حوار: سمر رضوان
حملت زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى تونس عنصر المفاجأة، إلى جانب الريبة من مضمون هذه الزيارة، خاصة في ظل تطورات الأوضاع الليبية عقب توقيع مذكرتي التفاهم الأمنية والبحرية مع حكومة الوفاق. فما الذي يريده الرئيس أردوغان من تونس في هذا التوقيت الحساس بالذات؟
للوقوف على تفاصيل هذه الزيارة ومدلولاتها الحيوية بالنسبة لتونس وليبيا وعموم المنطقة، وأهداف الرئيس أردوغان، سأل مركز “سيتا” الأستاذ بدر السلام الطرابلسي، الكاتب والصحافي التونسي، حول هذه المواضيع.
حسم تونسي
لا يوجد إلى حد الآن أي اتفاق عسكري رسمي بين تونس وتركيا بما يخص الملف الليبي، وقد أكدت مؤسسة الرئاسة التونسية هذا الأمر عبر بيان لرئيس الجمهورية الذي أعلن فيه أن بلاده لن تفرط في سيادة أي شبر من ترابها لأي كان، في رده على الإدعاءات بأن تونس ستتعاون مع تركيا إذا ما قررت التدخل العسكري في ليبيا استجابة لدعوة فايز السراج؛ وبالتالي، تم إغلاق هذا باب خصوصاً وأنه لا يوجد أية اتفاقات عسكرية سرية بين البلدين، في هذا الشأن بحسب ما يروج، فأي اتفاق أو مهمة عسكرية لتونس خارج حدود الوطن لا تتم إلا بعد موافقة البرلمان.
أضف إلى ذلك، إن لتونس مجتمع مدني قوي ومؤثر في مختلف القضايا التي تطرح، السياسية والأمنية والعسكرية والإقتصادية، بحيث أنها تناقش في العلن وعلى المحطات الإعلامية. فحتى وإن اتجه المسؤولون إلى عقد اتفاقيات أو صفقات في غير صالح الوطن أو رهن البلاد لأحلاف أو أطراف خارجية، فإنها لن تمر بسهولة وستلاقي معارضة شديدة من قبل الأحزاب والنقابات والمنظمات الناشطة في المجتمع المدني مثل إتحاد الشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ولذلك أقول إن هذا أمر مستبعد.
تحالف إقليمي
ربما تكون نوايا زيارة الرئيس أردوغان هي ضم تونس غلى تحالفاته الإقليمية حول ليبيا خصوصاً وأنها دولة جارة، ويهمه أن يضمن موقفاً دبلوماسياً داعماً لمحوره ولحكومة حليفه السراج، إضافة إلى بعض التسهيلات العسكرية على الحدود إذا ما قرر خوض حرب على التراب الليبي.
إلا أن موقف الرئيس التونسي، قيس سعيد، كان واضحاً وحاسماً في هذه المسألة بأن بلاده ستقف على الحياد من الحرب الليبية ولن تنتصر لطرف على حساب آخر، كما أنها تقف كذلك على الحياد التام من الإتفاق البحري والأمني الذي أبرم بين أنقرة وطرابلس الغرب.
وعلى الرغم من “الإستعراض الفلكلوري” للزيارة ما أوحى بأن الموقف التونسي داعم للموقف التركي، إلا أن كل تلك الحسابات ذهبت أدراج الرياح عندما تكلم الرئيس سعيد وقال إن تونس تقف على الحياد التام من كل الأطراف.
أمثلة إستيطانية
لنتفق في البداية على أن الدخول العسكري التركي إلى أية منطقة غايته إخضاعها لمصالحه؛ بالتالي، لن يكون مؤقتاً أو مجرد نزهة، وإنما سيكون نوعاً من الإستيطان والأمثلة عديدة، من بينها قبرص الشمالية التي دخلوها الأتراك من أجل حماية القبارصة الأتراك ولم يغادروها، وسوريا التي دخلوها من أجل إبعاد الكرد عن حدودها واتقاء هجماتهم لم يخرجوا منها إلى حد الآن.
تريد تركيا ضمان الغاز في شرق المتوسط، الذي اكتشف حديثاً، ولذلك وقعت الإتفاقية البحرية العسكرية مع فايز السراج وأوعزت له بطلب الحماية والتدخل العسكري في طرابلس الغرب لصد هجوم المشير خليفة حفتر.
وبالتالي، إن السيناريوهات المطروحة من التدخل العسكري التركي هي في مرحلة أولى ضمان عدم دخول أو تقدم المشير حفتر داخل طرابلس وإخضاعها لسيطرته، وفي مرحلة ثانية دفعه إلى خارج حدودها وحدود مصراتة وتأمين خط ثابت يفصل الغرب الليبي عن شرقه لتكون منطقة شبيهة بالمحمية التركية، وبذلك يمكن لأنقرة ضمان العديد من الإمتيازات فيما يتعلق بالنفط الليبي والموقع الجيو – إستراتيجي. لكن تبقى المشكلة في أن التدخل التركي، إن حصل، سيفجر صراعاً إقليمياً بالوكالة على أرض ليبيا، وستكون مصر وروسيا أحد أطرافه ولن تكون نتائجه لا في صالح ليبيا ولا المنطقة عموماً.
مصدر الصورة: مونتي كارلو.
موضوع ذو صلة: نقل “الجهاديين” إلى ليبيا… رسالة تركية لأطراف متعددة