إعداد: مركز سيتا

بعد تأجيلاتٍ كثيرة، بوساطة وتدخلات إقليمية ودولية، وهدنٍ لم تنفض غبار المعركة المرتقبة، وبعد الخروقات الكثيرة، إشتعلت رحى معركة الشمال السوري، وبدأت العملية بوتيرة عالية وتصميم وعزيمة قوية على دحر الإرهاب مهما كلف الثمن. معركة ليست بسهلة، فهي من أشد المعارك نظراً لظروفها الصعبة، ولكن برزت إحترافية عالية في القتال، وفيما أنها أضاءت على الدور التركي المباشر فيها.

إنجازات سورية وخيبات تركية

يبدو أن الدعم التركي للمجموعات المسلحة بات معروفاً، خاصة لإرهابيي الشمال السوري وفي مقدمتهم تنظيم “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، إلى جانب الإيغور والتركستان والأوزبك و”جند الشام” و”أنصار الشام” وغيرهم، فيما يرفع عدد الإرهابيين، في إدلب ومحيطها، إلى ما يفوق الـ 100 ألف عنصر، غالبيتهم من الموالين لأنقرة.

فمع تقدم الجيش السوري، إستطاع إسترداد عدد من المدن الإستراتيجية، كمعرة النعمان وخان شيخون وسراقب، كما أنه شارف على منطقة الأتارب، بالإضافة إلى تحريره لما يزيد عن الـ 100 قرية وبلدة في الشمال.

من هنا، لم تستطع تركيا إبقاء دعمها خلف الكواليس، فدخلت بثقلها إلى المعركة. ولعل علامات هذا الدخول كان إبان العدوان الإسرائيلي الأخير على دمشق ومحيطها، حيث دخل رتل تركي كبير إلى الشمال بالتزامن مع الغارات، لكنه لم يحقق شيئاً حيث إستهدفه الجيش وتم القضاء عليه، الأمر الذي أسفر عنه مقتل عدد غير قليل من الجنود الأتراك، مما اضطر وزارة الدفاع التركية للإعلان عن نيتها الرد داعية الجيش السوري للإنسحاب من المنطقة.

طريقتان للحل

من المعلوم أن تأخر معركة إدلب جاء بسبب تركيا، التي تفاهمت مع روسيا وتم الإتفاق على إنشاء نقاط مراقبة. هذه النقاط تمت محاصرة أغلبيتها من قبل الجيش السوري، مع توقعات بإشتداد مواجهة سورية – تركية تبينت من خلال إرسال الجيش التركي لمزيد من التعزيزات إلى الشمال. لكن السؤال هنا: بعد فشل التوصل إلى حل خلال زيارة مسؤولين روس إلى أنقرة، ما هو الموقف الروسي؟

يتبين من خلال الأوضاع الميدانية، أن تركيا لا تريد الدخول في مواجهة مفتوحة مع روسيا، الحليف المتين لسوريا، وليس من مصلحة الرئيسين التركي، رجب طيب أردوغان، أو الروسي، فلاديمير بوتين، تخريب العلاقات بينهما، لذلك برزت تصريحات تركية قاسية لكنها لم تصل إلى مرحلة المواجهة المباشرة على الرغم من مقتل عددٍ من جنودها خلال العملية العسكرية.

في هذا السياق، يقول د. كمال الجفا، الخبير الإستراتيجي في تصريح خاص لـ “سيتا” بأن “الدور الروسي في سوريا متجذر ولن ينتهي بهذه السهولة بسبب تشعب، وتداخل تركيا وتغلغلها في أدق الملفات السياسية والأمنية والإقتصادية والعسكرية الميدانية ومراكمتها لملفات أمنية تفصيلية بكل الوضع السوري عدا عن اتكالها على كتلة بشرية مهمة جداً ووازنة من السوريين الذين لديهم ارتباطات وثيقة داخل سوريا الدولة وداخل المناطق الخارجة عن سلطتها، عدا عن تعقيدات الملف الكردي في شمال شرق البلاد، والذي يعتبر أساسياً ومن أولى اهتمامات القادة الأتراك.”

ويضيف د. الجفا “إن تركيا – أردوغان لا يمكن أن تتخلى عن الورقة السورية إلا بمعجزة، أولها سورية داخلية بتسوية سياسية مرضية للجميع أو بتغيير جذري في القيادة السياسية لتركيا وعلى رأسها أردوغان نفسه. أما بالنسبة إلى نقاط المراقبة، فأعتقد أن تركيا في أزمة كبيرة الآن وليس هناك إلا طريقين؛ الطريق الأول، التفاهم مع القيادة السورية وضمن اتفاقات وبنود جديدة بعد التغييرات الميدانية بالقوة العسكرية وليس بالتفاوض. أما الطريق الثاني، فهو انفجار الوضع العسكري وحدوث اشتباكات محدودة تؤدي إلى تغييرات ميدانية ستتبعها مفاوضات واتفاقيات جديدة ترضي جميع الأطراف مع عدم السماح لتركيا بالإستفراد بالجيش السوري لوحده لأن ذلك سيقوض على النجاحات والإنتصارات والخطط الروسية في سوريا.”

مأزق كبير

فشل الإجتماع العسكري في أنقرة، بين وفدين روسي وتركي، بالتوصل إلى اتفاق يخفف من حدة التوتر في ريف إدلب، الناجم عن تقدم الجيش السوري واستعادة سيطرته على عدد من المدن والقرى والبلدات. هذا الأمر لربما أغلق الباب على الحلول السياسية بين الجانبين لمصلحة تعزيز خيارات الحل العسكري والحرب المباشرة، ولعل السبب الأبرز هو رفض موسكو إنسحاب القوات السورية من الشمال بعد تحقيقها لإنتصارات كبيرة، دون الإغفال أن لموسكو مصلحة في إنهاء الإرهاب في إدلب، وهي التي تتعرض قاعدتها الجوية في “حميميم” لهجمات مستمرة بالطيران المسير من قبل الإرهابيين في إدلب؛ بالتالي، لن توافق على هذا الطلب مهما كلف الأمر.

ومع تحرير المدن الإستراتيجية معرة النعمان وسراقب وقبلهما خان شيخون، سيفتح الطريق الدولي حلب – دمشق، والذي يساهم في حل كثير من القضايا العالقة على الصعيد الداخلي، فتركيا لا تريد “سوريا قوية” أو قادرة على التحكم، خاصة وأن الدولة السورية إستطاعت مقارعة الجانب التركي في الميدان لا على طاولات المفاوضات ما يعني أن كل ما حلمت به أنقرة سيذهب “أدراج الرياح”.

من هنا، يقول الأستاذ مهند الحاج علي، عضو مجلس الشعب السوري، في تصريح خاص لـ “سيتا” إنه “نستطيع القول بأن الجانب التركي في مأزق كبير جداً من عدة جهات؛ أولها، هو لا يعرف أين يذهب بعشرات الآلاف من الإرهابيين الذين أدخلهم، وهؤلاء الإرهابيين هم الأشد راديكالية وتطرفاً من بين كل الذين بقوا في سوريا، فهم رفضوا كل المصالحات وتوجهوا إلى محافظة إدلب. بالنسبة إلى الذين فروا من جراء ضربات الجيش العربي السوري، وبحسب المعلومات، توجهوا إلى الأراضي التركية وحصراً إلى منطقة الريحانية، وبالتالي هذا يحرج الرئيس أردوغان كثيراً.”

ويتابع الأستاذ الحاج علي “ثانيها، هو لم يستطع أن يفصل ما يسمى بالمعارضة المعتدلة عن الإرهابيين؛ وبالتالي؛ هو فشل الرئيس التركي سياسياً. لذلك نرى أنه يقوم بتعلية سقف تصريحاته من أجل أن إستثمارها، سواء التي كانت موجهة ضد سوريا والجيش السوري، أو حتى ضد روسيا الإتحادية فيما يخص شبه جزيرة القرم من أجل أن يحسن شروط التفاوض المقبلة.”

ويضيف الأستاذ الحاج علي “على الجهة الأخرى، نراه يستجدي الصديق الروسي، من خلال وصول وفد عسكري روسي إلى أنقرة من أجل التنسيق فيما بينهم بخصوص معركة إدلب. يضاف إلى ذلك أن هناك مبادرة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية لما لها من علاقات إقتصادية متينة مع الجانب التركي، تستطيع أن تستثمرها في الضغط على الأتراك لكي تقوم بتحييد أنقرة عن معركة إدلب. وبالتالي تقديم حل للمأزق الذي وقع فيه أردوغان. مع ملاحظة أن المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، هو في زيارة إلى الجمهورية الإسلامية. إذاً هذا الأمر يعطينا إنطباعاً على أن إيران هي التي سوف تقدم طوق النجاة الأخير للرئيس أردوغان، عبر حفظ ماء وجهه، ما يحقق الغاية الأساسية في إنتصار الجيش السوري في حربه على الإرهاب، وتحرير كامل الأراضي حتى آخر شبر منها.”

أخيراً، يبدو أن الجيش السوري مصمم بجدية على تحرير أرضه ومدنه وقراه من الإرهاب، لا سيما بعدما إستعاد الكثير من المدن والمناطق الحيوية على إمتداد الجغرافيا السورية حتى جاء دور إدلب ومحيطها.

لكن ما تجدر الإشارة إليه هنا، إن هذه المعركة ليست سهلة طالما يسعى الجانب التركي، بكل إمكانياته من خلال إستمراره في دعم التنظيمات الإرهابية؛ إلا أنه وعلى الرغم من إحتمالية المواجهة العسكرية المفتوحة، يمكن التكهن بأنها وإن حدثت ستكون “نهاية سياسية” للرئيس التركي. يبدو أن الأيام القادمة ستشهد تغيراً كبيراً في الخارطة الميدانية، والتي ستحدد شكل معالم الخارطة السياسية المقبلة نحو الشرق السوري؛ لذلك، لا يُسمع صوت للولايات المتحدة على الرغم من أن حليفتها في خضم هذه المعركة.

مصدر الصور: ميدل إيست أونلاين –  قناة العالم.

موضوع ذو صلة: تحرير إدلب: عنوان رئيسي لمرحلة سياسية سورية جديدة