إعداد: مركز سيتا
يواجه الإتحاد الأوروبي إشكاليات كبرى فيما يتعلق بقضايا الهجرة واللجوء السياسي وكيفية التعامل معها، حيث تدور الإشكالية الأولى حول نقطتين أساسيتين تتمثلان في تحول قضايا الهجرة من كونها قضايا اقتصادية في الماضي إلى قضايا أمنية وسياسية في المقام الأول في الآونة الأخيرة، وسيطرة دول الإتحاد على عملية اتخاذ القرار، إذ أن هناك حقيقة راسخة قوامها أن أوروبا هي “قارة المهاجرين”.
لكن في بعض السنوات الأخيرة، بدأت الدول الأوروبية تمر بتغيرات جذرية في تركيبتها الديموغرافية؛ وبالتالي، إنعكس الأمر على موضوع السياسة، لجهة صعود الشعبوية فيها، والإقتصاد، بسبب نفقات إيواء المهاجرين ومضاربته لسوق العمل المحلية.
أرقام وحقائق
أشارت المنظمة الدولية للهجرة أن عدد المهاجرين الدوليين، في العام 2019، يقدر بنحو 270 مليوناً حيث لا تزال وجهتها الأولى هي الولايات المتحدة، بما يقرب من 51 مليوناً. وفي تقريرها عن الهجرة الدولية لعام 2020، أوضحت المنظمة الدولية أن الرقم الإجمالي هو مجرد جزء صغير من سكان العالم (عند 3.5%)، مما يعني أن الغالبية العظمى من الناس على مستوى العالم (96.5%) يقيمون في البلاد التي ولدوا فيها.
يعيش أكثر من نصف المهاجرين الدوليين (141 مليوناً) في أوروبا وأمريكا الشمالية، أي ما يقدر بنحو 52% من الرقم العالمي من الذكور، وما يقرب من ثلثي جميع المهاجرين (حوالي 164 مليون شخص) يبحثون عن عمل.
وتحتل الهند المرتبة الأولى في أعداد المواطنين الذين يعيشون خارج البلاد، بنحو 17.5 مليون شخص، تليها المكسيك (11.8 مليون نسمة)، ومن ثم الصين (10.7 مليون نسمة). وعلى الرغم من أن معظم المهاجرين قد توجهوا إلى الولايات المتحدة، إلا أن التقرير أكد على ممرات مهمة أخرى للهجرة من الدول الأكثر فقراً إلى دول أكثر ثراء، مثل فرنسا والإتحاد الروسي والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
بالنسبة إلى الشرق الأوسط، أظهرت البيانات أن دول بعض الخليج فيها عدد كبير من المهاجرين العمال المؤقتين في العالم، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، حيث يشكلون حوالي 90% من مجموع السكان.
تأثر الهجرة بـ “كورونا”
تعد اليد العاملة المهاجرة محرك الإقتصاد المعولم، فأولئك الذين يسافرون من أجل العمل قد لا يكونون قادرين على القيام بذلك في المستقبل المنظور، وستكون لذلك آثار ملحوظة على الأسرة والإقتصاد، وربما على الأمن الغذائي، وقد لا يتمكن العمال المهاجرون في الخارج من العودة إلى ديارهم، في الوقت الحالي.
بالتالي، من المتوقع أن تقوم الشركات حول العالم بتسريع تطوير قدرات المكننة، وبالتالي إنهاء بعض الوظائف التي غالباً ما يشغلها المهاجرون بسرعة أكبر. بالإضافة إلى ذلك وفي معظم الصناعات، ستتركز عمليات تسريح الموظفين نتيجة انتشار فيروس “كورونا” على العمال المهاجرين، لأن كثيراً منهم هم من حاملي التأشيرات المؤقتة. فعلى سبيل المثال، يوجد في نيوزيلندا حوالي 190 ألف شخص يقيمون بتأشيرات مؤقتة، وهؤلاء سيواجهون خيارات صعبة عند الإستغناء عنهم؛ فإما العثور على وظيفة أخرى، أو الحصول على نوع مختلف من التأشيرات، أو محاولة العودة إلى بلدانهم الأصلية التي تواجه صعوبات اقتصادية أكبر.
تشديد القيود
شهد السياسيون المعادون للهجرة نجاحاً إنتخابياً حول العالم في السنوات الأخيرة. وقد أجبر فيروس “كورونا” دول العالم على تشديد قيود السفر والإختبارات الطبية المطلوبة والحجر الصحي للمهاجرين. وفي حين أن معظم تلك التدابير مصممة لتكون مؤقتة، فإنه ليس من الصعب تخيل رئيس الحكومة المجرية، فيكتور أوربان مثلًا أو غيره من المعادين للأجانب والمهاجرين، أن يستمر بتطبيق تلك الإجراءات لإبقاء حدود بلاده مغلقة فعلياً بشكل دائم أمام المهاجرين، بداعي الخوف من موجة ثانية أو ثالثة من انتشار الفيروس أو غيره.
ويقول الكاتب إيرول ييبوك، نائب مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية وكبير باحثي مشروع الرخاء والتنمية، أنه “على الرغم من أن عدداً من سبل الهجرة سيُعاد فتحها بعد اختفاء تهديد كورونا، فإن بعض القادة السياسيين، مثل أوربان، سوف يرون قيود الهجرة الحالية فرصة لتعزيز أجندات أوسع وأطول أمداً مبنية على كراهية الأجانب والمهاجرين. ومع ازدياد عدد الوفيات حتماً في الأيام والأسابيع المقبلة، سيحصل هؤلاء القادة على دعم عام متزايد لقيود الهجرة المشددة قصيرة المدى”. ويؤكد الكاتب في هذا الإطار أن “ما لا يدركه الجمهور هو أنه قد لا يكون من السهل إعادة فتح الباب أمام تدفق الهجرة بعد غلقه”.
موقف غير موحد
تعاني الدول الأوروبية تباينات في مواقفها من مسألة الهجرة حيث وصلت إلى حد نشوب خلافات، خصوصاً وأن هناك صراعاً قانونياً وسياسياً بين معسكرين (معسكر الدول الأوروبية جنوب المتوسط، الدول التي على خط المواجهة المباشر مع الهجرة غير الشرعية والأكثر استقبالاً للمهاجرين غير الشرعيين كإسبانيا، إيطاليا، اليونان، قبرص، ومالطا، في مقابل معسكر الدول الأوروبية في وسط وشمال أوروبا كفرنسا، بريطانيا، ألمانيا، وغيرها من الدول) حول تحمل أعباء وتكلفة استقبال المهاجرين غير الشرعيين.
ويطالب معسكر الدول الأوروبية جنوب المتوسط باقي دول الإتحاد بتحمل جزء أكبر من العبء، بينما يرى معسكر الدول الأوروبية في وسط أوروبا وشمالها أن ذلك يتعارض مع “اتفاق دبلن”، الذي ينص على أن التعامل مع طلبات اللجوء السياسي هو من مسؤولية أول دولة أوروبية تطأها قدم المهاجر غير الشرعي أو اللاجئ السياسي.
وعلى الرغم من إتجاه معظم الدول الأوروبية، ظل لوضع قيود أكبر على الهجرة وعلى حرية الحركة، فإن دولاً أخرى، كالسويد، تشجع الهجرة إليها.
إستثمار غير شرعي
هناك أدلة متزايدة على أن القيود المفروضة على الهجرة الآمنة والمنظمة والعادية تدفع الأشخاص الضعفاء، ما يصل إلى 100 مليون شخص على مستوى العالم، إلى مسارات غامضة غير منتظمة للهروب من الأذى عبر الهجرة غير الشرعية.
ومع ظهور وانتشار الجائحة العالمية، أضحى عدد وسائل الهجرة المنتظمة أقل مما كان عليه. ومن ثم، إن الآثار الإقتصادية وعدم المساواة وسياسات الإستجابة والآثار المتعلقة بالنزوح ستزيد جميعها اليأس لدى المهاجرين. وفي مثل هذا السيناريو، إن أولئك الذين يشعرون بأنهم مضطرون للحركة سوف يستخدمون المهربين والمتاجرين وغيرهم من الجماعات غير المشروعة بشكل متزايد، وستزداد الهجرة داخل وبين الدول النامية ذات النظم الصحية الضعيفة، كما سيسافر المهاجرون غير النظاميين في أماكن قريبة مع أشخاص آخرين، وسيعبرون الحدود الدولية دون توثيق أو فحوصات صحية، وهو ما سيعرضهم وزملاءهم المسافرين وأي شخص في طريقهم لخطر شديد.
أخيراً، إن مخاطر الهجرة كثيرة، ولكنها حاجة لبعض بلدان العالم المتقدم، فهي سلاح ذو حدين، ويجب سن القوانين المناسبة للحد منها، أو للسماح بها، طبقاً للتطورات العالمية، سواء من الناحية الاقتصادية أو الأمنية والسياسية.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: اليونيسف – إندبندنت عربية.
موضوع ذا صلة: الهجرة غير الشرعية: نزيف عبر المتوسط