أكد مجلس التعاون لدول الخليج العربي، في بيان ختامي لقمته التي عقدت في العاصمة السعودية – الرياض، أن أي اعتداء على دولة عضو في هذه المنظمة سيعتبر اعتداء على جميع الأعضاء فيه، هذا إلى جانب أمور عديدة أبرزها رؤية دول الخليج لتعزيز مسيرة التعاون بينها في مختلف المجالات، ومواقفها من مختلف القضايا العربية والدولية.
كمواطن خليجي يُعنى بشؤون بلاده، تابعت القمة منذ انطلاقتها، وصولاً إلى اليوم الأخير وصدور البيان الختامي للمشاركين فيها؛ ولأكون مباشراً وبدون مقدمات، لقد كنت معجباً جداً بالتناغم الذي كان بادياً بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وطريقة توزيع الأدوار بين بعضهم البعض، الأمر الذي – وبكل صراحة – يبعث على السرور، من جهة الإحتفاء إلى إلقاء الكلمات والثناء وغير ذلك. كما لاحظت جمال المنافسة التي حظيت بها القمة من خلال التباهي بالتطور الكبير لكل عاصمة من العواصم الخليجية التي حجزت لها مكاناً في العالمية، إن كان لجهة العُمران أو بالاقتصاد أو الصناعة وكل المجالات الرائدة التي يعلمها الجميع، كمركز مالي واقتصادي عالمي.
كما لاحظت أيضاً الحرص الكبير بين الزعماء على العلاقات الودية فيما بينهم، والحرص الأكبر على الاقتصاد الخليجي من خلال منافسة “لطيفة جداً” لا عدائية أو لا ثانوية بل منافسة يزينها التناغم والود. الجميع يريد أن يكون مركزاً اقتصادياً وثقلاً اقتصادياً مبنياً على أواصر التعاون المشترك، وهذا هو ما نتمناه، أن تكون الألفة والمحبة هي السمة الطاغية، ليس فقط اقتصادياً بل سياسياً أيضاً، وأن يكونوا لاعباً مهماً ورئيساً في مختلف القضايا العالمية والإقليمية، التي هي عنوان لنهاية كل مشاكل المنطقة التي عانت عقد كامل أستطيع تسميته بـ “الحقبة السوداء”، سواء الملف الإيراني أو السوري أو اليمني أو اللبناني أو التركي أو الليبي، فنحن كأبناء الخليج، نتمنى أن نراه مركزاً مالياً وثقلاً اقتصادياً، ولكن ليس على حساب المستضعفين.
ففي ضوء آخر الإحصائيات التي أقرت أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، تشهد تفاؤلاً واسعاً حيال نموها في العام المقبل، 2022، مدعومة بارتفاع أسعار النفط والغاز وكذلك التحسن الذي يشهده القطاع الخاص ولا سيما في السعودية، وخلال العام المقبل، فإن الكويت مرشحة لتحقيق ثاني أعلى نمو بعد السعودية، حيث أن معدلات النمو في اقتصادات دول الخليج المتوقعة خلال العام المقبل، هي الأعلى منذ العامين 2016 – 2017، على أقل تقدير، وذلك من خلال النهج الذي تحقق بفضل الإصلاحات السريعة والحاسمة. وها قد طرحنا الإيجابيات، لكن ماذا عن السلبيات؟
لا شك بأن بلادنا تعانيي، وهذه حقيقة واضحة ومعروفة للجميع. شخصياً، كنت أتمنى أن يعرّج البيان الختامي المكون من أكثر من 70 بنداً، من خلال المبارزة الجميلة المتناغمة بين القادة، وعلى الهامش، أن يتم يناول الجانب الإنساني لكثير من القضايا، كقضية البدون الحساسة سواء في الكويت أو قطر أو المملكة العربية السعودية، حيت تعتبر قضية البدون أزمة كبيرة جداً، فهم جزء من النسيج الخليجي، وأزمتهم هي أزمة إنسانية صرفة، وموضوع تجنيسهم يجب أن يكون على رأس الطاولة، خاصة وأنهم محرومين من توثيق شهاداتهم وعقود زواجهم، من الوظائف والتعليم في الجامعات، هذا بالإضافة إلى أزمة اللاجئين من الأشقاء العرب، وأزمة الوافدين والمقيمين معاً.
أيضاً، إن الحديث – اليوم – عن الرأسمالية الجديدة والاقتصاد أمر صحي وجيد ويعود بالنفع والخير على الجميع، لكنه كان سيكون أفضل لو كانت هذه القضية قد تم تسويتها ومعالجتها حتى قبل مسألة الانفتاح على الكيان الصهيوني والتطبيع القائم والقادم لكل دول المنطقة لاحقاً، شرط رجوعه إلى مقررات القمة العربية وأبرزها “المباردة العربية للسلام”، والتي أنتجها القمة المنعقدة في العاصمة اللبنانية – بيروت العام 2002.
الخليج – اليوم – بات يتميز بأنه أصبح ثقلاً على الصعيد الاقتصادي – بالتحديد – ورقماً صعباً، وهذا فخرٌ لنا جميعاً؛ لكن لو سار هذا الأمر بالتوازي مع القضايا الإنسانية، لكانت سعادتي مضاعفة، كقضايا اليمن وسوريا ولبنان والعراق وحتى مصر. لننسى ما يُعرض على شاشات التلفزة، لأن الواقع يقول إن هذه البلاد منكوبة، جائعة، فقيرة، تحتاج عوننا نحن البلاد النفطية الغنية، فهل من عربي ليس أصله من اليمن بمن فيهم القادة الخليجيين؟ هذه الدول الشقيقة لها علينا حق، ومن الإنصاف مساعدتها ليس إلا من باب الأخوة والإيثار لا من باب آخر. هذه البلاد إن كانت بخير سنسعد جميعاً، وليكن قد تم المرور على هذه الدول من الناحية الاقتصادية على الأقل، وكيفية إخراجها من الظروف التي كنا شركاء فيها إذ يجب علينا ألا نخفي هذه الحقيقة. فكيف نأكل ونحن نعلم أن هناك مئات الجوعى حولنا، ولا يخرج أحدهم ويخلط الأوراق، فما أضاع هذه الشعوب سوى السياسات؛ لكن إنسانياً إن لم نكن إنسانيين ورحماء بين بعضنا وأشداء على أعدائنا، لا يمكن لنا أن ننهض ولو حققنا ما حققنا، اليمني مذبوح في حضرموت وغيرها، السوري مذبوح من الغلاء، واللبناني كذلك والمصري والعراقي والليبي، فما نحن فاعلون لهم؟
الأمر في اليمن – على سبيل المثال – لا يتعلق فقط بجنوب اليمن، كما أشرت في حضرموت والمكلا وعدن، بل حتى في صنعاء. هناك أزمة أعمق تتعلق بسيطرة الأحزاب السياسية على مراكز القرار الاقتصادي والسوق والتجارة، ووحده الشعب هو الضائع، فالحري بنا كدول قوية أن نلتفت إنسانياً لهذا الأمر. فلماذا تأتي المساعدات من الدول الأجنبية التي تضرم النار وتعمل على إخمادها بالطرق الإنسانية، لـ “تضع على عيننا” فقط لا حباً بالعرب وبظروفهم. أيضاً، سوريا ليس بأفضل حال من اليمن، الشعب اليوم يعاني أزمة خانقة بسبب 10 أعوام من الحرب التي حدثت فيها. في الآونة الأخيرة، وجدنا انفتاحاً خليجياً على دمشق، لكن لم نجد انفتاحاً اقتصادياً ينقذ هذا الشعب، الذي يعمل جزء كبير منه في بلادنا. ضاعت أحلام الشباب والشابات، لا عمل ولا حياة. هذا كله برسم اقتصاداتنا إن أردنا النجاح والعلو والسمو والرفعة، علينا أن ننظر إلى هذه القضايا من الزاوية الإنسانية.
عندما نريد التباهي بما نملك، علينا إنصاف هؤلاء أولاً. وأكرر بعيداً عن السياسة، لنا يد في تدهور كل اقتصادات هذه الدول والحقائق واضحة وساطعة سطوع الشمس. الزيارات الخاطفة لهذه الدول لن تنهض باقتصاداتها ما لم نمد يد العون الأخوية التي نعرف؛ فالاتفاقيات جيدة ومن المؤكد أنها ستأتي بالنفع على الجميع، لكن ليكون الاستثمار الحقيقي بالإنسان، حيث نجد في هذه الدول حفظة القرآن والاطباء والمهندسين والمخترعين، ولهم أدوار علمية بارزة على مستوى العالم، فلنستثمر فيهم لأن قوتهم تقوينا، وضعفهم ينهكنا، لقد كان لهم فضل على بلادنا، ولم يخلو بلد خليجي من مدرس سوري أو مصري أو فلسطيني. حتى في الأزمة الأخيرة مع لبنان، ها قد استقال الأستاذ جورج قرداحي كوزير للإعلام، ولكن ما ذنب شعب لبنان أيضاً ليتحمل وزر أخطاء غيره. لماذا لم نهض لمد يد العون له؟ البلد اليوم مذبوح من الوريد إلى الوريد. لا شأن لي بالخلافات السياسية مع أية جهة كانت، بل ما يعنيني هو الشعب ذاته، فأفراده أحرار بمن يريدون أن يحكمهم، لكن وضع الشعب كلل خطير جداً بحيث لم يشهد له التاريخ مثيلاً. فالعقاب الجماعي للشعوب من أجل غايات سياسية يعد أمراً خاطئاً وموجعاً في آنٍ معاً.
في ذات السياق، نرى نخبة المثقفين الجدد سعداء مهللين بالانفتاح الاقتصادي وتمدد الرأسمالية إقليمياً ودولياً، ويتباهون بناطحات السحاب والسيارات الفارهة والمهرجانات، في حين أن هناك إخوة لهم لا يجدون قوت يومهم، ولا تجد مكاناً للإنسان في ثقافتهم الزائفة تلك. فأين حقوق الإنسان من كل ذلك؟ وهل أصبحت مجرد ديكور؟
بالتالي، إن المجتمعات الرأسمالية لا ترى إلا المال ولا مكان للإنسانية عندها، لكن نحن بشر ولن نكون يوماً لا إنسانيين. إنهذه الرأسمالية – مع شديد الأسف – سحقت المواطن العربي سحقاً كاملاً، وكل ما نجده اليوم من مشاريع ضخمة هي لصالح أصحاب رؤوس الأموال من رجال أعمال وتجّار وما شابههم، وكنت قد حدثتكم فيما مضى عن تحكّم عائلة روتشيلد اليهودية بالاقتصاد العالمي. اليوم، هناك أيادٍ لها في كل مكان حول العالم، وهذا لا يتحقق إلا بتزاوج السياسة ورأس المال، حيث ينتج عن ذلك رأسمالية جشعة ستدمر المنطقة كلها. وحقيقةً، كنت أتمنى أن أجد في هذه القمة أن تبحث هذه الملفات الخطيرة والحساسة، نحن أبناء أمة واحدة ويفترض على القادة العرب المتمكنين في كل القمم أن يكون فيها هامشياً يُعنى بأخي الإنسان إن كنا عرباً أحراراً.
خلاصة القول، نحن بلاد حرّة لا بلاد وظيفية، لأن النهج المتبع – إن لم يتغير – سيصب جتماً في صالح الكيان الصهيوني. فهذه الأزمات الآنفة الذكر إن لم تُعالج وتُحسم، ستكون عبارة عن قنابل موقوتة ستنفجر وتطيح بالرأسمالية “المتوحشة” التي هي عبارة عن تحالف بين طبقات محددة والمتضرر الوحيد هو الشعوب وهذا الأمر معروف لدى منظري الاقتصاد.
لقد انتهت مرحلة الشيوعية لتخرج اليوم مرحلة الرأسمالية التي لا تأبه بالشعوب، ولكن يبقى الأمل في إنقاذ الإنسانية من هذا التوحش، الذي نأمل أن يتم تبني النهج الإنساني في بلادنا لتعمم التجربة على باقي البلاد لنكن القدوة لغيرنا، وذلك كي لا ننُعت بأننا دول نتبع نهج الرأسمالية الأمريكية المتوحشة، علينا أن نهتم بالإنسان، الإنسان قبل البنيان، وهذا شرط أساسي لنهضة دول مجلس التعاون الخليجي والأشقاء العرب.
مصدر الصور: العربي الجديد – وكالة الصحافة الفرنسية.
موضوع ذا صلة: كيف ستتغير الخريطة السياسية في الشرق الأوسط بعد المصالحة الخليجية؟
مستشار قانوني – الكويت