عبد الواحد إبراهيم*

تخفي الحركة المتسارعة للدبلوماسية الأوروبية نحو السودان تنافس مع دول كبرى، مثل الصين والولايات المتحدة، رغم إظهارها، أي الدول الأوروبية، أنها جاءت إلى الخرطوم بهدف تعزيز فرص الإنتقال الديمقراطي، وإنقاذه من عزلته السياسية، بفعل مسالك خاطئة تتعارض مع توجهات الإتحاد الأوروبي، مثل تبني النظام السابق التيارات الأصولية والجماعات الإرهابية، وهو نظام يخدم على أيديولوجيا الإخوان المسلمين.

زيارات مكوكية

منذ الأسبوع الأول لـ “حكومة حمدوك”، ظهرت إشارات سياسية ودبلوماسية إيجابية، من قبل دول عديدة، أبرزها تكتل دول الإتحاد الأوروبي، حيث زار الخرطوم، وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، وفي معيته وفد مكون 30 مسؤولاً، حيث تعد ألمانيا المحرك الرئيس للإتحاد الأوروبي. دعا الوزير ماس، خلال الزيارة، إلى الإستفادة من الفرصة المتاحة وخروج السودان من العزلة الدولية، في وقت قدمت ألمانيا دعماً مالياً بلغ 15 مليون يورو، كمساعدات إنسانية.

إتصف التحرك الألماني بالجدية، فقد أعلن سفير ألمانيا بالخرطوم، أولرييش كلوكنر، عن عرض لجدول أعمال الدبلوماسية الألمانية في السودان قبل تشكيل الحكومة المدنية، مما يؤكد حرص برلين لاستعادة السودان ضمن المنظومة الدولية.

لم تمضِ إلا أيام قليلة، حتى زار الخرطوم وزير خارجية فرنسا، جان إيف لودريان، كأول وزير خارجية فرنسي يزور السودان عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، حيث كانت آخر زيارة للسياسي الشهير ووزير الخارجية الأسبق، دومنيك دوفلبان، قبل عشرة أعوام. فلقد أكد الوزير لودريان دعم بلاده للمرحلة الإنتقالية الجارية، واعداً بتقديم مساعدات فرنسية تبلغ 60 مليون يورو، منها 15 مليون بشكل عاجل.

تلا ذلك زيارة وزير الدولة السويدي للتعاون الدولي، بير أولسون، الذي عبَّر في تصريحات صحفية عن استعداد بلاده لأن تصبح شريكاً موثوقاً للسودان، واستعدادها المساهمة في تقوية علاقة الخرطوم بالإتحاد الأوروبي.

أجندة الأطراف

تدرك الحكومة الإنتقالية، بقيادة عبد الله حمدوك، حاجتها الكبرى إلى المساعدة السياسية من قبل دول الإتحاد الأوروبي، وبالأخص ألمانيا، لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ثم مساعدتها في مشكلات الطاقة الكهربائية والجوانب التكنولوجية، لما لألمانيا من خبرات في المجال.

أما الجانب الأوروبي، فتبدو دوافعه متعددة، إذ تتصدر قضية اللاجئين الفارين، عبر حدود السودان وليبيا إلى أوروبا وألمانيا وفرنسا بشكل خاص، أهم بنود أجندته دون إغفال سعي كل من ألمانيا وفرنسا لأهمية التواجد الإقتصادي في بلد أفريقي كبير مثل السودان، حيث لم يعد خافياً على المراقبين، معركة الصراع على الموارد، وتمديد النفوذ بين القوى الأوروبية من جهة، والصين وروسيا من جانب آخر، إضافة إلى نظرة فرنسا لأهمية السودان بإعتباره متاخماً ومؤثراً على مناطق نفوذها التاريخي في وسط غرب ووسط أفريقيا.

تاريخياً، كانت ألمانيا سباقة للتعاون مع السودان إذ تطورت علاقتها بالخرطوم بشكل أكبر في السنوات التي شهدت قيام نظام تعددي ديمقراطي، حيث ازدادت وتائر التعامل التجاري بشكل أكبر مما كانت عليه نهاية الخمسينات، شمل ذلك التعاون والتبادل التجاري في الجلود، والصمغ العربي، والفول السوداني، وبعض المحاصيل الزراعية، بينما كانت تعاملات السودان في استيراد السيارات، وبعض أنواع الأسلحة، وأدوات الإنتاج الزراعي، وتكنولوجيا الإتصالات والإعلام.

في المنحى السياسي، نجد أن ألمانيا ساعدت السودان في أغلب مفاوضات السلام، التي تمت بين أطرافه المختلفة، كما استضافت العديد من اجتماعات قوى المعارضة؛ أما العلاقة مع فرنسا، فقد كانت محكومة بتحركات السودان وتمدده في مناطق النفوذ الفرنسي التقليدية، مثل تشاد وأفريقيا الوسطى. وعلى الرغم من إتساع إمكانية التعاون الإقتصادي بين البلدين، إلا أن أغلب نواحي التعاون كانت في الجوانب الفنية والثقافية مع حركة تجارية تبادلية، بحيث أنها لا تقارن بالجانب الألماني.

تدرك أوروبا جيداً أهمية السودان، من ناحية الموارد ووضعيته الجيو – سياسية، وتأثيره على بلدان القرن الأفريقي، وسواحل البحر الأحمر ووسط أفريقيا، وإمكانية أن يساعدها السودان في الحد من تدفق المهاجرين، كونه مدخل لدول القارة الأفريقية. كما تدرك أوروبا أن الخرطوم كانت سبباً رئيسياً في تمكين “التنين الصيني” من مد “مخالبه القاتلة” إلى أعماق القارة الأفريقية.

من هنا، إن محاصرة الصين ونفوذها، ونشاطاتها الإقتصادية في أفريقيا، يشكل سبباً مهماً يضاف إلى الأسباب الأخرى للتحركات الأوروبية المتسارعة نحو السودان، وقد سهل سقوط الرئيس البشير، كما أن “تشكيل الحكومة المدنية” كانت مهمة الأوروبيين، الذين يدركون أن المنافسة مع الصين في “قارة الموارد”، تتطلب قاعدة إرتكاز في بلد مهم مثل السودان.

اليوم، تبدو الفرصة سانحة للإتحاد الأوروبي، بقيادة “القاطرة البافارية” عبر دعم السلام والانتقال الديمقراطي وبالإستثمارات، للدخول إلى بلد غيِّب لسنوات عن العالم عن النمو والتنمية. إن سعي ألمانيا وفرنسا للدخول إلى لسودان نابع من إدراكهما التام والعميق بمخاطر تواجد “التنين الصيني”، الذي يعد الشريك الإستراتيجي الأول له في مجالات النفط والغاز ومشروعات البنى الأساسية.

إلى ذلك، تتزايد مخاوف أوروبا من التواجد الروسي في الجنوب الغربي، مناطق المعادن النحاس، في الشمال والشرق، مناطق الذهب، حيث تسعى أوروبا إلى الحد منه بإتباع سياسية انفتاح على القوى السياسية الصاعدة في مرحلة ما بعد الثورة، على عكس الروس الذين ارتبطوا بالنظام السابق.

إن الحكومة الإنتقالية تبدو على إدراك ووعي تام بالتحديات التي تواجه الإقتصاد السوداني، ومنها تلك التنافسات والصراعات بين الدول الكبرى، كما يدرك ذلك غالبية السودانيين بدرجات متفاوتة بوعيهم. لكن ما يجعل الفرص معطلة، هو الحظر الإقتصادي المفروض من قبل الولايات المتحدة، التي تثاقلت خطاها في إزالة إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب حتى بعد الثورة، لملاحظتها تسابق الدول الأوروبية عليه. وإلى حين أن تسوي الحكومة الجديدة ملفاتها مع أمريكا بإعطائها فرص إستثمار لائقة في مجالات البنى الأساسية، فإن الجميع يبقى مكانك سر من الإستثمار في السودان.

*كاتب وصحفي سوادني

مصدر الصور: سكاي نيوز عربية –  ميدل إيست أونلاين.

موضوع ذو صلةنحو رؤية جديدة للعلاقات السودانية – الأوروبية