شادي القعسماني*

على مرأى من عيون الدول المتربصة بسورية، قامت القيادة العسكرية في سوريا بنشر قوات الحرس الجمهوري في محيط العاصمة دمشق، ودفعت بالفرقة الرابعة المدرعة، بقيادة العميد ماهر الأسد، فضلاً عن مجموعات قتالية مهاجمة، بقيادة العميد سهيل الحسن، إلى تخوم الغوطة الشرقية لبدء معركة رفع الخطر عن دمشق وأريافها.

وقبيل انعقاد مجلس الأمن، كانت الطائرات السورية والروسية تدك معاقل المجموعات الإرهابية وتقطع أوصال إمداداتها. إذاً، القرار واضح وصريح، إنهاء أمر التجمعات الإرهابية في الغوطة الشرقية لأنّها تشكّل خطراً فعلياً على أمن العاصمة التي يقطنها ومحيطها الريفي حوالي 8 ملايين نسمة من المواطنين السوريين، خاصة وأن أمريكا أعلنت جهاراً السعي لتفتيت سوريا ومن الممكن لهذه المجموعات إذا ما سلحت أن تهاجم دمشق بأية لحظة حرجة.

لم تتمكن الكويت والسويد من خلال مسودة اقتراح قرار، يقضي بوقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية، من تمريره من المرة الأولى وعلى الشكل الذي أعد مسبقاً بإيحاء من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وهي على ما يبدو خطة استباقية لقطع الطريق على المفاوض الروسي الذي أصبح على دراية كافية بخطط إفشال الحل السياسي علناً، وعلى ما خفي من مخططات تفتيتية في المنطقة. فتأجيل التصويت أكثر من مرة، أحرج الكل وأطلق لهجة التصعيد العسكري على لسان محور المقاومة، وبالتالي استفادت الدبلوماسية السورية والروسية من إفراغ القرار من أي مضمون يلزم وقف القتال بشكل فوري.

وعليه، فإن ما تقدم من مضمون القرار 2401، كانت سوريا قد عملت عليه مسبقاً، يمثل السعي لتأمين ممرات آمنة لخروج سكان الغوطة الشرقية بهدف تحييد أكبر عدد ممكن من المواطنين. إرسال المساعدات لم يتوقف وهو جارٍ رغم سيطرة المجموعات الإرهابية على قسم من هذه المساعدات وبالتالي استمرار تجويع السكان عمداً لاظهار النظام بأنه لا يقيم اعتباراً للوضع الإنساني في مناطق القتال. وإذا كان القرار الأممي قد اصطبغ بالموقف الإنساني في دمشق وضواحيها التي تضم ملايين من السوريين، الذين هم أيضاً عرضة لقذائف المجموعات الارهابية.

الغوطة الشرقية تضم مجموعات إرهابية متنافرة، منها داعش والنصرة ومن يدور في فلكهم وجميعها مدعومة من الخارج وتصنيف هذه المجموعات بالإرهابية وبقرار دولي يعني أن العملية العسكرية لن تتوقف إلّا بحالتين لا ثالث لهما إما الباصات الخضر ونقل المسلحين إلى أماكن يرغبون فيها كإدلب وهي على باب معركة لا تقل خطورة عن الغوطة، وإما الموت على قاعدة (عليّ وعلى اعدائي). وبالتالي مزيد من الدمار وزهق الأرواح والخاسر الأكبر، المواطنون السوريون.

إن الجيش السوري غير معني بالقرار الدولي وبالعامية السورية (النمر أقفل جهازه الخليوي) أي إنّه لن يتراجع عن القرار العسكري بحسم المعركة في الغوطة الشرقية، وإن الطائرات السورية والروسية لن تتوقف عن قصف مراكز النصرة وداعش وأخواتهما، ومما لا شك فيه أن القرار لم يأتِ منفرداً. فإيران، وعلى لسان اللواء محمد باقر، أعلنت أن القوات الإيرانية تقف إلى جانب الجيش السوري علناً في عملية الغوطة.

لماذا إذاً القرار 2401 الذي تلوى مراراً لتجنب الفيتو الروسي وخرج من غرف المفاوضات المغلقة بعبارات مطاطية كوقف اطلاق النار في أسرع وقت ممكن؟

إن أفضل ما جاء به هذا القرار هو تحييد فصائل، تسمى معتدلة، واظهارها كأنها بديلاً للنصرة ولكن عليها أن تنصاع للتفاوض بعد عزلها عن أخواتها المصنفة إرهابية. ورغم تراجع جيش الإسلام وفيلق الرحمن عن المواجهة فعلياً إلّا أنها مجبرة بالتحالف مع النصرة للحفاظ على وجودها وهذا يعني اشتراكها بالقتال، ولكن قابلية تعاونها مع الجيش قد تكون أسرع من غيرها. وبالتالي نجحت روسيا في فرض واقع جديد بعد أن اهتز اجتماع “سوتشي” الأخير وانهارت مناطق خفض التوتر مع وصول موجة جديدة من “البترو دولار” إلى المجموعات الارهابية. والنتيجة انه لا حل سياسي غير مدعم بالقوة على الأرض، وتبدو روسيا مصممة على خوض معارك جدية وصناعة انتصارات قبيل الانتخابات الروسية، حيث أكدت روسيا، ومن خلال مجلس الامن، أنها لا تزال تعمل تحت غطاء شرعي ومريح نسبياً مستغلة النفور التركي – الأميركي حول مسألة التسليح الأمريكي لفصائل كردية. طبعاً، أمريكا تعمل وفق مصالحها أولاً ومن أجل مشروعها الساعي لتقسيم سوريا والاحتفاظ بالشمال السوري الغني بالنفط والغاز، وتخفيف الخطر السوري على “مدللتها” اسرائيل، ومفاضلتها على تركيا المتعثرة في عفرين منذ أكثر من شهر.

هذا التصميم الروسي، لاقاه تصميم سوري بإرسال مساعدات إلى وحدات حماية الشعب في عفرين ومد الجبهة بالعتاد والعدة والمقاتلين، وهذا يدل على رغبة سورية في كبح الجموح التركي إلى حين نضوج تسوية ما. وبالتالي، فإن تنسيق الجبهات وأولوياتها وتأجيل بعضها انسحب على رفع وتيرة الجبهات الدبلوماسية. فبعد اقرار مجلس الامن للقرار 2401 ، شن ممثل سوريا في مجلس الامن، الدكتور بشار الجعفري، هجوماً وتهديداً دبلوماسياً معلناً أن هذا القرار تفهمه حكومته في دمشق أنه يشمل كل عمل عسكري عدائي على سوريا بما في ذلك العدو الاسرائيلي وتركيا والولايات المتحدة.

وبالتالي فإن القرار 2401، بالنسبة لسورية والحلفاء، هو لزوم ما لا يلزم ومحاولة عرجاء لم تصل مفاعيله الى سوريا قبل اجتثاث بؤر الارهاب في الغوطة. وبإصرار روسي غير مسبوق، خاصة بعد سقوط المقاتلة الروسية في الشمال السوري. القرار الروسي واضح وما أعلنه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من خفض لعديد القوات الروسية في سوريا كان مقروناً بكلام لا يخلو من الحدة “اذا عاد الارهاب، سنعود وبقوة أكثر”، وهذا ما يبرر استجلاب روسيا لمقاتلات “سو 57” والتي لقّها الخبراء البريطانيون بـ “الصحن الطائر الغريب” لتطورها وخطورتها في تحديد أهدافها وقنص طرائدها.

ولكن هل ستفتح معركة الغوطة متسعاً من الوقت للقوات الاميركية لترتيب مواقعها في الشمال السوري تحسباً لمواجهة قد تصل إلى تدويل عسكري للصراع واشتباك مباشر مع القوات السورية والايرانية، وبذلك  تركيا والقوات الامريكية أمام تماس جديد وعليهم ترتيب الخلافات أمام جبهة شمالية لا ترحم؟

*أكاديمي لبناني

مصدر الصور: روسيا اليوم – مصراوي.