حوار سمر رضوان
مع ازدياد السجال السياسي بين أنقرة وباريس، يبرز على السطح مدى الخلافات بين البلدين، خصوصاً بعد قمة “فارنا”، يضاف إليها الدور التركي في الشمال السوري وما رشح من معلومات حول تعيين أنقرة لقائم مقام تركي يتولى إدارة شؤون عفرين السورية، وتحضير حوالي 450 عنصراً أمنياً للحفاظ على الأمن فيها.
عن هذا كله، سأل مركز “سيتا” الدكتور محمد عبد المجيد، الباحث في مركز إيرام للدراسات، المتخصص في الشؤون الإيرانية في أنقرة.
اللاجئون والدور في سوريا
من المعروف أن الدول الأوروبية تعاني من أزمة تدفق اللاجئين بسبب الهجرة الواسعة إليها في السنوات الأخيرة، كما تخشى هذه الدول من عودة مواطنيها الذين ينتمون لتنظيم “داعش” بعد أن شارفت عمليات القضاء على التنظيم على نهايتها، هذا من جهة. من جهة أخرى، تعتبر تركيا، التي تستضيف ما يزيد على 3 مليون لاجئ سوري ونصف مليون عراقي، إحدى طرق الهجرة إلى أوروبا.
انطلاقاً من إدراك هذه الحقيقة، اضطر الاتحاد الأوروبي لتوقيع اتفاق حول اللجوء مع تركيا قبل نحو عامين، ما قلل من عدد طالبي اللجوء في أوروبا. إن دول الاتحاد الأوربي تدرك، لا سيما فرنسا، أهمية تعاون تركيا معها في هذا المجال فضلاً عن امتلاك أنقرة للعديد من الأوراق في المنطقة، ويعرف الجانبان أن كلا منهما بحاجة للآخر. وعليه فمن المستبعد حصول مواجهة بين تركيا وفرنسا ومن المتوقع انحسار الأزمة الحالية عما قريب وستدرك فرنسا أن عليها التعامل مع تركيا من منطلق الندية لا من منطلق الاستعلاء.
إلى ذلك، لا شك أن فرنسا تحاول أن تكون طرفاً فاعلاً في سوريا خصوصاً وأن الموقف الفرنسي الأخير جاء بعد إعلان الولايات المتحدة عن عزمها مغادرة الأراضي السورية، باعتقادنا- بتنسيق مع الأخيرة، وفي ظل خوف باريس من انهيار التنظيمات الإرهابية التي تدعمها لإضعاف تركيا حيث أنها لا تريد أن ترى تركيا قوية متطورة.
مفاوضات الاتحاد
أتى التصعيد الفرنسي بعد الحديث عن مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي وهو ما تعارضه فرنسا بشدة، حيث ترغب تركيا بالانضمام للاتحاد وتعتبر أنها أوفت بالتزاماتها المطلوبة، لكن بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا تعارض هذا الانضمام، وتقترح إقامة تعاون بين أنقرة والاتحاد لكن من خلال الشراكة وليس العضوية في الاتحاد، وهو ما لا تقبل به تركيا وترى أن على الاتحاد، إن استمر في معارضته انضمام تركيا إليه، أن يعلن صراحة أنه “نادٍ مسيحي” لا يمكن لتركيا الدولة العلمانية وذات الأصول الإسلامية الانضمام إليه.
استقبال وفود كردية
إن الدعم الفرنسي عسكرياً وسياسياً، لما يسمى وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية الأذرع الفعلية لحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الإرهاب الدولي، ليس جديداً. فعند إطلاق القوات التركية لعملية “غصن الزيتون” في عفرين لتطهيرها من الميليشيات الإرهابية، كانت فرنسا أبرز المعارضين محذرة من تحولها إلى احتلال للأراضي السورية، إذ حاولت نقل الملف إلى مجلس الأمن لكنها فشلت في مساعيها لاستصدار قرار من المجلس بإدانة العملية.
إلى ذلك، إن لقاء الرئيس الفرنسي بالوفد الكردي يشكل، برأي أنقرة، دعماً صريحاً للإرهاب ورغبة من فرنسا بلعب دور في إعادة الإعمار مستقبلاً لا سيما وأنها أعلنت عن إرسال مزيد من التعزيزات لتأمين منبج، ومنع أي هجمات عليها. ترى أنقرة في هذه التعزيزات أنها تأتي في وقت يوشك فيه داعش على الاندحار، وتمثل عملاً غير مشروع، واحتلالاً للأراضي السورية. إن اللقاء الفرنسي بممثلي جماعة إرهابية يعتبر سابقة خطيرة في دعم الإرهاب وكيلاً بمكاييل مزدوجة، وقد جاء على لسان وزير خارجيتها ماذا سيكون موقف باريس لو التقى الرئيس التركي بقادة الهجمات الإرهابية على باريس.
لا شك أن أنقرة لا تريد المواجهة مع حلفائها في الناتو لكن من المؤكد أنها لن تقبل بالدعوة الفرنسية للحوار مع الإرهابيين وستواصل جهودها لإخراج تلك الجماعات من شمال سوريا سياسياً. بيد أنه إذا لم تفلح الجهود السياسية بذلك، ستضطر إلى اللجوء للعمل العسكري لمواجهة فرنسا وغيرها لتطهير المنطقة من الإرهاب وحماية أمنها القومي وهو ما تكفله لها الشرائع والقوانين الدولية، وإن كان من المستبعد حصول مواجهة عسكرية مباشرة بين البلدين. إن عدم استجابة حلفاء تركيا في الناتو للمخاوف التركية سيعني بالتأكيد مزيداً من التقارب بين أنقرة وموسكو وهو ما يخشاه الغرب، ولذلك قد يضطر للرضوخ للمطالب التركية.
“قائمقامية” عفرين؟!
من يمتلك أدنى معلومات عن تركيا، يدرك أنها دولة كبيرة تمتد على مساحة شاسعة هي أشبه بالقارة وليست بحاجة لمزيد من الأراضي. إن تركيا من أحرص الدول على وحدة الأراضي السورية واستقلالها، وقد كان من أحد أهداف تدخلها في عفرين منع تقسيم الدولة الجارة التي تشترك معها في حدود تبلغ 900 كلم. لن تكون إدارة عفرين سوى بيد أهلها الذين سينتخبون مجالس محلية تدير شؤونهم وتعبر عن تطلعاتهم، وسيقتصر الدور التركي من خلال ولاية هاتاي المحاذية لعفرين والقريبة منها على تقديم كل ما يلزم لدعم هذه المجالس لتلبية متطلبات الأهالي، وهي قد بدأت بالفعل بإعادة تأهيل المدارس والمستشفيات والمرافق العامة لتوفير الظروف لعودة كافة الأهالي إلى قراهم وبلداتهم. وعلى هذا فما ذكر ليس سوى إشاعات لا أساس لها من الصحة هدفها إثارة النعرات والتحشيد ضد تركيا.”
مصدر الصور: الخليج أونلاين.