبلها.

المشكلة الأخرى التي تواجهها اليابان هي التغير في التركيبة السكانية، وتحديداً نسبة الشيخوخة العالية، حيث انهم يقولون “نحن نبيع حفاضات أكبر لكبار السن من الأطفال”. ان للديموغرافيا اهمية كبرى في الاقتصاد، فثروة الاقتصاد تعتمد على إنفاق الأسر الذي يبلغ حوالي 70٪، والهرم العمر يعطي مؤشرات حقيقية على نسب الاستهلاك. فعندما يتزوج اثنين ينجبان اطفالاً ويكونان اسرة، وحينها سيكون عليهم استئجار أو شراء منزل لهم، ودفع النفقات الدراسية، وعملية الاستهلاك الضرورية للعيش… الخ. هذه الفئة العمرية تترواح ما بين 25 إلى 55 عاماً، فتحت هذا المعدل العمري سينخفض الاستهلاك وتنخفض الرغبات.

فكيف ستكون الدولة قادرة على دفع اموال المتقاعدين حيث ان الضرائب المتحصلة من عمل الشباب، اليوم، ستتوازى مع هذا الانخفاض في التركيبة الديمغرافية مستقبلاً؟ في العشرين عاماً القادمة، يقف هذا البلد على مفترق خطر إذا ما استمرت نفس وتيرة الانخفاض السكاني.

خلال أزمة عام 2007، الـ “أبينوميكش”، أو الخطة المالية التي دافع عنها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، ستسير بشكل جيد. هذا النوع من السياسات، سيكون مثالاً يساهم في دعم عدد من الاسواق وأبرزها الفرنسية، وسيكون ذلك نموذجاً لتجربة مشتركة تدعم “اسواق العالم”، لكنها ترافقت مع زيادة في اسعار السلع الاساسية، وتسبت في خفض الاجور، وزيادة الضرائب المفروضة على الشعب، الذي يتحمل عبء كل ذلك.

دراسة هذه الحالة الفريدة عن اليابان، يجب أن تُقلق بلداناً أخرى في العالم فهذا النظام يقوم أساساً على معدل الذكاء، ومنها الولايات المتحدة في المقام الاول. في سبتمبر/ايلول 2007، زاد احتياطي البنك الفدرالي من 260 مليار دولار إلى 580 مليار في أكتوبر، وهنا يجب التذكير بنه هذا المصرف ليس مؤسسة حكومية، وهو تجمع يضم 12 مصرفاً خاصاً كبيراَ.

الحال في الولايات المتحدة

واعتباراً من مارس/آذار 2008، قام البنك الاحتياطي الفيدرالي بزيادة قروضه من السيولة في مقابل تفعيل “عملية إعادة الشراء” ولفترة طويلة (بقيمة 80 مليار دولار)، كما ارتفعت الواردات المالية لمرفق المزاد العلني من 60 مليار دولار إلى 100 مليار دولار، ثم جاء بعد ذلك دور مشروع “التسهيل لأجل إقراض الأوراق المالية”، التي تديره ادارة الاحتياط الفدرالي الاميركية، لتصل إلى 200 مليار دولار. في المقابل وبين عامي 2015 و2016، أراد بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع هذه المعدلات الرئيسية، بنسبة 3 اضعاف، ولكن ذلك لم يؤدِ الى نتائج اقتصادية، وهذه الزيادة كانت للاشارة الى تعافي الاقتصاد نوعاً ما، لكن هذه النتيجة بحاجة الى تدقيق أكثر.

ان الوضع الحقيقي للاقتصاد، على سبيل المثال عمليات الجرد ومؤشر “كاس” للشحن الذي يعتبر مقياساً لكل من السكك الحديدية والنقل البري، يشير الى ان الأنشطة الاقتصادية مستمرة في التدهور، والعائدات الضريبية المتاحة للجمهور بقيت نسبها غامضة.

كان المحررون الاقتصاديون أكثر وضوحاً، على سبيل المثال لمدة عامين، اذ كانت نسب النمو بطيئة جداً، في أوروبا. هذا لنقول بأن عدداً من العوامل، أبرزها تراجع أسعار النفط وانخفاض اليورو وانخفاض الأسعار، اظهرت بأن عودة بسب النمو ليست مرضية، فاليورو ضعيف ولا يغير أي شيء، لا سيما وان 60٪ من صادرات أوروبا هي للاستهلاك الاوروبي، وتشترى باليورو.

انخفاض أسعار النفط يقابلها زيادة في الضرائب المختلفة للتخفيف من تأثيرات هذا الانخفاض، فمعدلات “الصفر” عادة ما تكون بوابة لتدفق الائتمانات، مع الثقة بأن هذه المعدلات لا ترتفع أبداً، وحالة من عدم استقرار في العمل بسبب التنافس على تنزيل الاجور. في الولايات المتحدة، لقد كان اغلبية الأمريكيين ملاَّكاً، قبل عام 2007، وبعد الأزمة أصبحوا مستأجرين، مما يعني زيادة في النفقات الإضافية وقوة شرائية أقل، دون أن ننسى مشروع “أوباما كير” الصحي، التي مثل 20٪ من دخل الأسرة.

بعد عام 2007، كان معظم معدل اعمار العمال الأمريكيين الذين تمكنوا من العودة يتراوح ما بين 55 و65 عاماً في مجالات الخدمات، مثل فئة النوادل أو غيرها، لسببين؛ السبب الاول، تجميع بعض المدخرات لتعويض معاشات التقاعد التي تبخرت. والسبب الثاني، أنهم يتقاضون رواتب اقل من فئة الشباب.

إذا كنا نتحدث رسمياً عن 4٪ من العاطلين عن العمل، فإننا سنسى بسرعة الفئات الأخرى، تلك التي لم تشملها الإحصاءات، والذين لم يتم تسجيلهم في سجلات البحث عن الوظائف. فهناك 500 ألف امريكي اعتبروا من ميسوري، بل معدومي، الحال يستفيدون من برامج مساعدات كـ “فود ستامبس” حيث تقدم لهم المواد بكلفة منخفضة.

“وظيفة مؤقتة.. نعم”!

هل يعزز العمل بدوام جزئي او التسجيل في الوكالات المؤقتة الاستهلاك؟ بالطيع لا، فالبنوك لا تعطي قروضاً لهذه الفئة من العمال. في العام 2014، قدمت ادارة الرئيس الاميركي السابق، باراك اوباما، برنامجاً من اجل شراء سيارات وكان الهدف هو انقاذ شركة “جنرال موتور” المشهورة، حيث رهنت المواطنين، الذين لا مأوى ولا عمل لهم، بذلك لمدة 6 سنوات، في حين ان قيمة سعر السيارة سيتدهور من سنة إلى أخرى، اذ سيصل بعد 4 سنوات الى سعر كارثي بالمقارنة مع القرض الذي تم سحبه من البنك. لذلك، سيكون المقترض ملزماً بسداد هذه السيارة خلال مدة عامين، وإذا أراد المشتري بيع سيارته في نهاية الـ 4 سنوات، فإنه لن يستعيد ما قام بدفعه من اقساط. ولكن من ذا الذي لا يزال يراهن على العمل المستقر في الولايات المتحدة أو بقية العالم؟ لقد أطلقت بالفعل إشارات الاستغاثة ولكن كيف سيكون تأثير هذه الفقاعة. لا يمكننا تحديد ذلك.

فقاعة أخرى تتمثل في المنح الدراسية، وهي سياسة امريكية لإقراض الطلاب الملتحقين بالجامعات، مثل ييل و”ام.آي.تي” اللتان تحظيان بشعبية كبيرة بين فئة الشباب، والتسجيل والرسوم المرتفعة للغاية. هذه القروض تسدد بعد التخرج من الجامعة، اذ يجب على الطالب سدادها عندما يبدأ حياته المهنية.

في بعض الأحيان إذا لم يتم دفع المبلغ بالكامل بسبب الوفاة، تعود البنوك على اطفال وعائلات المقترضين للتسديد. لكن الامور قد تغيرت بعد العام 2007، فالضمانة التي أتيحت للطلاب بغية الحصول على أجور عالية بعد انتهاء الدراسة تبخرت، وفهم لم يجدوا عملاً وحسب، بل انهم اضطروا للعمل في وظائف بدوام جزئي صغير، وهذا يعني انهم لم يعودوا قادرين على شراء المنازل، او تكوين عائلة، اذ ان الكثير مهم سيضظر للبقاء والعيش في منازل اهلهم.

فئة اخرى منهم، ستقوم بالاقتراض من اجل الحصول على الدكتوراه او درجات معادلة، ولكن كم منهم ستكون قادراً على الوصول إلى وظائف عالية الأجر؟ عدا عن جامعة “ييل”، ان العديد من أساتذة القانون في المستقبل لا يمكنوا بسهولة من العثور على وظائف مدفوعة الأجر بمستوى تحصيلهم العلمي. هذه الفقاعة هي واحدة من أكبر الفقاعات في الولايات المتحدة، فـ “حاصل الذكاء” لن يساعد هؤلاء في وقف هذه الفقاعة بل على العكس من ذلك.

كل ذلك لنقول بأن أي ارتفاع حقيقي في المعدلات سيتسبب في انفجار “وول ستريت” وامور اخرى غيرها، حيث سيتم سحق هذه الديون، والملايين من الناس قد تفقد كل شيء. في هذا الشأن، ليس غريباً ان يفوز الرئيس دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية، فهو عندما جاء الى السلطة، اكمل سياسته الخاصة فيها والتي تقوم على سياسة “الاغنياء جداً”.

 

 

*باحث في مركز “سيتا”

 

 

الهوامش:

 

http://bit.ly/2D1TxwW

http://bit.ly/2Dd5VOD

http://bit.ly/2D7ll70

 

مصدر الصور: Association of American Physicians and Surgeons – الحياة – العربي الجديد – الجزيرة نت – المغرب اليوم.


شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •