حوار: سمر رضوان – فان يان زيبروك

لا يزال الإرهاب يؤرق أوروبا، خصوصاً من الحديث عن اقتراب انتهاء الأزمة السورية وانتهاء الإرهاب في العراق بإستثناء بعض البؤر البسيطة، والخوف من عودة ما يسمى “الجهاديين الأوروبيين” إلى بلدانهم مجدداً وتنفيذ عمليات إرهابية تطال دول الاتحاد.

عن هذا الموضوع وتداعياته، كان لمركز “سيتا” مقابلة مطولة مع الأستاذ لوك ميشيل، الباحث في الجيوبوليتيك والخبير في الشؤون الاوروبية.

أهداف الحروب الأمريكية

شهدت البلقان ولادة “الجهادية الأوروبية” وتحديداً خلال حروب يوغوسلافيا، والبوسنة، ومن ثم كوسوفو. لقد أطلق الأميركيون، مع حلف الناتو بتواطؤ من فرنسا “ميتران” والفاتيكان وألمانيا، حروب يوغوسلافيا لتفجير ما تبقى من “يوغوسلافيا الثانية”، أيام الماريشال تيتو، ثم لإنهاء يوغوسلافيا الثالثة المتبقية مع حكم سلبودان ميلوسيفيتش. حسناً، لقد تم استخدام البوسنة، ثم كوسوفو، ليصلوا إلى أفغانستان التي نجحوا فيها بإستخدام “الإرهاب الجهادي”.

ما هو هدف الحرب من الأميركيين في كل هذا؟ إن تصفية يوغوسلافيا كان استمراراً لتصفية ما تبقى من الاتحاد السوفياتي، التي حققه “الانتصار” الأمريكي في نهاية الحرب الباردة. إن هذه العملية لا تزال مستمرة حتى اليوم، لأن الهدف هو “تقطيع” الاتحاد الروسي من خلال استخدام الإرهابيين التكفيريين مباشرة، والذين دمروا الشيشان وداغستان والقوقاز الروسية. في البلقان، ما بين العامين 1991-2000، كان الهدف تصفية يوغوسلافيا من أجل تصفية المجموعة الجيوسياسية التي اعتبرها الأمريكيون أنها مرتبطة بروسيا، حيث رأينا بأن العدو الرئيسي للشيوعية أصبح هو نفسه العدو الرئيسي لـ “الأرثوذكسية”. هذا هو رأي زبيغنيو بريجنسكي الذي قال، في أوائل التسعينات، “الآن العدو الرئيسي للولايات المتحدة هو الأرثوذكسية”. إن تصفية يوغوسلافيا هو جزء من خطة تتمثل في تصفية روسيا كدولة “قارية” معارضة للهيمنة العالمية الأمريكية.

إن الحرب البوسنية كانت تكملة لحرب أفغانستان. ماذا حدث في البوسنة اذاً؟ رأينا الجهاديين الذين وصلوا من أفغانستان، بالتحديد وخاصة جماعة بن لادن، ورأينا الباكستانيين والسعوديين يتدخلون في هذا الحرب ايضاً. يجب أن يكون معلوماً أن هناك اثنين من العرابين للتكفيرية الجهادية هذه؛ الاول شخص سعودي ينتمي الى الوهابية، الثانث، وهابيون آخرون في مراكز قيادية داخل الجيش والمخابرات الباكستانية.

في ظاهرة جيو – سياسية لافتة ومثيرة للاهتمام، يمكن ملاحظة وجود جانحين معارضين لبعضهما في باكستان؛ الأول، كان موالياً للولايات المتحدة والغرب من مدنيين وضباط، واليوم تحول الى بكين وموسكو بعد اتخاذه لموقف عدائي تجاه الرئيس الامريكي، دونالد ترامب، وتحوله إلى “منظمة شنغهاي للتعاون”، الكتلة جيو – بوليتيكية المقابلة للولايات المتحدة. الثناني، جناح “الضباط الأصوليين” الباكستانيين الذين لعبوا دوراً كبيراً في نشر “الجهادية” كهؤلاء الذين جاؤوا إلى أفريقيا تحت راية الأمم المتحدة. فبعدما أتوا إلى أفريقيا، اقاموا مسجداً ومدرسة لتعليم الافكار الراديكالية، وأسسوا أول خلية سياسية مع شبكة تمويل عن طريق ما سمي بـ “المؤسسات الإسلامية”.

منذ ذلك الحين، شهدت الحرب البوسنية تطور لـ “الجهادية الأوروبية”. فعندما خسرت يوغوسلافيا الحرب وانقسمت إلى قسمين مهمين هما صربيا والجبل الأسود، لم يعد هناك حاجة لهؤلاء للبقاء، إذ تم نقلهم إلى دول أفريقية، كالصومال والسودان. لكن القضية لم تتوقف عند هذا الحد لأن حروب يوغوسلافيا استمرت، حيث كان من الضروري للأمريكيين كسر “يوغسلافيا الثالثة.

لقد استولى الأمريكيون على ألبانيا، وأقاموا تحالفاً مع شبكات المافيا فيها (وهذه المجموعات لا تزال مسيطرة على الدولة حتى الآن) لاسيما وأنها تشكل حركة إرهابية ذات مكون إسلامي، أو ما كان يعرف بـ “جيش تحرير كوسوفو”، المرتبطة بباكستان وبعض الدول الخليجية. من خلال هذا الجيش تم أحداث حالة من التمرد تحولت فيما بعد إلى أزمة إنسانية ادت إلى تدخل الناتو عسكرياً.

هنا، تدخل الناتو وقصف بلغراد. لقد صب ذلك في مصلحة الأمريكيين، حيث بدا الاتحاد الأوروبي كمن يطلق النار على قدميه، اذ شاركت دولته المنضوية تحت مظلة حلف الناتو، مثل فرنسا وبريطانيا العظمى وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا، في قصف عاصمة أوروبية للمرة الأولى منذ العام 1945، أي بلغراد.

سقطت كوسوفو واستولى عليها الناتو لكنه لم ينشىء فيها دولة أوروبية مستقلة، بل أبقاها كمحمية. ولأنها تقع تحت حماية الناتو، تم إعلانها، في العام 2008، دولة في تحدي القوانين الدولية عبر إعلانها الاستقلال من جانب واحد، وهو ما أعتبر انتهاكاً لسيادة بلغراد. جميع دول الاتحاد الأوروبي لم تعترف بكوسوفو، حينها، بما في ذلك إسبانيا والبلدان التي لديها أقليات مستقلة على أراضيها. وبالطبع، لم تعترف روسيا بها حتى اليوم، الى جانب حوالي الـ 60 دولة من دول الأمم المتحدة. كوسوفو هي نوع من “البانتوستان” (وهي منطقة كانت مخصصة للسود في جنوب أفريقيا وجنوب غرب أفريقيا كجزء من سياسة الفصل العنصري) “مفلسة” اقتصادياً وايديولوجياً وسياسياً. على سبيل المثال وفي مدينة ميتروفيتسا، لا تزال الأقلية الصربية تقاوم التمييز ضدها من قبل بعض المجموعات الإسلامية. إنها دولة لا تمتلك جيشاً خاصاً كون امنها مضمون من قبل حلف الناتو. هذه هي “الدولة” التي تحتفل بها ما يسمى “عشر سنوات من الاستقلال”.

لقد كان الهدف من الحرب الأمريكية إنشاء قواعدهم العسكرية الرئيسية في تلك المنطقة، ضمن ما يسمى “المثلث العسكري لـ الأبنين – البلقان”، من خلال اقامة قاعدة “كامب بوند ستيل” في كوسوفو (اضافة الى قاعدة “رامشتاين” في ألمانيا التي هي قلب القوات المسلحة الأمريكية في أوروبا ومقر قيادة قوات افريكوم) التي توزع الخدمات اللوجستية على مناطق البلقان، والبحر المتوسط، ​​وآسيا الوسطى، والشرقين الأوسط والأدنى. من هنا، يمكننا فهم الفائدة الجيو – سياسية لكوسوفو بشكل أفضل.

“خلايا البلقان”

اليوم، تعتبر البوسنة وكوسوفو نمذجاً لـ “دول المافيا” التي تحمل الأفكار والايديولوجية الوهابية بشكل كبير لا سيما وأنها تعاني من نسبة بطالة مرتفعة وعدم مساواة اجتماعية، مما يجعلها بئية خصبة لـ “الجهادية”.

في أحد المؤتمرات، قال محاضر بلجيكي “ساذج” بأن “الطريق لمنع تطور الجهادية والإرهاب في البلقان والبوسنة على وجه التحديد، هو ضمهما إلى الاتحاد الأوروبي.” إن “الخلايا النائمة” في البلقان، بجانب ارتباطها بـ “النسوة الجهاديات”، ستكون إحدى التحديات الرئيسية في مستقبل الاتحاد الأوروبي، حيث سيكمل “سيناريو الشيطان” مسيرته المليئة بالدم والدموع، والتي سيدفع الأوروبيون ثمنها نقداً.

لقد كان لدينا مثال حي على ذلك وهي “لندنستان”، والهجمات الأخيرة على برمنغهام، رأينا المسلحين الجهاديين، الذين ساعدتهم المخابرات البريطانية السرية MI5 وMI6، يحولون برمنغهام الى “لندنستان” الثانية. لقد أُرسل هؤلاء للقتال ضد نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، ضمن “الربيع العربي”، ثم انتهى بهم المطاف بـ “عض اليد” التي امتدت اليهم. هذا هو بالضبط ما يحدث لسنوات عديدة في جميع أنحاء أوروبا.

مصدر الصور: موقع لوك ميشيل – دي دبليو – سوريا سكوب.