إعداد: يارا انبيعة
على ما يبدو، لا يزال الغرب مصرّاً على محاولته توسيع خططه الاستفزازية ضد روسيا، إذ يعمل عبر “الناتو” على تطويقها بإدخال كل من جورجيا وأوكرانيا إليه. حتى الآن، لا توجد إشارات حقيقية على إمكانية قبول الانضمام، أو حتى الإعلان عن القبول، ولا حديث أصلاً عن تطوير علاقات كل من هاتين الدولتين بالاتحاد الأوروبي الذي يعاني من مشاكل.
إلى ذلك، يعتبر الغرب، والولايات المتحدة خصوصاً، أن انضمام جورجيا وأوكرانيا للناتو له أسباب سياسية وعسكرية، لكن لانضمامهما سبب سياسي مهم جداً. ففي العام 2020، ستجري الانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة، حيث سيسعى دونالد ترامب، دون شك، إلى تمديد فترته الرئاسية حتى العام 2024. ولذلك، سيكون انضمام جورجيا إلى الحلف الأطلسي الشمالي، في العام 2021، ورقة رابحة رئيسية في السياسة الخارجية يستعملها في حملته الانتخابية، شخصياً وحزبياً، حيث سيتوجه للناخبين بالقول “أعطوني فرصة لإنهاء المهمة، وأنا، كما وعدت سأدفع روسيا إلى زاوية هبوطية، بمد خط الناتو من خلال أوكرانيا والبحر الأسود والقوقاز إلى بحر قزوين نفسه”، وسيعتبر هذا أيضاً نصراً لإدارته.
إنضمام جورجيا
دخلت جورجيا الى طريق التقارب التدريجي مع الحضارة الغربية والاندماج في هياكل الحلف الأطلسي الشمالي قبل حوالي 15 عاماً فور وصول ميخائيل ساكاشفيلي إلى السلطة، وإن الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الواقعة في هذا البلد، على مدى العقد ونصف العقد الماضي، وطنت جورجيا تماماً لهذه الخطوة وبشكل كامل، في حين أنه في السنوات السابقة كان وجود الجيش الأمريكي وحتى الناتو في جورجيا قوي بما فيه الكفاية.
أما الآن، تحولت البلاد أخيراً إلى صحراء اقتصادية، مريحة للغاية لنشر قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها وإعادة توجيه بنيتها التحتية لتوفيرها. وبكلمة أخرى، لقد تم استنفاد جورجيا من جميع النواحي من حيث أنه لا توجد قوى متبقية في بنيتها الاجتماعية ومواردها الاقتصادية للتصدي لهذه العملية بطريقة أم بأخرى. والنتيجة واضحة جداً “ليس هناك أي عائق داخلي أو خارجي على طريق اندماج جورجيا في حلف الأطلسي الشمالي، وليس من المهم على الإطلاق بالفعل ما إذا كان هذا الوضع مريحاً لأي من البلدان المجاورة. إذ ليست لديها الفرص لممارسة التأثير السياسي أو الاقتصادي أو العسكري على تبليسي الرسمية. وعليها التكيف المضطر مع الوجه الجديد تماماً لمنطقة جنوب القوقاز.”
ليس هناك أدنى شك في أن جورجيا يمكن أن تنضم بسهولة إلى حلف الناتو هذا العام (2018)، على الرغم مما تواجهه هذه المنظمة من صعوبات كبيرة في تمويل أنشطتها من الدول الأعضاء فيها، فمن الواضح أن المسألة لا تعود إلى التمويل بإعتباره قراراً سياسياً يمكن تأجيل تاريخ تنفيذه والذى لا حاجة إلى تكاليف كبيرة من الموارد المالية، والأهم هو وجود الرغبة. ومع ذلك، أعلن رئيس الوزراء الجورجي علانياً العام 2021 كموعد أولي لانضمام بلاده إلى الحلف الأطلسي الشمالي، ولهذا البيان عدة مبررات من ناحية التفهم او من ناحية العفوية، ولكل منها في حد ذاته سبب وجيه لاندماج جورجيا في الحلف هذا العام.
تعزيز الإنضمام
من جهته، أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن الولايات المتحدة تعمل على ضم جورجيا إلى حلف شمال الأطلسي، وفي كلمة أمام لجنة الشؤون الدولية التابعة لمجلس النواب الأمريكي، قال بومبيو فيما يتعلق بجورجيا “نحن نعمل على انضمامها إلى الناتو.” كما أعرب بومبيو عن دعم واشنطن لسيادة جورجيا وسلامة أراضيها ضمن حدودها المعترف بها دوليا، مؤكدا توجه الولايات المتحدة إلى تعزيزعلاقات الشراكة الاستراتيجية معها .
من جهته، أعلن وزير الخارجية الجورجي، ميخائيل جانيليدزي من واشنطن، أن بلاده حققت تقدماً ملحوظا في طريقها إلى عضوية الحلف، معرباً عن أمله أن هذه الحقيقة سيتم تسجيلها بشكل رسمي أثناء قمة الناتو في بروكسل، 11-12 يوليو/حزيران 2018، وأضاف جانيليدزي أن الناتو يعد عامل ضمان محوري لسلامة أراضي بلاده.
رابع الدول
بدوره، أعلن رئيس الوزراء الجورجي، إيراكلي غاريباشفيلي، أن بلاده أصبحت رابع دول العالم غير الأعضاء في الناتو، بالرغم من انضمامها الى قوات الرد السريع للحلف الأطلسي، مع ذلك تعتزم البلاد المشاركة في بعثات حفظ السلام الدولية. وقال غاريباشفيلي “سنكون رابع بلد غير عضو في الناتو، داخل قوام قوات الرد السريع للحلف، ما يدل على المستوى العالي لتنسيق أفعال القوات المسلحة الجورجية مع حلف شمال الأطلسي، حيث في الوقت الحاضر أدرج 130 عسكرياً جورجياً في احتياطي قوات الرد السريع.”
وأوضح غاريباشفيلي، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات حفظ السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى تحت قيادة الاتحاد الأوروبي العام 2014، أن بلاده كانت المساهم الأكبر بعد فرنسا من حيث حجم المشاركة في هذه البعثة التي كانت تهدف إلى دعم الجهود الإقليمية والدولية لاستقرار الوضع وضمان استمرار عملية التحول السياسي في هذا البلد، وفي العام الحالي (2018) تشارك جورجيا في بعثات حفظ السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى، ومالي، وأوكرانيا.
من هنا، أكد غاريباشفيلي أن بلاده “تدعم الاستقرار والسلام في العالم، ونحن نعلن تأييدنا الكامل لجدول الأعمال اليوم، وسنواصل في المستقبل تقليدنا المتبع خلال الأعوام الماضية وهو المساهمة في قوات حفظ السلام الدولية، نحن فخورون بمواصلة تنفيذ التزاماتنا، وسيقف الجنود الجورجيون دوما جنبا إلى جنب مع حلفائهم حيثما يطلب وجودنا.”
أوكرانيا “خسرت” روسيا
أكد مركز الدراسات الإستراتيجية الروسي، في تقرير له، أن أوكرانيا لن تكون عضواً في حلف الناتو قريباً، كما أنها خسرت روسيا كشريك لوقت طويل. وقال المركز أن كييف ستبني علاقات مع المؤسسات الغربية من دون عضويتها في الحلف، وتابع “خلال الأزمة الأوكرانية، استردت روسيا القرم، وحلت قضية تمركز أسطول البحر الأسود، وعلقت لوقت طويل آفاق عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي، وبهذا برزت مشاكل حقيقية أخرى، وأصبحت روسيا بالنسبة لأوكرانيا خصماً استراتيجياً، وترسخ العداء على مستوى الفكر السياسي والوعي الاجتماعي، فأوكرانيا مفقودة كشريك بالنسبة لروسيا لفترة طويلة.”
وأشار التقرير أيضاً إلى أن أوكرانيا ستستمر في بناء العلاقات العسكرية والسياسية مع المؤسسات الغربية دون العضوية في الناتو، وأنه من الضروري بذل جهود متناسقة لإزالة الصراع في إقليم الدونباس، حيث تتطلب هذه المشكلة حواراً مع كييف، فضلاً عن الاتفاق مع الغرب، ولا يمكن التوصل إلى اتفاق سريع، وهناك طريق طويل أمام الخبراء. ولفت التقرير إلى أن هناك أزمات عالقة حتى الآن، بعد الحقبة السوفياتية يجب حلها كتلك الواقعة بين أرمينيا وأذربيجان حول منطقة قره باخ (أرستاخ).
كما أكد التقرير على وجوب مواصلة تطبيع العلاقات مع جورجيا، واستعادة العلاقات الدبلوماسية، ونظام السفر بدون تأشيرات الدخول مع تبيليسي، والمساعدة على مصالحة جورجيا مع كل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.
مراجعة إنضمام كييف
وجهت هنغاريا مذكرة رسمية إلى الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، تدعوه إلى مراجعة برامج الدعم المقدمة إلى أوكرانيا. ووفقاً للمعلومات، فإن الحكومة الجديدة في بودابست، صادقت في جلستها الأولى، على المذكرة المروسة بمذكرة “مبادرة لتكوين سياسة جديدة لحلف الناتو تجاه أوكرانيا.” وقد بعثت بودابست الوثيقة إلى قيادة الحلف وجميع الدول الأعضاء فيه، جاء فيها أن الدولة الأوكرانية ضعفت إلى الحد الذي أصبحت فيه حالياً، عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها الأساسية، بما في ذلك ضمان سيادة القانون والتنفيذ الفعال للحكم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
وأكدت الحكومة الهنغارية في مذكرتها، عجز كييف عن تحقيق النجاح على الرغم من مستوى الدعم السياسي والمادي غير المسبوق، مضيفة أيضاً أن أوكرانيا أصبحت تشكل خطراً على جيرانها. وتشير المذكرة إلى أنه بناء على هذه الاستنتاجات، فإن بودابست تقترح مراجعة الدعم الذي يقدمه الناتو لأوكرانيا، من أجل الحفاظ على الاستقرار في المنطقة على الحدود الشرقية للحلف، الذي يتحتم عليه تكييف سياسته تجاه أوكرانيا بالنظر إلى هذه الظروف الجديدة.
وفي الوقت نفسه ، فإن المذكرة تحتوي على معيار بشروط معينة، وهي أن بودابست مستعدة للتخلي عن جميع اتهاماتها بحق كييف، في حال امتنعت أوكرانيا عن تطبيق المادة المتعلقة بقواعد استعمال اللغة، في قانون التعليم للأقليات القومية التابعة للدول الأعضاء في الحلف، بما في فيها الأقلية الهنغارية في منطقة زاكارباتيا الأوكرانية.
بولندا مصرة
تضاربت مواقف دول جوار أوكرانيا حول أهليتها للانضمام لحلف الناتو، فبينما اعتبرت هنغاريا أن الدولة الأوكرانية أصبحت تشكل خطراً على جيرانها، حسب وصفها، حثت بولندا الحلف على ضمها. إذ أعلن رئيس بولندا، اندريه دودا أمام الجلسة العامة لدورة الربيع للجمعية البرلمانية للناتو، أن التعاون مع أوكرانيا وجورجيا يجب أن يكون موضوع قمة الحلف القادمة، وقال دودا، المعروف بمواقفه المناهضة لروسيا، إنه يتمنى “أن تكون قمة حلف شمال الأطلسي، في يوليو/تموز المقبل، مناسبة لمناقشة جدية حول تعزيز التعاون مع أوكرانيا وجورجيا”، مضيفاً “روسيا تمثل التهديد الرئيسي للحلف.. يجب أن نتذكر أهمية وحدتنا عبر الأطلسي عندما يتم اختبار نظامنا الأمني من قبل اللاعبين الذين يشكلون تهديداً للسلام والأمن، وأخطر هؤلاء هي روسيا.” فوفقاً لما اعلنه الرئيس البولندي، فإن روسيا تضع أسس النظام الدولي برمته موضع شك.
إلى ذلك، أشار رئيس مجلس النواب البولندي (سيما)، ماريك كوتشينسكي، إلى أبعد من ذلك بقوله إن باب الحلف يجب أن يكون “مفتوحاً” لجميع الدول التي تشترك في القيم والمسؤوليات الناشئة عن العضوية في حلف الناتو، وأضاف “إننا نؤيد منح عضوية الناتو لكل من جورجيا وأوكرانيا”، معرباً عن رأي مفاده أن وجودهما خارج الناتو يهدد الاستقرار.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور: شبكة عاجل الإخبارية