إعداد: يارا انبيعة

بعد الإنتصارات الكبيرة التي حققها الجيش السوري ضد الجماعات المسلحة في الغوطة الشرقية من خلال النجاح في محاصرتها وتقسيم المنطقة إلى أقسام يسهل معالجتها نارياً والعرض المقدم للمسلحين بالخروج الآمن من خلال ممرات تم وضعها والاتفاق عليها، بدأت الولايات المتحدة، وحلفاؤها الغربيون، طرح مسألة استخدام الأسلحة الكيماوية من جديد.

تهديد أميركي

هددت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، بتحرك بلادها في سوريا، ولو منفردة ومن خارج قرارات الشرعية الدولية، في حال تقاعس مجلس الأمن عن اتخاذ إجراءات ضد حملة الجيش السوري على ضاحية غوطة دمشق الشرقية المحاصرة. وقالت هايلي، موجهة انتقادات لروسيا والحكومة السورية، أمام المجلس “اتفقنا على وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً.. كانت المفاوضات طويلة وصعبة، وقد أدت كل دقيقة تأخرنا فيها إلى قتل المزيد من الأبرياء، بيد أن الوفد الروسي عطل وأخر المحادثات.” واستطردت هايلي بالقول “اليوم، نحن نعرف أن الروس لم يفوا بتعهدهم. اليوم، نرى أن أفعالهم لا تتطابق مع تلك الالتزامات، حيث تواصل القنابل بالسقوط على أطفال الغوطة الشرقية. اليوم، أصبح لزاماً أن نسأل ما إذا فقدت روسيا القدرة على التأثير على نظام الأسد لوقف التدمير المروع للمستشفيات والعيادات الطبية وسيارات الإسعاف، ولوقف إلقاء الأسلحة الكيميائية على القرى. هل انقلبت الحالة في سوريا، فباتت روسيا الآن هي الأداة بيد الأسد؟ أو أسوأ من ذلك، بيد إيران؟”

كما اتهمت السفيرة الأمريكية القوات الروسية بمواصلة قصف أهداف بسوريا، خلال الهدنة، مضيفة “لقد توفي في هذه الفترة أكثر من 500 مدني، وذكرت بعض التقارير أن عدد القتلى أعلى من ذلك، وتحدثت عن المصاعب التي كادت أن تمنع قوافل الأمم المتحدة من إيصال المساعدات بسبب القصف الشديد.”

هنا، لا بد من ملاحظة أن مبعوثة الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن، نيكي هالي، لم تتحدث أمام مجلس الأمن بصيغة “الحزم” أن بلادها سوف تشن عدواناً على سوريا إذا لم يوقف الجيش عملياته في الغوطة الشرقية. لذا، يمكن الاستنتاج أن اللغة المستخدمة هي أقرب إلى استخدام سياسة “حافة الهاوية” منه إلى وضع التهديد الأميركي موضع التطبيق، حيث يرى العديد من المراقيبن بأن الولايات المتحدة، في حال إقدامها على تلك الخطوة، ستخسر الكثير ليس فقط سوريا بل وفي الشرق الأوسط. لذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى الضغط في الأمم المتحدة والتهديد المباشر بتوجيه ضربات عسكرية كي تتوقف روسيا عن دعم الدولة السورية، وما إذا كانت روسيا مستعدة للذهاب في هذا الموضوع إلى النهاية أم لا.

روسيا بـ “المرصاد”

استنكرت الخارجية الروسية تهديدات المندوبة الأمريكية حيث أشارت إلى أن مثل هذه التصريحات المدوية وغير المسؤولة تثير استياء وقلقاً شديداً، وأكدت الخارجية أن مثل هذه العمليات “الإجرامية” تمثل خطراً على حياة المستشارين العسكريين الروس، بمن فيهم مسؤولو مركز المصالحة، الموجودون في المؤسسات بدمشق وفي مواقع وزارة الدفاع السورية، حيث سيتم اتخاذ ما ينبغي من التدابير للرد على ذلك. من هنا، جاء رد هيئة الأركان الروسية ببيان جاء فيه “سنرد في حال تعرض قواتنا للخطر أو تعرض دمشق لضربة صاروخية أميركية”، الأمر الذي شكل تحذيراً شديد الوضوح لواشنطن حيث أُخذ على محمل الجد في حال التفكير الفعلي بشن عدوان على سوريا، حتى وإن كان هذا العدوان في نطاق العملية الإعلامية، على غرار الاعتداء على مطار الشعيرات.

هذا وقد سبق تلك التهديدات الخطاب “النووي” للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حيث وجه رسالة واضحة مفادها “لدينا سلاحاً فتاكاً سيدمر فوراً أي ضربة باتجاهنا أو باتجاه أي حليف لنا”، وتبعه وزير الخارجية، سيرغي لافروف، بتهديد لا يقل حدة حيث حذر من أن أي ضربة ضد سوريا ستكون عواقبها وخيمة جداً. كما أعرب سيرغي ريابكوف، نائب وزير خارجية روسيا، عن قلق بلاده إزاء سلوك عدد من الدول منها الولايات المتحدة الأمريكية التي هددت بإستخدام القوة ضد سوريا، ونبه إلى أن تهديد واشنطن بإستخدام القوة ضد الحكومة السورية يتنافى مع قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن الأزمة.

من جهته، لفت المتحدث الرئاسي الروسي، دميتري بيسكوف، إلى أن الإرهابيين يحتفظون بالمدنيين كرهائن، مذكراً بأن وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت عن تحضيرات للقيام بأعمال استفزازية باستخدام السلاح الكيميائي في الغوطة الشرقية. بدوره أشار كونستانتين كوساتشوف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الغرفة العليا للبرلمان الروسي، إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن الذريعة للتدخل العسكري في سوريا. كما قال رئيس هيئة الأركان للجيش الروسي، فاليري غيراسيموف، إن بلاده سترد إذا تعرضت أرواح الجنود الروس في سوريا للخطر.

موسكو، التي لا تأمن جانب البيت الأبيض، ترصد معارضة عدد من كبار المسؤولين الأميركيين، بينهم وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون لأي استفزاز عسكري، حيال شن ضربات صاروخية ضد سوريا، تجنباً لمواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا ستتجاوز حتماً الحدود السورية.

هولاند يدين.. وماكرون يتجاهل

أعلن الرئيس الفرنسي السابق، فرنسوا هولاند، أن الحلف الأطلسي والدول الغربية يجب أن تمارس ضغوطاً أكبر على روسيا، بما فيها التهديد، من أجل وقف العمليات العسكرية في الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق وعفرين شمال سوريا. وانتقد هولاند تساهل الغرب مع تركيا، مشدداً على ضرورة وقف العمليات العسكرية في الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق وعفرين شمال سوريا.

وقال هولاند “روسيا هي القوة الأساسية في سوريا، والمخاطر جدية بحصول تصعيد إذا لم يتم وضع أي حدود”، وتابع هولاند “علينا التحادث مع فلاديمير بوتين، لكن ذلك ليس مبرراً لترك روسيا تقوم بتحركاتها دون رد فعل، وموقف (الرئيس الأمريكي) دونالد ترامب ليس واضحاً ولا يمكن التكهن به ولذلك يتعين على فرنسا وأوروبا والحلف الأطلسي التحرك، في انتقاد للنهج الدبلوماسي الذي يتبعه الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون.”

من جهته، اعتبر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن ما تقدمه روسيا وسوريا من تعاون مع المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار “غير كاف” داعيا موسكو أن تحترم قرارات مجلس الأمن الدولي احتراماً تاماً. ورداً على انتقادات سلفه له، رفض ماكرون التعليق واكتفى بالقول إن “فرنسا تتبع منذ أيار/مايو الماضي (تاريخ انتخابه – 2017) سياسة ثابتة ومتماسكة، من دون تواطؤ، لكنها تسعى إلى أن تكون فاعلة، وبالتالي استئناف الحوار.” وجدد ماكرون تهديد حكومته بشن ضربات ضد أي موقع في سوريا يثبت استخدامه لشن هجمات كيميائية وأدى إلى مقتل مدنيين، مؤكداً ان القوات الفرنسية لن تتدخل على الأرض ولكن “في اليوم الذي نحصل فيه، خصوصاً بالتنسيق مع شركائنا الأمريكيين، على أدلة قاطعة على تجاوز الخط الأحمر، أي استخدام الأسلحة الكيميائية للقتل، سنقوم بما قام به الأمريكيون أنفسهم قبل أشهر، سنعد أنفسنا لشن ضربات موجّهة.”

الإرهابيون و”الكيماوي”

قال مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، الدكتور بشار الجعفري، إن تصريحات المندوبة الأمريكية وتهديداتها الاستفزازية هي تحريض مباشر للإرهابيين لاستخدام السلاح الكيميائي، وشدد الجعفري، في كلمة، أن ذلك سيتم إستعماله كذريعة للعدوان على سوريا بما ينتهك ميثاق الأمم المتحدة. وأكد مندوب سوريا الدائم أن الدول الداعمة للإرهاب “دأبت على إطلاق حملات دعائية مضللة كلما تقدم الجيش السوري في حربه على الإرهاب.”

وأفاد الجعفري بأن بلاده اتخذت إجراءات كثيرة لرفع المعاناة عن المدنيين في الغوطة بينها فتح ممرين إنسانيين لضمان الخروج الآمن لهم، مشيراً إلى أن هذه الإجراءات اصطدمت بعرقلة المجموعات المسلحة ومن يدعمها وبعضهم أعضاء في مجلس الأمن، بحسب ما جاء على لسانه. وأشار الجعفري إلى أن بعض الدول التي أغلقت سفاراتها في دمشق تحصل على معلوماتها ممن تسميها مصادر مفتوحة وهي معلومات مضللة هدفها بث الفتنة في مجلس الأمن المعنى بحفظ الأمن والسلم الدوليين.

ولفت الجعفري إلى أن الحكومة السورية تقدمت بطلب للأمانة العامة للأمم المتحدة للتحقيق في الأوضاع الإنسانية في الرقة التي دمرها ما يسمى “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة، كما أعرب عن أمله أن تقدم الأمانة العامة للأمم المتحدة وصفاً قانونياً لوجود القوات الأمريكية على الأرض السورية واحتلالها أجزاء منها وكذلك لعدوان النظام التركي على سوريا.

“إجهاض” الحلم الغربي

يرى الخبير العسكري الاستراتيجي، العميد الدكتور أمين حطيط،  أن هدف بريطانيا والولايات المتحدة من إثارة ملفات حامية واتهامات ضد روسيا له علاقة مباشرة بالوضع السوري، قائلاً “أعتقد أن المشكلة الرئيسية التي تحسم العلاقة بين روسيا وبين دول الغرب وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا بشكل خاص هو الملف السوري”، مضيفاً “في هذا الإطار، نعلم جميعا أن العدوان الذي قادته الولايات المتحدة على سوريا والذي حشدت له من دول ومنظمات إرهابية، وسخرت له الإعلام كان يستهدف إسقاط هذا البلد، لكن صمود سوريا والدعم الروسي الفعال الذي مكن سوريا من المواجهة عطل على معسكر العدوان على سوريا تحقيق أكبر انتصار استراتيجي، كان مقدراً له فيما لو تحقق أن يعيد العالم برمته إلى نظام الأحادية القطبية، الذي حلمت وعملت له أميركا.”

وتابع الدكتور حطيط “لكن التدخل العسكري الروسي الشرعي وفقاً للقانون الدولي العام في سوريا أجهض الحلم الغربي وعطل على أميركا وحلفاءها تحقيق ما يبتغون، لهذا ينظرون إلى روسيا في العمق وفي وجدانهم الحقيقي، كأنها العدو الذي حال دون تمكينهم من الانتصار الاستراتجي، لإنهم لا يستطيعون مواجهة روسيا مباشرة، وخاصة بعد كلمة الرئيس الروسي إلى الجمعية الاتحادية، وإفهامه العالم برمته بأن روسيا تمتلك من القدرات العسكرية ما يمكنها الرد العنيف على أي استهداف لها ولحلفاءها، ولهذا تلجأ دول الغرب إلى ملفات التهديد والاتهامات المزيفة ضد روسيا.”

ختاماً، يبدو أن العملية السياسية تدار “بحنكة”، بين سوريا وروسيا وإيران، على اتجاهين؛ الاتجاه الأول، سياسي في مناطق خفض التصعيد الذي وصل إلى مرحلة جيدة. أما الاتجاه الثاني، فهو يتمثل في التقدم العسكري على كامل الجغرافية السورية. إن هذا التصعيد الغربي، بحسب بعض المتابعين، يأتي في سياق المحاولة للعبث في السياسة الروسية الدولية الضامنة للأمن والسلم العالميين. فهل اتّخذ قرار البدء بمواجهة القوات الأميركية في سوريا؟ وهل تسبق معركة شرق الفرات واسترداد مخزون سوريا الرئيسي في النفط والغاز نظيرتها في الجبهة الجنوبية، أو تكون هذه الجبهة التي باتت ساخنة جداً أولوية وجهة الجيش السوري المقبلة بعد طي صفحة الغوطة الشرقية؟

مصدر الأخبار: وكالات

مصدر الصور: روسيا اليوم – القبس – دي دبليو.