محمد كريم جبار الخاقاني*

بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في 12/5/2018 تبدو الساحة الداخلية العراقية مفتوحة أمام كل الاحتمالات التي تؤدي في نهايتها إلى تشكيل حكومة مقبلة قادرة على قيادة البلد في السنوات الأربع القادمة في ظل منافسة خارجية بين أقوى طرفين مؤثرين فيها ونقصد بهما، الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، اللذان مازالا يمارسان تأثيرا في الداخل العراقي وبما ينسجم مع أهدافهما.

ومع تصاعد حدة التنافس بين الدولتين على تثبيت نفوذهما في هذا البلد لاسيما في ظل تطورات الملف النووي الإيراني الذي انسحبت منه الولايات المتحدة لعدم اقتناعها بجدوى استمراريته، وبالتالي لا يمكن تقويض الجهود الإيرانية الهادفة إلى حيازة السلاح النووي، وإن كان للأغراض السلمية كما تدعيه إيران، ومع بدايات الانسحاب الأمريكي وما ترتب عليه من تداعيات من فرض عقوبات اقتصادية قد تطال الشركات التي تتعامل مع إيران ومنها الشركات الأوروبية التي تبدو أنها من أكبر المتضررين من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لارتباطاتها باستثمارات هائلة في إيران، لكن ذلك لا يمنع من القول بإن الرد الإيراني سيكون من الساحة العراقية وبالتحديد في الكتل الشيعية التي تنظر إلى إيران بأنها صاحبة فضل على العراق لاسيما بعد وقوف إيران الى جانب العراق عندما احتلت عصابات داعش الإرهابي أكثر من ثلثي مساحته وعملت على تزويد العراق بالأسلحة اللازمة لمقاتلة تلك الزمرة الإرهابية.

 وبالتالي يمكن القول بإن الواجب يقتضي رد ذلك الدين الإيراني بتشكيل حكومة عراقية على الأقل تكون مع الرغبات الإيرانية وخصوصا مع انسحاب الجانب الأمريكي من الاتفاق النووي، ومن أجل ذلك تسعى إيران إلى تكوين محورها المساند لها ولاسيما في الفصائل المنضوية تحت قيادة الحشد الشعبي، وبالخصوص قوات بدر وفصائل المقاومة الإسلامية عصائب أهل الحق وغيرها من الفصائل الجهادية.

وبما أن تحالف الفتح بزعامة هادي العامري من الكتل الرئيسة الفائزة في الانتخابات الأخيرة، لذلك تسعى طهران وبكل ما أوتيت من قوة ودعم إلى تشكيل محور داعم ومؤيد لها داخل الحكومة العراقية المقبلة لاسيما بعد إعلان النتائج النهائية التي أفضت إلى فوز كتلة سائرون بزعامة رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر الذي يريد الخروج من العباءة الإيرانية، وتأييده لكل محاولات تشكيل حكومة عراقية تضم أطياف الشعب العراقي، وأن لا تقتصر على فئة دون غيرها وعلى مكون دون آخر، ويبدو تحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء العبادي هو الأقرب للطروحات الصدرية في هذا الجانب، مع إمكانية طرحه مرشحا لولاية ثانية إذا ما التزم بالتوجهات الصدرية ومنها ابتعاده عن إيران والتزامه بحكومة أبوية كما وصفها الصدر في مشاوراته مؤخرا مع زعماء الكتل الفائزة، وبالنتيجة سيكون محور الصدر مع العبادي، مع ترشيح قوى أخرى تنضوي تحت نفس الغاية ومنها تيار الحكمة وائتلاف العراقية وكذلك الحزب الديموقراطي الكردستاني، ليكون هذا المحور قادرا على تشكيل حكومة وطنية عابرة للطائفية وبعيدة عن المحور الإيراني وقريبة نوعا ما من التوجهات الأمريكية بهذا الصدد.

ولذلك يمكن القول بإن مثل تلك الحكومة المقبلة ستكون مشتركة بعدد من الخصائص ومنها، عدم انضوائها تحت العباءة الإيرانية، ويجمعها كذلك الرغبة في تقديم الخدمات وكذلك القضاء على الفساد وبالتالي الوصول بصيغة مقبولة لدى الشعب العراقي وعدم العودة إلى مربع الأزمات السياسية التي طبعت المشهد العراقي منذ عام 2003 وذلك من خلال العمل على اقتصارها على محور واحد يعتمد نفس التوجهات التي ستعيد العراق ومن دون شك إلى نقطة البداية، هذا إذا ما افترضنا بقبول تشكيل الحكومة العراقية المقبلة من تحالف يضم كل من كتلة سائرون وتحالف النصر وتيار الحكمة وائتلاف الوطنية والحزب الديموقراطي الكردستاني، بينما ستكون كتلة دولة القانون و تحالف الفتح والقوى الأخرى ضمن صفوف المعارضة.

أما فيما يخص الاحتمال الثاني من احتمالات تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، فإنه يضم تحالف كل من دولة القانون وتحالف الفتح والنصر وبعض القوى والأحزاب الأخرى لما يجمع تلك الكتل من بعض المشتركات ومنها عدم قبولها بنوع من الوصاية الأمريكية وتدخلاتها المستمرة في الشأن العراقي، فضلا عن عدم قبولها بدخول الطرف الإقليمي الآخر وهو المملكة العربية السعودية على خط تشكيل الحكومة المقبلة بدعمها لبعض القوى ورغبتها في فرض وجهة نظرها إزاء ما يحدث في العراق وبموازاة إيران في العراق، ولذلك يكون الطرف السعودي الثالث من حيث موازين القوى الفاعلة والمؤثرة في الداخل العراقي، وهذا ما لا تريده تلك الكتلة بتحالفها والمعروف عنها ابتعادها عن الاصطفاف بمحاور إقليمية يكون العراق ساحة للاقتتال غبر المباشر بين أطياف الشعب العراقي عبر حرب الوكالة بين تلك الأطراف.

 هذه الرؤية التي يؤمن بها كل من دولة القانون وتحالف الفتح والرفض لكل المخططات القادمة من خارج الحدود، ربما تؤدي إلى جعل الكتلة الفائزة في الانتخابات الأخيرة وهي كتلة سائرون تأخذ جانب المعارضة مع غيرها من الكتل والأحزاب الأخرى مع من عرف عنها بشعبية متزايدة داخل الشعب العراقي.

كل تلك الاحتمالات ربما تؤدي إلى تأخر إعلان تشكيل الحكومة المقبلة إذا ما ظلت الأمور والتفاهمات بين القوى على حالها.

 فمن المرجح أن يكون تحالف النصر بقيادة العبادي وتيار الحكمة هما بيضة القبان لأي حكومة مقبلة، وذلك بسبب عدم قدرة أي كتلة من الكتل أن تتمكن من تشكيل الحكومة إلا عبر تحالفها مع أكثر من كتلة فائزة وبالتالي يمكن أن تكون تلك القوى عامل إيجابي لتشكيلها لوجود مقبولية لديها عند جميع القوى الأخرى ولاسيما تيار الحكمة الذي استطاع ولأول مرة أن يجمع عشرين مقعد نيابي بعد تشكيله العام الماضي بوجوه جديدة وسيكون له شأن في الحكومة المقبلة وذلك بسبب ما يتمتع به من علاقات جيدة مع الجميع وبالتالي سيكون بيضة القبان لإعلان الحكومة المقبلة.

باحث سياسي*

 

مصدر الصور: سكاي نيوز عربية.