حوار: سمر رضوان
مع الإعلان عن وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأميركي – 2017، والتي تعتبر الأولى في عهد الرئيس دونالد ترامب، بدأت الدراسات والمقالات بتحليل هذه الاستراتيجية الجديدة لا سيما وأنها تحمل في طياتها سياسة أمريكا في مرحلة مقبلة وحساسة يمر في النظام الدولي.
للوقوف على هذا الموضوع أكثر، سأل مركز “سيتا” المهندس توم حرب، مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديمقراطية، عن أهم البنود التي تضمنتها ومفاعيلها الاستراتيجية المستقبلية.
العلاقات مع روسيا
من أبرز النقاط التي يتم الحديث عنها هي العلاقات الأميركية -الروسية في المرحلة المقبلة، ودور ما يسمى بـ “الدولة العميقة” التي ترفض هذا النوع من العلاقات. في هذا الخصوص، أشار حرب بأن “العلاقات إيجابية بين الرئيس ترامب وروسيا. فبعد تفكك الاتحاد السوفييتي وسقوط الشيوعية، أصبح هناك نوع من الارتياح من قبل الشعب الأمريكي تجاه الشعب الروسي إذ لم تحدث أية استفزازات، كما حدث في النصف الثاني من القرن الماضي، ولم يعد هناك خوف لجهة توسع الإيديولوجية الشيوعية في العالم. الشعب الأمريكي اليوم يعبر عن هذا الأمر من خلال ممثليه في الكونغرس، ومن خلال المسؤولين في الإدارة الامريكية ورئاسة الجمهورية.”
أما مرحلة العلاقات في ظل فترة ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، فيشير حرب إلى أن “إدارة الرئيس أوباما كانت متساهلة ومتنازلة تجاه الروس، خصوصاً تجاه مسألة ضم القرم في الأزمة الأوكرانية العام 2014، والتدخل في سوريا العام 2015. فالإدارة السابقة، لم تحرك ساكناً لمجابهة ذلك. أما الرئيس ترامب، فهو يريد أن يصنع نوعاً من الصداقة الإيجابية بين البلدين.”
وعن ماهية هذه السياسة التي يريدها الرئيس الأميركي، يقول حرب “إن سياسة ترامب تجاه روسيا ستكون إيجابية لا سيما مع وجود العديد من التفاهمات الواسعة حول قضية محاربة الإرهاب الدولي والإيديولوجيات التكفيرية. وفيما خص موضوع كوريا الشمالية، أثبتت إدارة ترامب أنها استطاعت بالتعاون مع روسيا، وحتى الصين، أن تأخذ ثلاثة قرارات في مجلس الأمن ضد بيونغ يانغ، حيث لم يكن هناك أي فيتو، أو امتناع عن التصويت، من قبل الدول دائمة العضوية وهو ما يعتبر عملاً ايجابياً يمكن البناء عليه مستقبلاً.”
أما بخصوص التحقيق القضائي في التدخل الروسي بالانتخابات الأميركية، يعتبر حرب بأن “هذه الاتهامات مصدرها الحزب الديمقراطي وهي اتهامات باطلة وفاشلة ولا يوجد هناك أي دليل على ذلك. وبالنتيجة ستخرج إدارة ترامب بريئة منها، ولكن من المحتمل محاكمة شخص أو أكثر، على قضايا لا دخل لها بموضوع التواطؤ بين الروس وإدارة ترامب، فقط لان المحكمة الخاصة تريد إيجاد حجة بعدما تم صرف مبالغ مالية ضخمة عليها وصلت إلى ما يقارب الـ 10 ملايين دولار.”
في المقابل، يشير حرب إلى وجود “نوع من المناورات، مع روسيا، تريد الولايات المتحدة من خلاله منع التدخل الإيراني في سوريا من ضمن سياسة الحل المعلن عنها، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، تريد واشنطن أن تربح ورقة أخرى من خلال تزويد أوكرانيا بسلاح فتاك، وحشد القوات بالقرب من الحدود الروسية –الأوكرانية إذا لزم الأمر، من أجل الضغط على روسيا للعمل معها والتوافق حول الملف السوري. من هذا المنطلق، سيكون هناك نوع من المناورات وليس المواجهات بين الولايات المتحدة وروسيا لأن الطرافين ذاهبين إلى حلول مشتركة، كالحل في سوريا من دون الرئيس بشار الأسد أو التواجد الايراني.”
الصين كـ “تهديد” اقتصادي
وعن اعتبار الرئيس الأمريكي للصين بأنها تشكل تهديداً اقتصادياً على بلاده، وعن الخطوات التي قد تتخذها إدارة الرئيس ترامب في هذا المجال، يرى حرب “أن الرئيس ترامب يؤمن بمبدأ التجارة الحرة والمنافسة الدوليين، دون أدنى شك، لكن يحب أن تكون هذه المنافسة متوازية لحجة حجم الاستيراد والتصدير، وعدم وجود عجز في الميزان التجاري، هذا الأمر الأول. أما الأمر الثاني المتعلق بحق الملكية الفكرية، فإن مراكز الدراسات الأميركية تنفق اموالاً طائلة على عملية البحث والتطوير والاختراع والإنتاج، بينما تقوم الصين بنسخ تلك المنتجات وبيعها بسعر أرخص من ثمنها الأساسي لتجني من ورائها أرباحاً طائلة دون أية مصاريف تذكر. من هنا، يريد الرئيس ترامب فرض عقوبات، فيما يخص انتهاك حق الملكية الفكرية والصناعية، ضد الصين كما يمكن فرض بعض الضرائب على البضائع القادمة من بكين لتصبح أغلى من مثيلاتها الأميركية.”
وعن إمكانية تطوير العلاقة بين واشنطن وتايوان لـ “تهديد” بكين مستقبلاً، يقول حرب “بدون شك يستطيع الرئيس ترامب أن يلعب دوراً مهما في تايوان، ضد الصين، إذا حاولت بكين لعب أي دور سيء تجاه بلاده. لكنني أرى بعض الإيجابية من الصين، خصوصاً فيما ذكرناه أعلاه عن فرض ثلاثة قرارات في مجلس الأمن ضد بيونغ يانغ من دون فيتو أو امتناع عن التصويت من قبل الدول دائمة العضوية، وسبب ذلك، برأيي، وجود نية صينية للتعاون إضافة إلى نوع من الخوف مما قد يقدم عليه الرئيس ترامب في حال عدم التجاوب. إن العلاقة بين الفريقين، يقظة إلى حد ما لكنها ستصب لصالح الولايات المتحدة عند نهاية المطاف.”
إضافة الى تايوان، يشير حرب إلى قدرة الولايات المتحدة، أكبر الدول المستوردة من الصين، بالتأثير “على كندا وقارة أميركا الجنوبية، وهذا ما تهابه الصين، إضافة إلى تأثر الولايات المتحدة في كل من أفريقيا والشرق الأوسط، الأمكنة التي تحاول الصين فيهما أن تلعب دوراً مهماً. لذلك، لا تستطيع الصين مواجهة الولايات المتحدة بل عليها أن تكون ذكية بالتعامل معها. بتقديري، إن الصين ستلعب دوراً إيجابياً بالرغم من وجود نوع من التحديات مع إدارة ترامب، من وقت إلى آخر، خصوصاً وأن الاخير هو شخص واضح وصريح ويتكلم بكل شفافية، في الاجتماعات المشتركة، ويطلب دائماً أن تتعامل معه بكين بنفس الطريقة وليس بطرق دبلوماسية، من تحت الطاولة، كما كان يحدث سابقاً.”
بين “أميركا أولا” و”السلام بالقوة”
حول هذه الجزئية، يقول حرب “إن القوة الداخلية هي التي تصنع السلام العالمي. هذا الطرح يعتبر جديداً بالنسبة لسياسة الرئيس ترامب، وقديماً بالنسبة للرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغن الذي استخدمه ضد الاتحاد السوفييتي حيث استطاع أن يسيطر على انهياره عندما لعب دوراً مهماً مع بريطانيا والبابا الراحل يوحنا الثاني لا سيما بالنسبة لبولندا في تلك الحقبة. اليوم، هذه النظرة الجديدة للرئيس ترامب يختلف عليها حتى أعضاء الحزب الجمهوري بما فيهم رؤساء جمهوريين سبقوا ترامب مثل الرئيسين جورج بوش الأب وجورج بوش الابن.”
وعن مدى الترابط بين “أميركا أولاً” والعولمة، يقول حرب “ظهرت العولمة أواخر الثمانينيات إلى أول التسعينيات من القرن الماضي. فقد أعلن الرئيس جورج بوش الأب عن “النظام العالمي الآحادي”، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، كون الولايات المتحدة لا زالت أعظم دولة موجودة في تلك الحقبة. لقد استطاعت واشنطن بما لديها من التكنولوجيا، الانترنت وغيرها، السيطرة على كل العالم. ولكن بعد مرور ثلاثين عاماً، وجدنا أن الصين والهند، على سبيل المثال، استطاعوا أن يلعبوا دوراً سلبياً في العولمة، من خلال سرقة التكنولوجيا، الأمر الذي أدى إلى تغيير في الموازين. بالإضافة إلى ذلك وبسبب الضرائب المرتفعة على الشركات، بدأ المستثمرون بالتفتيش عن مكان يستطيعون من خلاله جني الأرباح فانتشروا في ايرلندا والصين والهند، مما تسبب في ضعف الصناعات في الولايات المتحدة ناقلين معهم الكثير من هذه التقنيات التكنولوجية. لذلك، يريد الرئيس ترامب أن “يزيح” عولمة القرن الماضي من خلال إجراء دراسة جديدة للسياسة الاقتصادية التي يريد استعمالها ليبقى لدى بلاده نوع من الهيمنة الدولية، إن لم تكن كاملة أي مع شركاء فيها.”
أما عن “القوة الداخلية” أي القوة الاقتصادية، فيقول حرب “باستطاعتنا أن نحققها من خلال تخفيض الضرائب على الشركات لتعود وتصنِّع في الولايات المتحدة، كما يمكننا العودة إلى اتفاقية “النافتا” بعد إقامة نوع من التوازن في الميزان التجاري. بالنسبة إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، فقد ألغاها الرئيس ترامب لأن الصين ستتمكن فيها من السيطرة على الولايات المتحدة. أما اتفاقية “باريس” للمناخ فيمكن اعتبارها بأنها “مهزلة”. لقد أعطت الصين الحق في دراسة المناخ حتى العام 2030، إضافة إلى منحها مراحل تجريبية، ومن ثم تقرر إذا ما كانت ستستمر أم لا. أما الهند، فستقوم باتخاذ اجراءات إصلاحية للمناخ تكون فيها الولايات المتحدة مجبرة على دفع ثمنها. وعند علم الشعب الأمريكي بمضومنها، تم رفض هذه الاتفاقية التي وقع عليها الرئيس أوباما، وهو ما اعتبر سبباً اضافياً لنجاح الرئيس ترامب في السباق الرئاسي. في هذا الخصوص، هناك نقطة مهمة جداً يجب توضيحها. لقد انسحب الرئيس ترامب من الاتفاقية ليس على خلفية عدم اكتراثه بالتغير المناخي بل لم يعجبه عدم التوازن الحاصل في الاتفاق نفسه، مشيراً إلى إمكانية العودة إلى الاتفاق بعد عمل دراسة جديدة ووضع شروط معينة تتلاءم مع سياسات الولايات المتحدة. فإذا ما بدأت الصين والهند بتطبيقها، هنا نصبح مجبرين بالعمل على تخفيض أخطار الأضرار البيئية.”
فيما يخص “القوة الداخلية مقابل السلام الدولي” يشير حرب بأن الرئيس ترامب “يعتبر بأن تقوية الصناعة والتجارة يتلازم مع تقوية وسائل الدفاع بالتوازي. عندها، تستطيع أمريكا لعب دور أهم بعملية السلام في عدة البلدان، كون الأخيرة ستضطر إلى التجاوب والتعاون مع واشنطن. فمثلاً، ستتنازل إيران عن الملف النووي والإرهاب، التي تحدثت عنه وثيقة الأمن القومي بإسهاب، وكذلك كوريا الشمالية.”
استراتيجية الضربات الوقائية وملف كوريا الشمالية
في هذا المجال، يقول حرب “بتقديري، إن مسألة كوريا الشمالية يمكن الضغط فيها عبر الذهاب إلى مجلس الأمن وأخذ القرارات اللازمة لعزل بيونغ يانغ، هذا من جهة أولى. من جهة ثانية، بعد عزلها كلياً وفرض عقوبات عليها، تبقى النقطة الأهم في قيام إدارة الرئيس ترامب بمراقبة تصرفات كل من روسيا والصين ومدى التزامهما بهذه القرارات، أو إذا ما كانتا ستعتمدان السياسة السابقة في التضليل، خلافاً للقرارت التي يتم اتخاذها، كخرق الحصار الاقتصادي. من جهة ثالثة، يريد الرئيس ترامب إجراء مناورات عسكرية مع كوريا الجنوبية وحتى مع اليابان، وتثبيت قواعد مضادة للصواريخ في تلك المنطقة. من جهة أخيرة، يبقى الخيار العسكري قائماً خصوصاً وأن الرئيس ترامب قد وضع جميع الخيارات كي تنتهي المعركة بنصر الولايات المتحدة كونه يعتبر أن أي خسارة فيها ستنعكس على أي معركة مماثلة قادمة، كإيران مثلاً. أستطيع القول بأن كل الخيارات، في الإدارة الحالية، موضوعة على طاولة البحث والتي ستشكل التكنولوجيا جزءاً كبيراً منها، قبل الخيار العسكري. فالولايات المتحدة باستطاعتها أن تستعمل الخيارات التكنولوجية ضد السلاح النووي، لا سيما إذا ما أطلقت كوريا الشمالية صواريخها تجاه الولايات المتحدة. هنا، سيكسب الرئيس ترامب موافقة الشعب الأمريكي لجهة القيام بضربها عسكرياً.”
وعن السيناريوهات المتوقعة مع إيران، يقول حرب بأن “ما يحدث في كوريا الشمالية هو نسخة طبق الأصل عما سيحدث مع إيران. لذلك، تحاول إيران جاهدة مساعدة كوريا الشمالية لخرق أي اتفاقيات اقتصادية كي لا تلاقي المصير نفسه.”
السياسات الأمريكية في عالم متغير
يشير حرب إلى أن الكثير من قرارات الرئيس ترامب، في بعض الأحيان، التي يتم اتخاذها “لا تتناسب مع مصالح الدول الأخرى، فهو يأخذ قرارات مصيرية سبق وأن وعد بها خلال حملته الرئاسية مقدماً شرحاً وافياً عنها. غير أن تركيز وسائل الإعلام، في فترة الانتخابات 2015-2016 وبنسبة حوالي 85% منها، كان يصب على شخص الرئيس دون التركيز على برنامجه الانتخابي الذي سيقوم بتنفيذه في حال ربح معركة السباق على الرئاسة.”
لقد كان إصغاء الأمريكيين إلى مضمون هذا البرنامج، بحسب حرب، سبباً في “ربح المعركة الانتخابية لكونه يتطابق مع مشاريع الأكثرية الشعبية التي صوتت له. لغاية الآن، إن كل القرارات التي أخذها الرئيس ترامب انطلقت من هذه القوة الشعبية الهائلة. لذلك، فالانتقادات التي تأتيه، من الإعلام الدولي وحتى المحلي، سببها عدم متابعة برنامجه الانتخابي في حينها. إن الرئيس ترامب يعد أول رئيس أمريكي ينفذ ما وعد به في الحملة الانتخابية، وهذا الأمر لم يتعود عليه السياسيون، سواء في داخل الولايات المتحدة أو خارجها، بمن فيهم أعضاء في الحزب الجمهوري نفسه.”
في هذا الخصوص، يعطي حرب مثلاً وهو مسألة اعتراف الرئيس ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل مقر السفارة الأميركية إليها، إذ يقول “هذا الموضوع بالذات صوَت عليه الكونغرس الأمريكي ومجلس الشيوخ، اليمين واليسار، الديمقراطيين والجمهوريين، بأغلبية ساحقة عام 1995، أكثر من 93% في المجلس، وحوالي 99% في مجلس الشيوخ. اليوم، يرى هؤلاء أنفسهم بأن الرئيس ترامب قد تسرّع في قراره وهم نفسهم من صوّت على القانون في السابق. فإما أنهم كذبوا في السابق، أو أنهم يكذبون اليوم. لقد تعب الشعب الأمريكي من هؤلاء السياسيين “الدجالين”، وهو مرتاح لسياسة الرئيس ترامب. بكل الأحوال، في العام 2018 ستجرى انتخابات نصفية لمجلس النواب، وفي العام 2020 ستجرى الانتخابات لرئاسة الجمهورية، وسنرى موقف الشعب الأميركي من هذه السياسة في مختلف جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.”
مصدرالصور: القدس العربي – Campbell Law Observer – سبوتنيك – businessinsider – Valdai Discussion Club – history.com.