إعداد: يارا انبيعة

 

في الوقت التي تتسم فيه العلاقات بين مصر وإسرائيل بحالة من الدفء، بحسب توصيف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبعد عدة اتفاقات بين البلدين على ملفات عديدة، من بينها مكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، وتعزيز الروابط الاقتصادية مثلما حدث في صفقات الغاز، وما أثير حول حل القضية الفلسطينية بموجب ما سُمي بصفقة القرن تحت مظلة أمريكية.

احتفلت السفارة الإسرائيلية في القاهرة بالذكرى السبعين لتأسيس الدولة العبرية 8 مايو/ أيار2018، وذلك بمشاركة المئات من الدبلوماسيين ورجال الأعمال في المراسيم الاحتفالية لما يسمى “استقلال إسرائيل” والتي أقيمت في فندق ريتز كارلتون بالعاصمة المصرية القاهرة، وذلك بالتزامن مع الذكرى الـ70 لنكبة الشعب الفلسطيني، وتأتي هذه الاحتفالات بعد انقطاع لأي احتفال إسرائيلي رسمي دام 8 سنوات، عقب اقتحام الحشود من المصريين لمبنى السفارة الإسرائيلية في ديسمبر/كانون أول 2011.

عشاء إسرائيلي

نشرت الصفحة الرسمية للسفارة الإسرائيلية بمصر، تدوينة قالت فيها إن “لفيفا من الدبلوماسيين ورجال الأعمال وممثلين للحكومة المصرية حضروا المراسم واستمتعوا بعشاء إسرائيلي خاص أعده الشيف شاؤول بن أديريت مع فريق طهاة الفندق.

وقال السفير الإسرائيلي في القاهرة دافيد غوبرين في الحفل: الشراكة المتينة بين مصر وإسرائيل تشكل قدوة ومثالا لحل صراعات إقليمية ودولية في العالم اجمع حتى يومنا هذا، ومع ذلك نحن اليوم في أوج معركة السلام.

وأضاف، هذه المعركة تستوجب التغيير الواسع في الوعي والإدراك وتحتّم خلق جو يسوده التسامح والتعارف على الآخر والصبر، معرجا بالقول: لا شك في أن الأمر يحتاج إلى عملية طويلة ومستمرة ولكنها ضرورية لجعل السلام ينتشر ليس فقط بين الحكومات بل يعم أيضا بين الشعوب.

وأشار السفير الإسرائيلي إلى التغيير في معاملة الدول العربية لإسرائيل التي لم ولا تعتبرها عدوا بل شريكا في صياغة واقع جديد وأفضل في المنطقة واقع يستند إلى الاستقرار والنمو الاقتصادي.

وبيّن أن الاعتقاد كان يسود في الماضي وأن التعاون في مجال معيّن يأتي بالضرورة لصالح طرف على حساب الطرف الثاني ولكن مع مرور الوقت تم إدراك أنها ليست بالضرورة لعبة خاسرة، مذكرا باتفاقية الغاز التي تم التوقيع عليها مؤخرا بين القاهرة وتل أبيب.

قائمة سوداء

يأتي هذا في وقت تعالت فيه الأصوات الداعية لصياغة “قائمة سوداء” بالشخصيات المصرية التي لبت الدعوة الإسرائيلية، فيما أكد محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحافيين إحالة أي صحافي سيشارك في تغطية تلك الفعالية إلى التحقيق النقابي لمخالفته قرار النقابة برفض التطبيع مع إسرائيل.

وسبق هذه الاحتفالات الإسرائيلية بقلب القاهرة، في بلدة أسدود في جنوب البلاد، مراسيم تأبينية في النصب التذكاري للجيش المصري للجنود المصريين الذين قتلوا في حرب 1948، وأقيم الحفل، حسبما أفادت الخارجية الإسرائيلية، بمشاركة السفير المصري في إسرائيل، حازم خيرت وطاقم السفارة وممثلين من الجيش الإسرائيلي ووزارة الخارجية الاسرائيلية ورئيس بلدية أسدود.

ماذا حدث في 2011؟

“المحاصرون في القاهرة”، اسم لفيلم وثائقي عرضته القناة “12” العبرية في نهاية أبريل/ نيسان 2017، يروي جوانب من اقتحام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة في 9 و10سبتمبر/ كانون أول 2011.

آنذاك، حاصر آلاف المتظاهرين مبنى السفارة بالجيزة، المُطل على النيل وجامعة القاهرة، احتجاجاً على مقتل 5 جنود مصريين على الحدود بنيران إسرائيلية في أغسطس/ آب 2011، وسط مطالبة الحكومة بتحرك فوري نتيجة هذا الحادث.

وهدم المحتجون سوراً إسمنتياً كان قد وُضع احترازًا أمام السفارة، وصعدت مجموعة منهم إلى الطوابق التي تشغلها السفارة وأنزلت العلم الإسرائيلي، ثم دلفت لداخلها، وألقت المستندات من النوافذ.

بعد قرابة 7 سنوات من هذه الواقعة، كشف الفيلم الإسرائيلي تفاصيلها، وقد تحدث فيه نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق إيهود باراك، ورئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) يورام كوهين، والسفير الإسرائيلي السابق في مصر إسحاق ليفانون، ووزير الدفاع الأمريكي الأسبق ليون بانيتا.

وفي الفيلم، قال رئيس الشاباك إنه لم تكن هناك اتصالات بين مصر وإسرائيل، سوى بين الموساد ورئيس المخابرات المصرية. وقال ليفانون: تلقيت مكالمة يصرخ بها مسؤول الأمن بالسفارة “لقد اقتحموا السفارة، اِفعل كل ما بوسعك”.

حينذاك ظهر خيار التدخل بالقوة، إذ طلبت تل أبيب من واشنطن إرسال قوات أمريكية لتهريب موظفي السفارة المحاصرين، لكن الأخيرة رفضت.

وفي تصريحات سابقة، قال نتنياهو إنه كان على وشك إرسال الجيش الإسرائيلي للتدخل، وهو ما يتطابق مع ما أثير حول تهديدات تل أبيب للمجلس العسكري الحاكم وقتذاك، بالتحرك.

وحسب ما ورد في الوثائقي، أرسلت السلطات المصرية وحدة من القوات الخاصة ترتدي ملابس مدنية، وطلبت القوات المصرية من إسرائيل الاتفاق على طريقة معينة للطرق على الباب، كي يعلم موظفو السفارة متى يفتحون الباب.

وأعطت الوحدة موظفي السفارة الإسرائيلية ملابس ذات مظهر مصري، ثم صعدوا لأعلى السفارة لبحث إمكانية الهرب”. وطلب موظف الأمن تأجيل خروجهم لأنه “لا يمكن التحرك مطلقاً، إذ لن تستطيع أي قوة مصرية أو غيرها حمايتناً، إن خرجنا فإننا بالتأكيد سيتم قتلنا”، لكن القرار كان قد اتُخذ في إسرائيل.

لاحقاً، نزلوا إلى أسفل المبنى ودخلوا في سيارات عسكرية مصرية، بعد توزيعهم إلى مجموعتين في كل واحدة 3 أشخاص. وطلب من السائق إكمال السير مهما كلف ذلك من ثمن، ومضى إلى أن وصل لشوارع جانبية في القاهرة، ثم نُقل الموظفون بسيارات “لاند روفر”، وتولت قوات خاصة أخرى نقلهم إلى مطار القاهرة، ومنه إلى إسرائيل.

احتجاجات

افتراضيًا، أعرب مصريون وفلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن استيائهم من دعوة السفارة للاحتفال بالعيد السبعين لتأسيس دولة إسرائيل بالقاهرة.

وسياسيًا، قال رئيس مجلس النواب المصري علي عبد العال إن النواب لن يلبوا دعوة السفارة الإسرائيلية للمشاركة في احتفال تنظمه بمناسبة نقل السفارة الأمريكية للقدس في إطار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مضيفًا: أنا مطمئن تمامًا لموقف النواب.

وأضاف، خلال الجلسة العامة للبرلمان، المواطنون أيضًا مدركون للبعد الوطني ولا يتخذون خطوة إلا ويفكروا فيها مئة مرة، وحذر النواب من تلبية أية دعوة من دون نيل إذن المجلس.

وجاء ذلك ردًا على قول النائب مصطفى بكري، في ظل ما يعانيه الشعب الفلسطيني من قتل وسلب للأرض، فكيف يحدث الاحتفال في قاهرة المعز، هذا التطبيع مرفوض، وأضاف في تغريدة له على موقع تويتر، “كل مصري سيذهب إلى حفل السفارة الإسرائيلية الذي سيقام اليوم في القاهرة في ذكرى احتلال إسرائيل لفلسطين عليه أن يعرف أنه بذلك يوجه طعنة لأهلنا الذين يواجهون العدو الصهيوني بصدورهم العارية، وكأنه ينسى أو يتجاهل دماء الشهداء والأسرى المصريين الذين استشهدوا علي يد القتلة الصهاينة.

نظام قمعي ودولة بوليسية

أثار الاحتفال الذي أقامته السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، ردود فعل واسعة، حيث أكد مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير معصوم مرزوق، أنه كانت هناك ردود فعل احتجاجية رافضة لاحتفالية إسرائيل، إلا أنها ليست على المستوى المأمول أو المطلوب تجاه الحدث الذي يحدث لأول مرة في مصر، لافتا إلى أن هناك بيانات قليلة صدرت، بالإضافة إلى وجود فعاليات محدودة، مؤكدا أن حزب الناس الديمقراطي الذي يعكف على تأسيسه أصدر، بيان رفض واستنكار.

وأرجع مرزوق، عدم وجود ردود فعل مناسبة للحدث إلى وجود نظام قمع ودولة بوليسية تحكم مصر حاليا، ما يجعل الأصوات الحرة مكتومة ومحبوسة في صدور الكثيرين، مؤكدا أن مصر تحت الحصار الشديد في الوقت الراهن.

ورأى أن هذه الاحتفالية بمثابة إهانة ووقاحة غير مسبوقة لنا جميعا، ولابد للشعب أن يرد هذه الإهانة، مشيرا إلى أنها تخالف الأعراف الدبلوماسية التي تحتم على البعثات الدبلوماسية احترام مشاعر وتقاليد وأعراف الدولة التي تتواجد بها، وهو ما لم يحدث”.

وقال: ما حدث عار سيلحق بكل من ساهم فيه، وبكل من شهد الأمر ولم يعترض وبكل من صمت على هذه الإهانة لشهداء الأمة العربية الذين ماتوا بالآلاف من أجل القضية الفلسطينية، وكأن الاحتلال الإسرائيلي يخرج لسان الطويل للعالم العربي الذي أصبح متفرغا لخلافات وصراعاته الداخلية.

وذكر أن الشعوب تحملت كل الأنظمة البائدة على أساس أنها تصرخ من حين لآخر أن القدس عربية، لكن حينما يصل الأمر لهذه الفجاجة والوقاحة وفي قلب أكبر عاصمة عربية فعلى كل الأنظمة العربية أن تدرك أن هذه هي بداية النهاية لوجودها فوق عروشها.

من جهته، أكد مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير عبد الله الأشعل، أن صمت النخب المصرية لا يمكن تبريره بالإجراءات الأمنية، لأن النظام لا يمكن أن يصادر حرية الأفراد في التعبير عن رأيهم في هذا الحادث، داعيا كل من يشعر بالرغبة في التعبير عن موقفه من النخب أو المواطنين إلى أن يبادر بالإعلان عن موقفه.

واستطرد قائلا أعتقد أنه لم تعد هناك نخب حية وفاعلة في مصر الآن، وإنما هناك مثقفون فرادى، ومصر غنية بهؤلاء، وإن كانت أصواتهم متفرقة إلا أنها تعبر عن الحقيقة وتجد صداها لدى السلطة والمواطنين.

ردود ضميرية غير حركية

بدوره، أوضح الكاتب الصحفي جمال الجمل، أن هناك بيانات وردود فعل تجاه هذه الاحتفالية، لكنها ردود ضميرية أكثر منها حركية، ونظرية أكثر منها عملية، مضيفا، لابد من توعية الشارع ورفع درجة المقاومة لكسر إحساس البلادة الذي أصاب الجميع.

وتابع، الواقع العربي مرتبك جدا، ويعاني من تأثير صدمة عنيفة بعد الربيع العربي، وتأثيرات مخطط الفوضى الخلاقة لتفتيت المنطقة، وفي رأيي أن هذا أول تطبيق أمريكي صهيوني ناجح لنظرية الصدمة والترويع، التي سعوا لتجريبها في حرب العراق، لكن اليوم يتم تطبيقها في إصدار محسن، حقق الكثير من النتائج التي أصابت الشارع العربي بالإحباط والتشوش، وأخضعت الأنظمة العربية بشكل سافر.

غياب النخب المصرية

انتقد الباحث بالمعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، خالد فؤاد، غياب موقف النخب المصرية من احتفالية إسرائيل، مؤكدا أن القوى الحية الموجودة في المجتمع الآن تتعرض لضغوط أمنية وانتهاكات شديدة، وأصبحت إما في السجون أو خارج الوطن.

واستنكر تحديدا موقف الناصريين والقوميين، الذين قال إن مواقفهم وأدبياتهم كانت لا تخلو من هجوم حاد رفضا لأي تقارب مع إسرائيل، بينما الآن لا نسمع لهم صوتا سوى تأييد كامل للنظام، مضيفا، لا توجد نخب حية في مصر الآن للأسف.
وأكد أن النخبة التي تقبل بانقلاب عسكري على الديمقراطية لم يعد بالإمكان اعتبارها نخبة حقيقية تمثل هموم وآمال الشعب، ومن الطبيعي أن تصمت تجاه قضايا الأمة المصيرية والمفصلية.

ولفت فؤاد، إلى أن ساسة مصر المؤيدين لسلطة الانقلاب لا يمكنهم التغريد خارج سرب النظام سواء كان ذلك عن قناعة وتأييد كامل أو نتيجة لخوف ودرء لمضايقات أو تنكيل، وبالتالي فلا ينبغي التعويل عليهم في مواقف وطنية بعينها.

كما شن رئيس حزب البديل الحضاري، “تحت التأسيس” أحمد عبد الجواد، هجوما حادا على موقف النخب المصرية من احتفالية إسرائيل، متسائلا: أين هذه النخب؟ وأين مواقفها وبياناتها؟ وأين صراخها وعويلها؟ هل تم تدجينها إلى هذه الدرجة الفجة التي تخطت كل المحرمات وانتهكت كل المقدسات.

وعن موقف الناصريين والقوميين، قال إن هؤلاء لا يمتون للناصرية أو القومية بأي صلة، لأنه ليس لهم أي صراع إلا مع جماعة الإخوان والتيار الإسلامي أما قضايا الوطن فلا تعنيهم في أي شيء، وهنيئا للنظام بأمثال هؤلاء، فهم الذين استعانوا به ولجأوا إليه للقضاء على ثورة يناير.

ورفض بشدة تبرير البعض صمت النخب نظرا إلى القبضة الأمنية للنظام الحاكم، قائلا: هناك قضايا وطنية لا يمكن أن يصمت أحد تجاهها، وإن لم نعلن مواقفنا تجاه قضايا الأمة المصيرية والمفصلية فمتى نعلن ذلك؟

وتساءل عبد الجواد: هل الرسالة المقصودة بهذا الصمت المريب والعجيب أن الإخوان هم فقط المعبرون عن ضمير المصريين؟ وهل هم وحدهم الوطنيون الذين يقفون ضد إسرائيل؟ وهل لو كانوا موجودين بمصر لما تجرأ الكيان الإسرائيلي على الاحتفال بذكرى اغتصابه فلسطين في قلب القاهرة؟

مصدر الأخبار: وكالات

مصدر الصور: سبوتنيك.