حوار سمر رضوان
من خلال قراءة مواقفها المتتالية، يبدو أن تركيا تمر بحالة عدم استقرار على الصعيد السياسي الخارجي حيث أنها تعتبر نفسها “محاصرة” من قبل الحلفاء و”الشركاء” وهو الأمر الذي يقلقها ويجعلها تتصرف بردّات الفعل.
بعد أحداث إدلب وتكرار الهجوم على القوات الروسية في سوريا، سأل مركز “سيتا” الأستاذ آصف ملحم، الخبير في مركز الأوضاع الاستراتيجية – موسكو، حيث يشير إلى أن نظام الرئيس التركي رجب طيب اردغان “أصبح محاصراً من قبل الجميع، الأصدقاء والأعداء والخصوم على حد سواء؛ فلقد انتهجت تركيا-أردوغان، منذ اندلاع الأزمة السورية، نهجاً سياسياً خاطئاً، خذلت فيه الحق والباطل معاً. وبالتالي، فإن نظام أردوغان في حالة لا يحسد عليها؛ فلقد انتهت “فعاليته السياسية”. من هنا، فإننا نعتبر الموقف التركي الأخير مجرد عملية انعاش ذاتي لجثة ميؤوس من إحيائها، وكأن لسان حال الإدارة التركية يقول: أنا ما زلت على قيد الحياة.”
وعن التهديد التركي بدخوله لعفرين السورية، يقول الكاتب ملحم بأن هذا الموقف “يمكن قرآته ضمن هذا الإطار أيضاً، فليس لهذا التهديد أي قيمة سياسية على الإطلاق، فلا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وإحياء أمر قد أُميت وسلوك نهج قد بان ضلاله؛ فمعظم دول العالم متفقة على ضرورة القضاء على الجماعات الإرهابية التي تحارب على الأرض السورية، بغضّ النظر عن الدول التي تقف وراء هذه الجماعات.”
فيما خص الموقف الروسي من هذه التهديدات التركية، يقول الأستاذ ملحم “في الواقع، روسيا مصرة على وجود تركيا كضامن في اتفاقات التسوية. فعلى الرغم من السلوك الخاطئ المستمر لنظام أردوغان، إلا أن تركيا ليست حليفاً استراتيجياً لروسيا كما أنها ليست عدواً لها، ولهذا الإصرار الروسي أسباب وجيهة، يمكن تفهمها عند تسوية أي أزمة سياسية أو صراع. ولقد أعلن الكرملن على لسان المتحدث بإسم الرئيس الروسي، فلاديمير بيسكوف، بأن التواصل بين روسيا وإيران وتركيا سيستمر بهدف استكمال تنفيذ اتفاق مناطق خفض التصعيد وصولاً إلى التسوية السياسية الشاملة للأزمة، والتي من المتوقع أن تبدأ مع مؤتمر سوتشي.”
ويضيف الكاتب ملحم “لذلك، نعتقد أن المشاورات والمباحثات، على الصعيدين العسكري والسياسي، ستستمر بين تركيا وروسيا بغية حل جميع الخلافات الناشئة؛ فلقد اتضحت فعالية اتفاق مناطق خفض التصعيد، لذلك فإنه من الضروري التغلب على جميع الصعوبات والمعوقات التي تظهر أثناء تطبيق هذا الاتفاق، وهذا ما تحرص عليه روسيا.”
فيما خص تصريحات بعض المسؤولين الروس عن ضلوع الولايات المتحدة في الهجوم الأخير على القوات الروسية في سوريا، يرى الأستاذ ملحم بأن “هناك عدة قرائن تؤكد ضلوع الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الهجوم، أهمها:
- مسارعة الولايات المتحدة الأمريكية للإعلان عن أن أنظمة الطائرات بدون طيار متاحة على نطاق واسع في السوق، وذلك على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، الرائد أدريان رانكين-غالاوي. فلقد أثار هذا التصريح حفيظة المعنيين، وطرح العديد من نقاط الاستفهام حول طبيعة هذه التكنولوجيا، مكان هذا السوق، الجهات التي تديره … الخ.
- تحليق طائرة تجسس تابعة للقوات البحرية الأمريكية، من نوع P-8A Poseidon، على ارتفاع 7000 متر لمدة أربع ساعات بين طرطوس وحميميم، الأمر الذي اعتبرته وزارة الدفاع الروسية (صدفة غريبة).
- تتطلب صناعة الطائرات بدون طيار إمكانيات تكنولوجية متقدمة جداً، ولا يوجد سوى عدة دول قادرة على ذلك.”
ويضيف الكاتب ملحم “في الواقع، يطرح امتلاك الجماعات الإرهابية لمثل هذه التكنولوجيا تحديات جديدة أمام أجهزة الأمن، الأمر الذي اعتبره بعض الخبراء (صفحة جديدة) في مواجهة الإرهاب الدولي. إذ أنه من الممكن إطلاق هذه الطائرات من مسافات بعيدة جداً عن الهدف، وهذه الأهداف يمكن أن تكون عسكرية أو مدنية أو صناعية، كمخازن الغازات والمواد الكيميائية والمنشآت الحساسة، كما أنه يمكن مهاجمة أي نقطة في العالم وفي أي دولة.”
في إشارة إلى أمر مهم، يقول الأستاذ ملحم “في الحقيقة، العديد من المنشآت المدنية والصناعية غير مجهزة بالأنظمة الإلكترونية القادرة على التعامل مع تهديدات الطائرات بدون طيار، كما هو الحال في قاعدتي حميميم وطرطوس والمنشآت الاستراتيجية الأخرى، كما أن توفير مثل هذه الأنظمة يعتبر أمراً في غاية الصعوبة، فنياً ومالياً. من هنا ندرك الأخطار الأمنية الجسيمة الناجمة عن تسريب هذه التكنولوجيا إلى الجماعات الإرهابية، والتداعيات السياسية التي يمكن أن تتركها على العلاقات مع الدول التي تزود الإرهابيين بمثل هذه التقنيات. لذلك يعتبر ثبوت ضلوع واشنطن بتسهيل نقل هذه التكنولوجيا إلى الإرهابيين فضيحة مدوية، تضاف إلى سلسلة فضائحها، المتمثلة في دعم الجماعات الإرهابية على الأرض السورية. إلا أن هذا (الخطر الجديد) سيطال جميع دول العالم، لذلك فليست روسيا وحدها فقط معنية بالتصدي له، بل جميع دول العالم.”
في ختام هذه النقطة، يقول الأستاذ ملحم “بناءً على ما سبق، فإنه من المتوقع أن تعالج روسيا الموضوع، بالتنسيق مع بعض الدول، على عدة مسارات: قانونية وسياسية وأمنية؛ وكل اتجاه من هذه الاتجاهات له آلياته وأدواته وأطره، في المنظمات الإقليمية أو الدولية المعنية.”
وعن مدى تأثير هذه الأحداث على مستقبل “جنيف 9” و”سوتشي”، يرى الأستاذ ملحم بأن “الرسالة السياسية للتصعيد الأخير واضحة وجلية، وتهدف إلى إحباط الجهود الدبلوماسية التي تبذلها روسيا في تسوية الأزمة السورية، خاصة بعد النجاح الكبير الذي أنجزته روسيا، إذ استطاعت موسكو خلال فترة قياسية من المباحثات في آستانة نقل الصراع من الميدان إلى طاولة المفاوضات، وهذا ما عجزت عن تحقيقه واشنطن. ونتيجة لذلك، بدأت الثقة بالدور الروسي في معالجة الملفات الإقليمية والدولية بالتزايد، في مقابل تراجع الثقة بالدور الأمريكي. ولو أردنا عقد مقارنة بين المقاربتين، الروسية والأمريكية، في معالجة الأزمة السورية، فإن النتائج جلية وواضحة حتى لعميان البصر والبصيرة!”
من هنا، يرى الكاتب ملحم بأنه “من غير المتوقع أن ينجح هذا التصعيد في إحداث تأثير كبير في سيرورة المباحثات سواء في سوتشي أو جنيف؛ فهو لن يؤدي إلى إحباط الجهود الروسية في مؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري، إذ أبدت معظم الأطراف المتحاربة رغبتها بحضور هذا المؤتمر، طبعاً باستثناء بعض الأصوات غير المؤثرة، التي ما زالت تراهن على دور واشنطن، وهي أصوات معزولة، كانت كذلك قبل الأزمة وأثناءها، وعلى ما يبدو أنها مصرة على البقاء في هذا الخندق حتى بعد حل الأزمة السورية، كما أن هذا التصعيد لن يؤدي إلى انعاش مسار جنيف، فهذا المسار لم يقدم شيئاً كثيراً على صعيد حل الأزمة السورية، والمعارضة نفسها أصبحت تدرك ذلك.”
مصدر الصور: أخبارك نت – تركيا بالعربي – العربي الجديد.