اختتمت قمة مجموعة الدول السبع الكبار – G7 أعمالها، في كورنوار البريطانية، وأصدرت بياناً ختامياً يضم انتقادات بحق الصين، ودعت إلى مواصلة التحقيق في منشأ فيروس “كورونا”، وتشكيل جبهة موحدة ضد روسيا، مدينين مناوراتها عند الحدود الأوكرانية.
اللافت كان توجيه القمة – وبحسب مراقبين – في غالبيتها ضد أكبر قوتين عالميتين اللتين أسموهما “المعتدين العالميين” أكثر منها لحل الأزمات العالمية الكبرى.
قمة ساخنة
في الجلسة الإفتتاحية، قالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس، التي تتولى بلادها رئاسة مجموعة السبع، إنه “يجب أن نتحد بقوة لمواجهة المعتدين الذين يحاولون تقييد مجال الحرية والديمقراطية”، مضيفة “لهذا السبب يجب أن نتحدث بالتأكيد بصوت واحد”، داعية إلى التفكير في تقليص التبعية الاستراتيجية، وتعزيز البنية الأمنية للقوى الكبرى التي تقول إنها تنتمي إلى المعسكر الديمقراطي في مواجهة ما أسمتها “الأنظمة الاستبدادية”.
من جهتها، لم تُسمِّ الوزيرة البريطانية الخصوم، لكن تلك التصريحات تندرج في إطار الرغبة والمصلحة الأمريكية خصوصاً لجهة إشراك مجموعة السبع الكبار في الاستراتيجية الغربية لمواجهة الطموحات الصينية على الساحة العالمية – على المدى البعيد – مع وجود خصم آخر مستهدف – على المدى القريب – أي موسكو التي تتهمها واشنطن والأوروبيون وكييف بالقيام باستعدادات لغزو أوكرانيا،على الرغم من النفي المتكررة للكرملين.
استكمالاً لما سبق، شكلت هذه القضية الساخنة محور المحادثات الثنائية الأولى على هامش الاجتماع، وأكدت تراس الحاجة إلى جبهة موحدة ضد روسيا، بالتوافق مع الوزيرة الألمانية الجديدة أنالينا بيربوك.
تهديدات واضحة
في كلمة لها في المعهد الملكي للشؤون الدولية – تشاتام هاوس قبل يومين من اجتماع ليفربول، قالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس، إن بلادها ستبعث بـ “رسالة واضحة” مفادها أن “أي توغل روسي في أوكرانيا سيكون خطأ”.
على المقلب الآخر، حثت تراس إيران على التوقيع على الاتفاق النووي، قائلة إنه “آخر فرصة” للقيام بذلك، وذلك قبل يوم واحد فقط من استئناف المحادثات في فيينا، وأنها فرصتها الأخيرة للتسجيل، وذلك لمنع طهران من الحصول على أسلحة نووية.
وحول مشاركة دول “آسيان”، تم الحديث عن وجود نية لتأسيس شراكات بمجال الأمن الإلكتروني مع الحلفاء في أنحاء العالم، من مجموعة “آسيان” وكندا وغيرها، إلى جانب مواصلة العمل مع الشركاء للاستجابة للوضع الأمني والإنساني في أفغانستان.
ضغوط على الصين
على الصعيد الاقتصادي، سيتعين على قادة مجموعة السبع فتح حوار وتعاون مع دول منظمة الآسيان للضغط على الصين، حيث إن منطقة آسيا ستكون في العامين 2030 – 2040 محور 90% من تجارة العالم، وفتح أي حوار بين مجموعة السبع ودول منظمة الآسيان من شانه أن يقوي موقف تلك الدول في مواجهة الصين.
كما اعتبر المشاركون أن جزءاً من استراتيجية الضغط الغربي على الصين يتم ببناء جذور تعاون مع دول “آسيان”؛ لكن في الوقت نفسه، قد تخشى الدول الآسيوية تخشى استفزاز الصين أو وقف استثمارات بكين الضخمة فيها – في وقت لم يشفَ منه العالم من تداعيات فيروس “كورونا” بعد – ما لم يتم تأمين ضمانات كافية ووافية ومضمونة لها على الصعد كافة، لا سيما الأمنية والاقتصادية
قبل القمة، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية، سعيد صادق، إن الاجتماع يأتي في توقيت “بالغ الأهمية” وسط أزمة متصاعدة بين أميركا وروسيا على حدود أوكرانيا، مضيفاً “سيتناول الاجتماع بشكل عام ملفات الأمن، ودعوة إيران للعودة للاتفاق النووي والمرونة خلال المحادثات الجارية بفيينا وخفض التوترات، وأيضاً متحور كورنا الجديد – أوميكرون، وتخفيف التوتر مع روسيا والصين، فضلاً عن المستجدات والتطورات الإقليمية والدولية”، كما أشار صادق إلى أن “وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن سيسعى إلى الحصول على دعم لجهود الولايات المتحدة لتهدئة التوترات بين روسيا وأوكرانيا، وصد التنمر الصيني المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادي.”
هذا التحليل تنافى مع الواقع حيث وصلت الإمدادات العسكرية إلى أوكرانيا، بحسب وزارة الدفاع الأمريكية، الأمر الذي ينذر بتصعيد قد يرتقي إلى اشتعال حرب إن لم أخذ خطوة إلى الوراء، خاصة مع طلب روسيا الأخير من حلف شمال الأطلسي – الناتو من عدم ضم جورجيا وأوكرانيا إلى الحلف بموجب اتفاقية العام 2008.
أيضاً، يبدو بأن الصين وروسيا باتتا تأخذان حيزاً كبيراً من الاجتماعات واللقاءات الغربية، خصوصاً على الصعيد السلبي، أي التصعيدي بدل أن يكون احتوائي، في موقف يراه الكثير من الخبراء والمراقبين بأنه تكتيك مصلحي وتهديد استراتيجي.
أبرز النقاط
تمحور البيان الختامي حول العديد من النقاط، أبرزها:
1. شملت بنود البيان تحذيراً لروسيا، حيث توعدت الدول السبع الصناعية موسكو بعواقب وخيمة إذا هاجمت أوكرانيا، وهي خطوة يٌخشى منها، بسبب الحشد الضخم للقوات الروسية بالقرب من حدود البلاد، وأن “أي عدوان روسي على أوكرانيا سيكون باهظ الثمن وله عواقب وخيمة”.
تتشابه ههذه البنود الختامية مع تصريحات أدلت بها الوزيرة تراس – خلال مؤتمر صحفي على هامش الاجتماع – حيث قالت إن “روسيا ستدفع ثمناً باهظاً جداً إذا هاجمت أوكرانيا”، مؤكدة أن مجموعة الدول السبع “تبدي موقفاً موحدا لمواجهة السلوك الروسي”.
2. تطرق البيان إلى التنافس الاقتصادي مع الصين على مستوى العالم، مشيراً إلى أن هذه الدول ستواصل التشاور بشأن مناهج جماعية بهدف التصدي لـ “السياسات والأساليب غير السوقية التي تقوض العمل العادل والشفاف للاقتصاد العالمي”.
3. شدد البيان على أن الدول والاقتصادات الكبرى تتحمل المسؤولية عن دعم النظام العالمية المبني على القواعد والقانون الدولي، مضيفاً “في سياق مسؤولياتنا المناسبة ضمن النظام العالمي متعدد الأطراف، سنتعاون مع الصين بخصوص تحديات عالمية لدينا مصالح مشتركة فيها، بما في ذلك مواجهة تغيرات المناخ وفقدان التنوع البيولوجي.. ومشاورات متعددة الأطراف أخرى”.
4. شدد البيان على أهمية ضمان السلام والاستقرار في مضيق تايوان وشجعت على التسوية السلمية لجميع المائل العابرة لهذا المضيق.
5. أعرب البيان أيضاً عن قلق الدول السبع البالغ والمستمر إزاء الوضع في بحري الصين الشرقي والجنوبي، مبدية معارضتها الحاسمة لأية خطوات آحادية الجانب رامية إلى تغيير الوضع القائم وزيادة التوترات هناك.
6. دعا البيان إلى إجراء المرحلة الثانية من الدراسة التي تجريها منظمة الصحة الدولية بهدف معرفة منشأ فيروس “كورونا” وذلك “في الوقت المناسب وبشكل شفاف، واستناداً إلى القاعدة العلمية”، مشيراً إلى ضرورة أن يشمل هذا التحقيق الصين.
أخيراً، على ما يبدو كانت القمة عبارة عن جبهة موحدة ضد كل من روسيا والصين، بشكل أساسي، وما المرور على النقاط الأخرى إلا لـ “حفظ ماء الوجه”؛ فالتصعيد الحاصل بدأ يتنامى، ولم يعد كما السابق مقتصراً على التصريحات السياسية، بل هناك تحشيدات عسكرية من جميع الأطراف سواء من الصين لجهة جزيرة تايوان ومضيقها، أو روسيا على الحدود مع أوكرانيا، في رسالة واضحة مفادها أن عدم وجود مخارج حقيقية للتعاون – أو على الأقل وقف التصعيد – فقد تتدحرج الأزمات مثل كرة النار التي قد تحرق الجميع.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: روسيا اليوم – العرب.
موضوع ذا صلة: قمة “السبع الكبار” – 2021.. تعاون فاعل ومواجهة مشتركة