إن التطورات في عفرين لا تزال تلقي بظلالها على مشهد الشمال السوري، لا سيما مع التطورات الميدانية التي تترافق مع الدخول البري إلى المنطقة. ومن أبرز هذه التطورات إسقاط مروحية تركية ومقتل طياريها، إضافة إلى أن المعلومات الواردة من هناك تشير إلى أن التقدم التركي البري لا يزال “خجولاً” أو حتى شبه معدوم.
عن هذه التطورات وغيرها، سألت وكالة العربي اليوم الدكتور علوان امين الدين، مؤسس ومدير مركز “سيتا”:
تركيا “حليف مقلق“
لا شك أن الوجود التركي في سوريا هو مقلق، إذا لم نقل خطيراً. فتركيا الجديدة تفكر بطريقة “عثمانية” بات الجميع يعرفها. لكن ما يلفت الأنظار اليوم هو ما يتم تداوله، بل الترويج له، عبر بعض وسائل الإعلام التركية عن إمكانية إقامة قاعدة عسكرية في سوريا، بخلاف التصريحات الرسمية التركية. فلقد أشارت بعض المصادر عن أن مباحثات أستانا واتفاقية مناطق خفض التصعيد تمنح تركيا حق إنشاء قاعدة عسكرية في إدلب وتحديداً داخل قاعدة “تفتناز” الجوية ذات الموقع الاستراتيجي ما بين حلب وإدلب، بحيث تقول المعلومات بأن امتلاك تركيا لقاعدة عسكرية فيها “سيكون ذا فائدة كبيرة في عمليات مكافحة الإرهاب مستقبلاً”.
ويضيف الدكتور أمين الدين أنّه لا يمكن أن يخلو من أذهاننا أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، بل وعضو أكثر من فاعل فيه. لذلك، ليس هناك من مؤشر، بل إمكانية، على وقوع اي صدام بين القوات الأمريكية في منبج وبين الأتراك، وفي حال قررت أنقرة التقدم الى تلك المنطقة، فستكون بالتنسيق الكامل مع واشنطن.
ويتابع: بناءً على ما سبق، يوجد أمر آخر مهم لا يمكن تجاهله، وهو عدم الثقة بالقيادة التركية من قبل بعض “الحلفاء”، أي الروس والإيرانيين، إذ أنهم تعودوا على المواقف المتقلبة للرئيس التركي رجب طيب أردغان. وأبرز محطة في هذا الخصوص كان “الانقلاب” على ما اتفق عليه في “سوتشي”، في القمة الثلاثية، في اليوم التالي على انتهائها. إلى ذلك، يمكن متابعة تصريحات أردوغان، عن الرئيس السوري بشار الأسد، في تونس بأن لا مستقبل لسوريا بوجوده، إضافة إلى تصريحه الأخير بأنه “لن يضع يده بيد مجرم قتل شعبه”، وأخيراً الحديث عن تقديم زعيم المعارضة التركية إلى المحاكمة بسبب تصريحاته حول ضرورة عودة العلاقات الثنائية، والتنسيق، ما بين أنقرة ودمشق.
مشيراً إلى أنّه ومن هنا، لا يمكن توقع التصرفات التركية في منطقة الشمال السوري، بحيث أن هناك إمكانية أن تقوم انقرة بـ “انقلاب” على التفاهمات مع الروس.
الكرد
ويوضّح الدكتور أمين الدين أنّه وبالعودة قليلاً إلى التاريخ، وهو يفيد ما سنورده من تحليل، لم يقبل صلاح الدين الأيوبي، الكردي، أن يقيم دولة كردية وهو الذي سيطر على أغلبية المشرق وصولاً إلى مصر، حيث عرفت دولته بـ “الدولة الأيوبية” في إشارة واضحة على عدم موافقته على مثل هذا الطرح. أيضاً، الكل يعرف محمد كرد علي، وهو كردي، وأول وزير للمعارف، التربية، في سوريا والذي ساعد بشكل كبير في استقلالها عن السلطنة العثمانية، إضافة إلى أنه كان رئيساً لمجْمع اللغة العربية، الذي أسس في دمشق العام 1919، حتى وفاته. انتهي لأقول بأن الكرد، السوريون، يجب أن لا يكونوا عاملاً لتفتيت الدولة السورية، فإقامة دولة كردية سيتكون بداية تفتيت للمنطقة، وخدمة مجانية لمشروع بارنارد لويس حول “تقسيم المقسّم”.
ولافتاً إلى أنّه وبالنظر إلى الصراع التركي – الكردي، يمكن أن نرى بوضوح بأن الولايات المتحدة لا تقوم بالدفاع عن قوات “قسد”، المدعومة منها، في مواجهة الأتراك بل تكتفي بتقديم الدعم اللوجستي في عملية توازن قوى هدفها ابتزاز واشنطن لتركيا عبر “استدراجها” إلى المستنقع السوري، لا سيما مع التطورات العسكرية من إسقاط طائرة مروحية، من جهة. ومن جهة أخرى، الإبقاء على “مشروع” كردي يهدد أية تسوية سياسية مستقبلة في سوريا. أكثر من ذلك، قد “تتنازل” الولايات المتحدة عن “قسد” في أية لحظة ترى فيها تحقيقاً لمصالحها.
ويؤكد أنّ ما يدعم رأينا هذا يمثله طلب الكرد، في عفرين، بتدخل الدولة السورية لحمايتهم من التوغل التركي، واعتبارهم عفرين أرضاً سوريّة، وهو قمة الوعي لا سيما بعد الحديث عن نية أنقرة إعادة اللاجئين السوريين منها وتثبيتهم في تلك المنطقة، وهو أمر خطير لما له من عواقب وخيمة أبرزها التغيير الديموغرافي للمنطقة.
داعش بين أمريكا وروسيا
ويكمل أمين الدين: في حديثٍ له، قال دايفيد بولوك، أحد الباحثين الامريكيين في حديث تلفزيوني له، إن القوات العسكرية السورية التي قامت الطائرات الأمريكية بقصفها في دير الزور لا تحارب “داعش”، بل “قسد” هي من تقوم بذلك. هذا الأمر يتمحص في هذا التصريح، إضافة إلى المعلومات الروسية حول قيام واشنطن بإخلاء قادة داعش من دير الزور بطائراتها الحربية، يرى التناقض الواضح بين تعلن عنه واشنطن وما تخفيه.
مبيّناً أن للولايات المتحدة مشروع خاص في المنطقة يتناسب مع مصالحها بغض النظر عن النتيجة (التقسيم – حصة في الغاز والنفط – حصة من إعادة الإعمار – تثبيت قواعد عسكرية)، وهو ما عبر عنه بوضوح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حين أشار إلى أن بلاده لن تقترف الخطأً نفسه الذي قامت به إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، بالخروج من العراق من دون نتائج تصب في مصالحها، وهو ما يظهر بوضوح النية الحقيقة وراء الانتشار العسكري الأمريكي المباشر لا سيما في الشمال والجنوب السوري (قاعدة التنف).
ويتابع أمين الدين: في المقابل، أثبتت روسيا جديتها في مكافحة الإرهاب، لا سيما بعد إعلان كبار قادتها العسكريين عن القضاء شبه الكامل على “دولة” داعش، مع بقاء بعض الجيوب الصغيرة، حيث باتت الدولة السورية، بجيشها والقوات الحليفة والرديفة لها، تسيطر على ما يقارب الـ 80% من الأراضي السورية وهو ما يعد إنجازاً ميدانياً حقيقياً نابعاً من علاقات وثيقة ما بين موسكو ودمشق، وتقوم على الثقة والاحترام المتبادل.
المصدر: وكالة العربي اليوم