حوار: سمر رضوان
يرفض المتظاهرون في الحراك السلمي، المستمر منذ نحو تسعة أشهر في الجزائر، الإنتخابات الرئاسية، التي ستجري في 12 من ديسمبر/ كانون الأول 2019. أما قيادة أركان الجيش، فتدعم إجراء الإنتخابات، وتقول إن الحكومة هي الحل الوحيد الذي يكرس الخيار الدستوري، للخروج من أزمة الفراغ السياسي القائم منذ استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقه، في 2 إبريل/ نيسان 2019.
لتفاصيلٍ أكثر حول هذا الموضوع، سأل مركز “سيتا” الأستاذ رضا ملاح، الكاتب والصحفي الجزائري، عن هذه المرحلة الحاسمة في الجزائر.
رفض نسبي
هناك رفض نسبي لإجراء الإنتخابات بدليل تواصل المظاهرات الشعبية، يوم الجمعة بالعاصمة، ولو أنها ليست بالشكل الذي كانت عليه في الأشهر الأولى للحراك الشعبي. ورافقت هذه الإحتجاجات الشعبية بعض التجمعات للحملات الإنتخابية للمترشحين. هؤلاء يعتقدون بأن أصحاب القرار في البلاد لم يلبوا مطالب حراك “22 فبراير/شباط”، وفي مقدمتها ذهاب بجميع رموز نظام الرئيس السابق.
ورغم تنظيم ما عرف بـ “سلطة كريم يونس” للحوار بين جمع تشكيلات سياسية، شارك فيه بعض الفاعلين في المجتمع المدني، وانبثق عنه إستحداث سلطة مستقلة لتنظيم العملية الإنتخابية. إلا أن من يرفضون استحقاق 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، يرون أن السلطة لم تؤسس لحوار وطني شامل يجمع مختلف المؤسسات الحزبية وفعاليات المجتمع المدني دون أي إقصاء، ولم تهيئ المناخ الملائم الذي يسمح بالتوجه نحو انتخابات رئاسية لإختيار رئيس للجمهورية، في وقت يرى فيه دعاة التوجه نحو الإنتخابات أنه لا بديل عن هذا الخيار لإخراج الوطن من النفق، وتفادي أية انزلاقات قد تطيل عمر الأزمة وتدخل البلاد في متاهات قد لا تخرج منها لسنوات طويلة.
إقصاء فرنسا
الكل يعلم أن الجزائر بلد بحجم قارة، وتقع في موقع استراتيجي مهم، وتزخر بموارد طبيعة هائلة. وفي ظل الظروف التي تمر بها، يجعل أية قوة خارجية تتربص بها، و”يسيل لعاب” كل من يريد إعادة تعديل خريطة المصالح في منطقة شمال أفريقيا. بالمقابل وبالموازاة مع انتفاضة الشعب ضد إسقاط العهدة الخامسة والمطالبة بالتغيير الشامل، ظهرت أصوات شعبية وحتى رسمية مطالبة بإنهاء النفوذ الفرنسي وتأثيره على الحياة السياسية والإقتصادية.
الآن وبما أن البلاد لا يفصلها إلا أقل من أسبوع عن إجراء الإنتخابات الرئاسية، فإن فتح حوار مجتمعي شامل وإعادة مناقشة وتشريح المنظومة القانونية وآليات تجسيد إحترام الحريات وتوسيع ممارستها من أبرز التحديات التي تواجه الرئيس المقبل خصوصاً ما تعلق بإستحداث التشكيلات الحزبية وأخلاقيات الحياة السياسية وتطهيرها من المال السياسي الفاسد، دعم تشكيل الجمعيات وفضاءات المجتمع المدني، بالإضافة إلى تكريس حرية الإعلام ورفع القيود وتحرير هذا القطاع من أغلال الإشهار ونفوذ رجال وأباطرة المال.
دعوات الجيش
الأمر غير مرتبط بدعوة الجيش أو جهة أخرى؛ فبغض النظر عن وجود انقسام وفئة ترفض التوجه نحو الإنتخابات بالشكل والظروف التي ستجرى فيها وحجتها في ذلك أن النظام يحاول إعادة إنتاج نفسه، توجد فئة أخرى تؤمن بأن التوجه نحو صناديق التصويت هو الحل الأنسب والمخرج الآمن لما تعيشه الجزائر في ظل المتغيرات الداخلية والخارجية، وتفادي أي إنفجار اجتماعي لا سيما وأن الوضع الإقتصادي مقلق جداً. كما يعتبر هؤلاء أن مؤسسة الجيش رافقت الحراك الشعبي منذ إنطلاق شراراته الأولى.
بالإضافة إلى ما سبق، إن الحكم بفشل أو نجاح الإنتخابات أمر سابق لأوانه على اعتبار أنه متعلق بمدى تجاوب الرئيس المستقبلي مع متغيرات الظاهرة الإجتماعية، ومطالب التغيير الجذري، وبناء جمهورية جديدة، وقدرة المسؤول الأول في البلاد على التأسس لحوار وطني جامع وفتح نقاش واسع مع مختلف الفاعلين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني، وإشراكهم في الحياة السياسة، ورسم تصورات مستقبل البلاد خصوصاً مسألة العودة في كل مرة لمطالب الملايين من الجزائريين الذين تدفقوا على ساحات وشوارع البلاد للإحتجاج بأسلوب حضاري وراقي.
بطبيعة الحال، إذا لم يتمكن الرئيس المستقبلي من احتواء الأزمات على جميع الأصعدة، السياسية الإقتصادية والإجتماعية، فعلى صناع القرار هنا تحمل مسؤوليتهم الكاملة.
مصدر الصورة: شبكة رصد الإخبارية
موضوع ذو صلة: مخاوف أوروبية من تطورات الأزمة الجزائرية