يتطلّع الاتحاد الأوروبي إلى فتح مكتب له في طهران، بالرغم من وجود العديد من سفارات دوله الفاعلة هناك والتي كانت من الدول المحورية التي ساهمت في توقيع الاتفاق النووي الإيراني، إضافة إلى مواقف الاتحاد، ككل، في الدعوة الدائمة الى ضرورة الحفاظ على هذا الاتفاق الذي اعتبر تاريخياً.

عن هذا الموضوع وابعاده المستقبلية، حاور مركز “سيتا” الأستاذ نجاح محمد علي، الكاتب والباحث في الشؤون الإيرانية المقيم في لندن، لمعرفة المواقف المختلفة من هذا الموضوع.

نجاح الاتفاق النووي كان السبب الرئيس

يرى الاستاذ محمد علي بأن “فتح مكتب للاتحاد الأوروبي في طهران، تمّ التفاهم حوله وليس الاتّفاق بين وزير الخارجية محمد جواد ظريف والسيدة فيدريكا موغريني ممثلة الاتحاد الأوروبي والمسؤولة عن السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي على هامش المفاوضات التي جرت وأفضت إلى الاتفاق النووي الإيراني في يوليو/تموز 2015.”

ويضيف الباحث محمد علي، قبل البدء بعملية التفاوض، ان “الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كانا يطالبون إيران بحل ثلاثة ملفات رئيسية مرة واحدة: الملف النووي، عملية التسوية في الشرق الأوسط، حقوق الإنسان، ضمن سلة تفاوض واحدة، أّضيفت عليهم ملفات اخرى مع بداية ما سمي بـ “الربيع العربي” مثل التسلح والتدخل الإيراني في المنطقة، وحزب الله، وغير ذلك من امور. ولكن بعد الجلوس الى طاولة المفاوضات، اقروا بأن الحل يكون عبر الاتفاق على كل ملف بملفه، وكانت النتيجة مذهلة بإقرار الاتفاق النووي. هنا، تشجعت دول الاتحاد الأوروبي، وتحديداً المسؤولة عن السياسة الخارجية فريدريكا موغريني، على طرح فكرة أن يكون هناك تمثيل مع إيران لتسريع اللقاءات والمفاوضات وتبادل الأفكار بشكل أفضل بين الطرفين وهذا عن الأسس وبدايات الحديث عن فتح مكتب للاتحاد الأوروبي، أي أنهم يريدون تطوير هذه العلاقة.”

ويشير الباحث محمد علي الى موضوع مهم، وحساس بالنسبة للقيادة الايرانية، اذ كشف بأن وفداً بريطانيا واوروبياً مشتركاً، برئاسة وزير الخارجية الاسبق جاك سترو، زار والتقى مع بعض الناشطات الإيرانيات حيث تم التداول بموضوع حقوق المرأة، وهذا نادر جداً ان تسمح إيران لدولة أجنبية التدخل في شؤونها الداخلية. ولكن على الرغم ذلك، أراد الإيرانيون أن يظهروا نواياهم الحسنة فسمحوا لهم بلقاء الناشطات.”

 

لا علاقة لواشنطن بفتح المكتب

في هذا الشأن، يقول الباحث محمد علي بأن “فتح مكتب للاتحاد الأوروبي في طهران ليس له صلة بالموقف الأمريكي الطارئ الجديد المتشدد من الاتفاق، وحتى لو كانت الولايات المتحدة تريد رفض الاتفاق النووي على سبيل المثال، وإلغائه نهائياً، فإن الأوروبيين يريدون فتحه لاعتقادهم أن استمرار الاتصالات بإيران أفضل من عدم وجود هذه الاتصالات، وأن تكون هذه الاتصالات مباشرة لأن وجود هكذا مكتب ينقل عن كثب للاتحاد الأوروبي، ودوله الـ 27، التطورات الموجودة في البلاد، وعلى ضوئها يوقفون أم يسرّعون بتطوير العلاقات.

قبل أيام، جاء وفد من الاتحاد الأوروبي والتقى مسؤولين إيرانيين، وعلى ضوئها أُعلن بشكل رسمي أن فتح المكتب سيساهم في ازدياد وتيرة التعاون الاقتصادي والتجاري يحتاجه الاتحاد.

الموقف الإيراني

وعن الموقف الايراني من فتح المكتب، يرى الاستاذ محمد علي أن هذا الموضوع “ذهب إلى وزارة الخارجية الإيرانية بشكل رسمي للمضي قدماً في إجراءات فتح مثل هذا المكتب، وهذا يعني أن هناك موافقة رسمية من قبل القيادة الإيرانية لأن وزارة الخارجية لا تتصرف بمفردها.”

وعما يُشاع بأن هذا المكتب يمكن أن يتحول إلى مكتب للتجسس يقول محمد علي “هذا الأمر لا يعتدّ به على الإطلاق بسبب وجود سفارات أوروبية لكل الدول في طهران عدا الولايات المتحدة، والإيرانيون يشجعون التواصل الأجنبي في بلادهم ولا يخشون من هذه النقطة على الإطلاق.”

ويضيف الباحث الايراني انه، وفي الآونة الاخيرة، “برزت مواقف متطابقة بين الفرنسيين والبريطانيين والألمان من الملف النووي بما يعني أن هناك تباعداً بين هذا الموقف الأوروبي والموقف الأمريكي. تريد إيران أن تعزز علاقاتها بالاتحاد الأوروبي كي يمارس الاتحاد دوراً ضاغطاً على واشنطن كي تعدّل موقفها من الاتفاق النووي. حتى إذا كانت أمريكا جادة في إلغاء الاتفاق النووي، فالإيرانيون لا يريدون أن يظهروا بمظر المقصر أو البادئ أمام الاتحاد الأوروبي، بل يريدون أن يكسبوا ود الاتحاد الأوروبي. وبالرغم من وجود تحفظات لهذه الدول الثلاث، بشأن ما يسمّى بالتسلح الصاروخي وهو ما يرضي واشنطن، إلا انه يعتقد بأن فتح المكتب سيكون خطوة إيجابية، لاسيما إذا لعبت إيران على محاور متعددة بألا تجعل كل الأوراق الضاغطة عليها فقط لجهة النووي مع أمريكا. ففي حال فرضت الولايات المتحدة المزيد من العقوبات، فستستفيد بإيران من كسب ود الاتحاد الأوروبي إلى جانبها كي لا يفرض هو الآخر، وهو ما عبرت عنه موغريني بأنه ليس هناك على جدول أعمال الاتحاد شيء وارد اسمه عقوبات.”

الموازنة الاقتصادية بين أوروبا والولايات المتحدة

هنا، يشير الباحث محمد علي إلى تصريح لافت لوزير النفط السيد بيجن زنغنه عندما تحدث الرئيس ترامب “بطريقة استهزائية مخاطباً، الفرنسيين، بالتحديد بعد توقيع اتفاق مع شركة توتال، قائلاً: تمتعوا بالأموال الإيرانية. هنا جاء رد وزير النفط الذي اعرب عن ترحيبه  بالشركات الأمريكية النفطية مشيراً الى ان من يفرض القيود على هذه الشركات هي الإدارة الأمريكية نفسها وليس ايران. في هذه النقطة بالذات، تريد إيران اقامة توازن في موضوع بناء علاقات اقتصادية ما بعد الاتفاق النووي تشمل أيضا أمريكا وهذا برز أيضا في قضية صفقتي الطائرات مع البويينغ، الأميركية، والإيرباص، الأوروبية، التي تملك الولايات المتحدة 40% من أسهمها.”

العلاقة المهمة مع أوروبا

يرى الباحث محمد علي بأن العلاقة الايرانية – الأوروبية “تصب في مصلحة إيران، وفتح المكتب سيزيد من تعميق هذه العلاقة. أنا كخبير أقول أيضاً على إيران أن تسمح للاتحاد أن بتوسيع نشاطه، ليس فقط بما يتعلق بتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والزراعي بشكل خاص بين الطرفين، بل لفهم القضايا السياسية بشكل وكيفية حلها حيث سيكون الاتحاد عاملاً ضاغطاً وداعماً لإيران ضد الولايات المتحدة فيما يتعلق بالملفات الأخرى كمسألة حقوق الإنسان. هنا، على الإيرانيين أن يوضحوا للأوروبيين مفهومهم حول حقوق الإنسان فيما يتعلق بالسجون وبعد الخروج من المعتقلات والعودة للحياة الطبيعية وغيرها ويجب أن يفهم الاتحاد الأوروبي هذه النقاط.”

مصدر الصور: ايرام نيوز – شبكة بيونغ يانغ