بالنظر إلى بُنية السياسات الدولية الحديثة المناهضة للهيمنة من منظور عملية توازن القوى المتعلق بالسياسة، نستطيع أن نرى الآليات الأساسية التي تحافظ الدول ذات السيادة من خلالها على هذا التوازن الدقيق.
تتفاعل الدول مع بعضها البعض في نظام فوضوي باستخدام أدوات أساسية، وهي: القانون الدولي والدبلوماسية والحرب؛ هذه الأدوات، هي مؤسسات رسمية في النظام الدولي، وكل مؤسسة في جوهرها هي طريقة للتعامل مع أشكال صراع المصالح بين الدول ذات السيادة، وكل واحدة منها قد طورت نظاماً مشذباً من القوانين بما يتعلق بإدارة موضوعها. ولكل واحدة من هذه المؤسسات الثلاث تاريخ يعود إلى الفترة ما قبل الحديثة.
وتبدو الحروب سمة دائمة من سمات التاريخ السياسي البشري، لكن يجب الانتباه لجهة عدم الخلط بين الحرب وانهيار السياسة؛ في هذا السياق، قال بعض الفقهاء “إن الحرب هي استمرار للسياسة لكن بطريقة أخرى”، فالمنهج محكوم بقاعدة لحل الصراع، ولدينا تاريخ طويل من القوانين حول من يمكن اعتباره إعلان الحرب وتحت وطأة أية ظروف، كيف يمكننا خوضها، وكيف يمكننا إنهاؤها.
أيضاً، كان لتطوير النظام العالمي – بالإضافة إلى التقدم التقني في الأسلحة العسكرية بدءاً من البارود وصولاً للأسلحة النووية – بالغ الأثر في الطُرق التي تحاول من خلالها المجموعة الدولية تنظيم الحروب؛ فمن تقاليد محددة تحظر استخدام أنواع محددة من الأسلحة، إلى الاتفاقيات والمواثيق الأكثر طموحاً والهادفة إلى رفض الحرب بوصفها وسيلة لحل الصراعات (عصبة الأمم والأمم المتحدة)، كسبت قوانين الحرب والسلام شكلاً حديثاً مميزاً، وذلك في الوقت الذي يمكن العثور فيه على نظام دبلوماسي يمكن تميزه – مثلاً – عن معاملات الإغريق القدامى.
على سبيل المثال، إن نشوء الدولة في إيطاليا في القرن الـ 15، شهد تشكيل نظام حديث مميز للبعثات الدبلوماسية دائمة الإقامة، التي طورت عبر النظام الفرنسي في منتصف القرن الـ 20 إلى المؤتمرات الدبلوماسية الدائمة، كالأمم المتحدة.
هناك طبيعة حقيقية لكل من الحرب والدبلوماسية – بوصفهما أداتين لحل الصراع توفرها طبيعة النظام الذي تعملان فيه، وينطبق الأمر نفسه على القانون الدولي لأن الأخير ليس نتاج العملية التشريعية للحكومات كما في حالة قانون الدول الذي يهدف إلى تنظيم العلاقات بين الدول بدلاً من الأفراد،؛ وبالتالي، إن مصادر القانون هي الاتفاقيات الدولية والممارسات الدولية، إضافة إلى القرارات القضائية وكتابات فقهاء القانون، وكتيبات الإرشادات العسكرية، ومقررات الهيئات الدولية.
بالمحصلة، يقدم تاريخ – عبر ممارسة الحرب والدبلوماسية والقانون الدولي – نفاذ بصيرة كبير حول طبيعة المجتمع الدولي الحديث، أو كما يسميه البعض “المجتمع الفوضوي”، لكن الأساس هو الإدراك أن فهم طبيعة توازن القوى أمر جوهري لفهم العلاقات الدولية لأنه يوفر فهماً معمقاً لعلاقات القوى العظمى كما أوروبا، مثل نظام حديث ناجح ومؤثر إلى حد كبير، ليصبح اسمه نظاماً عالمياً معاصراً للسياسة الدولية.
مصدر الصورة: ويكيبيديا.
موضوع ذا صلة: النظام الدولي الحالي: من العولمة إلى التعددية
مستشار قانوني – الكويت