إعداد: يارا انبيعة

استفادة المملكة السعودية من الطاقة الشمسية تعود إلى ما قبل 38 عاماً مضت، حينما دشن الملك سلمان بن عبد العزيز، عندما كان أميراً لمنطقة الرياض العام 1980، محطة أبحاث مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالعيينة، والتي تعد أولى المحطات العلمية والإنتاجية للمملكة المعروفة بإسم “مشروع القرية الشمسية” لتوفير الكهرباء بقدرة 350 كيلوواط إلى كل من العيينة، والجبيلة، والهجرة المحاذية للرياض.

عدت القرية الشمسية أول محطة طاقة شمسية في المملكة نشأت بشراكة سعودية – أميركية لإنتاج 350 كيلوواط من خلال استخدام المجمعات الكهروضوئية المركزة، مما جعلها تصبح نواة لجهود وطنية بحثية متطورة في تقنيات الطاقة المتجددة، وبخاصة أبحاث الطاقة الشمسية.

وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية تمتلك 18% من احتياطيات النفط العالمية المثبتة، وتصنف كواحد من أكبر البلدان المصدرة للنفط في العالم، إلا أنها كانت ولا تزال تتطلع إلى الاستثمار في الطاقة المتجددة الأقل تكلفة وهي “الطاقة الشمسية” بالتحديد.

حجر البداية

وقع الأمير محمد بن سلمان مع صندوق “رؤية سوفت بنك” مذكرة تفاهم لتنفيذ “خطة الطاقة الشمسية 2030″، التي تعد الأكبر في العالم في مجال إنتاج الطاقة الشمسية. ورغم أن السعودية من أكثر البلدان المشمسة في العالم، فإن المملكة لا تولد إلا كمية ضئيلة جداً من كهرباء الطاقة الشمسية، لا تشكل سوى نسبة هامشية من إنتاج الكهرباء فيها، حيث تعتمد محطاتها الكهربائية في الأساس على حرق النفط، إلا أن هذا المشروع سيؤدي إلى استغلال تلك الطاقة استغلالًا كاملًا.

هذه الاتفاقية تضع الأساس لتطوير قطاع الطاقة الشمسية فيها، وسيتم بموجبها تأسيس شركة جديدة لتوليد الطاقة الشمسية، بدءاً من إطلاق العمل على محطتين شمسيتين بقدرة 3 ميجاوات و4.2 ميجاوات بحلول عام 2019، والعمل أيضاً على تصنيع وتطوير الألواح الشمسية في السعودية لتوليد الطاقة الشمسية بقدرة ما بين 150 ميجاوات و200 ميجاوات بحلول 2030. ومن المتوقع أن تساعد هذه الاتفاقية والمشاريع السعودية في توفير النفط، إضافة لخلق 100 ألف وظيفة، وزيادة الناتج المحلي للمملكة بـ12 مليار دولار سنوياً.

تقدر تكلفة هذا المشروع 200 مليار دولار، حيث سيستثمر فيه صندوق “رؤية سوفت بنك”، وهو صندوق مشترك بين مجموعة “سوفت بنك” اليابانية وصندوق الاستثمارات العامة السعودي، ويهدف الصندوق إلى تعزيز الاستثمارات في القطاع التقني على مستوى العالم، كما يأتي الطلب المتزايد على الطاقة ليعزز من جدوى المشروع الذي يأتي بالتزامن مع مشاريع أخرى جرى إطلاقها أخيراً.

أراضي شاسعة

تمتلك المملكة ميزة أخرى تساعد في جعلها المصدر الأكبر عالمياً للطاقة الشمسية، وهي توفر الأراضي الشاسعة والمواد المطلوبة، وهو ما يمهد الطريق أيضاً لانطلاقة عملاقة.

في هذا الخصوص، قال رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، تركي بن سعود بن محمد، إن احتياجات المملكة من الطاقة حالياً تعادل 75 غيغاواط، وإن المشروع سيمكن السعودية من تصدير الفائض منها عبر الشبكات الكهربائية المترابطة. كما أوضح بن محمد أن “المملكة حباها الله تعالى بمساحات شاسعة يمكن استثمارها لبناء محطات إنتاج طاقة شمسية ضخمة، واستخدام 7.5% من مساحة المملكة لمشروعات الطاقة الشمسية يكفي لسد احتياج العالم من الطاقة”. وأضاف أن “خطة الطاقة الشمسية 2030” لها العديد من الجوانب الإيجابية منها تخفيض تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية لاستخدامها في تحلية المياه المالحة لأغراض الزراعة.

إلى ذلك، يقول ماسايوشي سون، رئيس مجلس الإدارة لصندوق “رؤية سوفت بنك”، إن “سطوع شمس المملكة عظيم، ومساحتها المخصصة للمشروع عظيمة، وتملك مهندسين عظماء، وعمالة عظيمة، والأهم من كل ذلك امتلاكها الرؤية الأعظم.” وأوضح سون أن المرحلة الأولى من المشروع تبلغ قدرتها 7.2 غيغاواط وستكلف 5 مليار دولار، منها مليار دولار من “صندوق رؤية” التابع لـ “سوفت بنك”، والباقي من تسهيلات تمويل المشاريع.

وكانت مجموعة “سوفت بنك” قد أعلنت، في مايو/أيار2017، أنها جمعت أكثر من 93 مليار دولار لصندوق رؤية، أكبر صندوق استثمار مباشر في العالم، بداعمين من بينهم صندوق الثروة السيادي السعودي، و”أبل” و”فوكسكون”.

“الإسقاط الشمسي”

أكد حسام خنكار، خبير الطاقة المتجددة في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، أن السعودية تملك موارد كبيرة من “الإسقاط الشمسي” تفوق ما تملكه معظم دول العالم، وأوضح خنكار أن توافر العديد من المقومات الأخرى غير حجم الإسقاط الشمسي، هو الذي دفع السعودية إلى بناء أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم، مشيراً الى ان المقومات الأخرى تتمثل بالقدرات البشرية وتطور المنظومة الصناعية.

وأشار خنكار أيضاً إلى تطور تقنيات الاستفادة من الطاقة الشمسية على مستوى العالم، وهو ما دفع العديد من دول العالم للاستفادة من هذا التطور “لكن السعودية تظل هي الأكبر بموارد الإسقاط الشمسي وهو الأهم”، موضحاً أن المملكة لديها قدرات منافسة دولياً في تصنيع مختلف المواد المستخدمة في تقنيات الطاقة الشمسية، ومنها شدة نقاوة مادة السيليكا، وصناعات الألمنيوم والزجاج، وهي عصب صناعات الكهروضوئيات، التي تجعل منها مرشحة بقوة لأن تصبح نموذجاً مهماً لإنتاج الطاقة المتجددة.

النفط “الجديد”

وسط ترحيب كبير بهذا المشروع، أجمع المواطنون السعوديون على تسميته “النفط السعودي الجديد”، متفقين بهذه التسمية على أن الطاقة الشمسية ستكون مورداً طبيعياً لدخل الدولة يوازي دخل النفط في المستقبل، وتداولوا بمزايا المشروع وعوائده الاقتصادية الهائلة التي ستنعكس عليهم، وعلى وجه الخصوص توفيره 100 ألف وظيفة بحلول العام 2030، وتمكينه المملكة من السيطرة على إنتاج الطاقة الشمسية في العالم.

كما غرد سعود القحطاني، المستشار بالديوان الملكي السعودي والمشرف على مركز الدراسات والشؤون الإعلامية، حول هذه الخطة وفوائدها قائلاً إن المشروع أقل ما يقال عنه هو أنه “النفط السعودي الجديد”.

نظام “M&O

تناولت العديد من وسائل الإعلام الدولية والعربية فوائد مشروع الطاقة، إلا أن مجلة “كونستركشن وييك”، الإماراتية الناطقة بالإنجليزية، أبرزت بعض الجوانب الفنية الخاصة بالمشروع، وعلى رأسها نظام “M&O” والذي يعد المدير والمشغل الفعلي للطاقة المتجددة. وحال تطبيق النظام المشغل للطاقة الشمسية، سيكون هو الأول من نوعه في العالم، حيث أكد كلارس كلينفيلد، المسؤول التنفيذي لمشروع “نيوم”، أن “أول نظام إدارة وتشغيل في العالم يعتمد 100٪ على الطاقة المتجددة، تمت مناقشته خلال اجتماع عقد مؤخراً في الولايات المتحدة.”

وقال الرئيس التنفيذي للمشروع الكبير في البحر الأحمر، جون باغانو، إن الاجتماع سيمهد الطريق أمام فريق التطوير للحصول على رؤى من قادة وخبراء الاستدامة الدوليين، كما قال كلينفيلد إن الحضور استعرضوا خلال الاجتماع عدداً من نقاط النقاش حول الاستدامة وأساليب التصنيع المتقدمة.

مصدر الأخبار: وكالات

مصدر الصور: مرصد المستقبل – الشرق الأوسط.