حوار: سمر رضوان – فان يان زيبروك
لا يزال الارهاب يؤرق أوروبا، خصوصاً مع الحديت عن اقتراب انتهاء الازمة السورية والتخلص من الارهاب في العراق بإستثناء بعض البؤر البسيطة، والخوف من عودة ما يسمى بـ “الجهاديين الاوروبيين” الى بلدانهم مجدداً وتنفيذ عمليات اجرامية تطال دول الاتحاد تلك.
عن هذا الموضوع وتداعياته، كان لمركز “سيتا” مقابلة مطولة مع الاستاذ لوك ميشيل، الباحث في الجيوبوليتيك والخبير في الشؤون الاوروبية.
بلجيكا ومحاكمة الإرهابيين
ان محاكمة صلاح عبد السلام تعتبر “صدمة دون جدوى” كونها محاكمة اثارت الكثير من الخلافات القضائية، وهي ايضاً “كتلة إعلامية كبيرة”، كما اطلقت عليها، لتسلية الجمهور لخلق أسطورة عن “الإرهاب غير المنضبط”، وفي الوقت نفسه لجعل الاعتقاد بأن دول أوروبا الغربية، أو الدول الناتو، هي التي تقاتله.
لم تسفر المحاكمة عن الكثير من التفاصيل كون المتهم اختار حقه في الصمت، لكن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام كان مرافعة محامي الدفاع عنه، سفين ماري، الذي اشار الى وقوع مخالفات للقانون البلجيكي والتي يمكن أن تؤدي إلى إلغاء المحاكمة. بالطبع، سنشهد “معركة” كبيرة في محكمتي الاستئناف والنقض. ومن الجدير ذكره هنا هجوم وزير الدفاع على محامي عبد السلام الذي انتقد فيه عمل الاخير لجهة الدفاع عن موكله.
هنا يمكن ان تنذكر قضية حدثت منذ حوالي السنتين حيث كان الشخص فيها متهماً بتأمين “الجهاديين” الاوروبيين الى كل من سوريا والعراق، وكانت تلك المحاكمة مثيرة للاهتمام لأن محامي الدفاع أثاروا عددا من النقاط الهامة حول “ضبابية” الادلة في بعض القضايا الإرهابية، منها غياب الارهابيين عن نظر العملاء السريين للدولة، وعدم استدعاء هؤلاء الى المحاكمات تحت حجة “الاسباب الامنية” التي تتعلق بعدم كشف هويتهم، خصوصاً من احدهم قد واكب هؤلاء الارهابيين من مطار زافنتيم البلجيكي الى تركيا. ومن ابرز هذه الاحداث ايضاً كشف محامو الدفاع أن احد العملاء السريين كان آخر شخص التقى محمد مراح قبل يوم واحد من الحادث الذي اودى بحياته.
الإرهاب “الإسلامي” والإتحاد الأوروبي
هناك الكثير من الاختلاف الأساسي بين الحرب الأمريكية – الغربية على “الإرهاب” والحرب “ضد الإرهاب”. الحرب على الإرهاب تم اطلاقها من قبل الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش الابن وكانت “مسرحية كوميدية” بإمتياز، الهدف منها ليس القضاء على الإرهابيين، بل استخدامهم في خدمة “الجغرافيا” الامريكية. الإرهاب اليوم، عند النظر الى كل من سوريا أو العراق، وخاصة في أفريقيا ليس سوى ذريعة للتدخل الغربي وجيوشه في مقابل تحييد الجيش الأفريقي.
كل تلك الاحداث ابرزت بشكل جلي مسألة “الجهاديين الأوروبيين”، لا سيما بعد ان أثير الموضوع في سوريا، بين عامي 2013 و2014. اعرف هذه المشكلة جيداً كونني نظمت أول رحلة لبعثة برلمانية من الاتحاد الأوروبي، في يونيو/حزيران 2013، ضمت نواباً بلجيكيين من البرلمانات الإقليمية والاتحادية. خلال الزيارة، برزت مسألة “الجهاديين الاوروبيين” خصوصاً بعدما تم القبض على الكثير منهم في معركة القصير على الحدود اللبنانية حيث لم نتحدث عن هذا الموضوع في حينه.
في عام 2013، التقينا مسؤول مكافحة الارهاب في سوريا، وتحدثنا عن هذه المسألة، حيث لم يقتصر الامر على موضوع قدومهم من اسبانيا او فرنسا، بل ايضاً القوقاز الروسي وأوزبكستان. وبعد عودتنا إلى بلجيكا، قدم برلمانيونا عروضاً تلفزيونية ضخمة على التلفزيونات البلجيكية والهولندية نددوا فيها بما اعلناه، او بالاحرى ما أعلنته في يونيو/حزيران 2013، بأن “الجهاديين الأوروبيين”، الذين ذهبوا الى سوريا والعراق للقتال، سيعودون إلى بروكسل، باريس، لندن أو برلين.
في ذلك الوقت، كانت القطاعات السرية في حلف الناتو، وبالتنسيق ما بين الخدمات السرية التركية والأمريكية والخليجية، تعمل على إرسال هؤلاء “الجهاديين” الى سوريا. لقد كُنت اول من أثار هذا التساؤل، في مؤتمر برلماني سوري، قائلاً “كل شيء جاهز لعودة هؤلاء الناس.. وهذه كارثة. ليست المسألة هل سيحدث ذلك ام لا.. بل متى سيحدث.” للاسف، لم يتغير شيء.
أوروبا والخلايا “النائمة”
هل هناك خلايا نائمة في أوروبا؟ بكل تأكيد، نعم! كل الاحداث تظهر وجود خلايا جديدة. غير ان الأوروبيون يعتقدون أنهم يستطيعون السيطرة على الظاهرة الجهادية. لقد ظنوا انفسهم اذكياء، لكن الامر ليس كذلك.
في حالة “داعش”، كان من الضروري قراءة كتاب صموئيل لوران، “الدولة الإسلامية”، لفهم دولتهم “الواقعية” التي تتمتع بهيكلية عالية التنظيم من جيش، ومستشارين عسكريين، وتدريب مخابراتي سري ومنظم استطاع “التسلل”، في بعض المراحل، إلى قلب المخابرات الأوروبية نفسها. عندما وقعت حادثة مسرح باتاكلان، نوفمبر/تشرين الثاني 2015 في باريس، كشفت المعلومات الصحافية عن ان احد منفذي الهجوم كان يعيش مع ضابط كبير في الدرك الفرنسي، والذي كان يعمل في احد مراكز المخابرات الفرنسية بالقرب من فرساي.
من خلال الحديث عن الخلايا “النائمة”، اذكر ايضاً انني اثرت الموضوع خلال زيارتي الثالثة الى سوريا، في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، لا سيما مسألة النساء او ما يسمى في أوروبا “الجهاد عن طريق الزواج” أو “جهاد النكاح”، او اللواتي ذهبن للانضمام إلى ازواجهن. هذا سؤال كبير الآن لا سيما وان أسرهم تجد صعوبة في الطلب من الدول البلجيكية والفرنسية المساعدة لإعادتهن إلى وطنهن من جديد، خصوصاً وانهم اصبحن متهمين بإرتكاب “جرائم ضد الانسانية”.
لقد أثرت مسألة النساء لأنهن يشكلن خطراً كبيراً للغاية على جميع الدول الأوروبية. برأيي، هذه المرحلة ستكون الخطوة التالية لاستئصال هذا “السرطان” الجهادي الإرهابي الذي ينهش جسد الاتحاد الأوروبي.
مصدر الصور: بوابة فيتو – العرب.