كاميل غيل*

بعد انسحاب رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، في بداية شهر مايو/أيار من هذا العام (2018)، من الاتفاقية النووية مع إيران، حبس العالم أنفاسه للحظة لكونه لم يستطع التكهن بما ستكون عليه التداعيات والتغييرات الفعلية لمثل هكذا خطوة على الساحة السياسية الدولية. الاتفاق المذكور، المعروف رسمياً بإسم “خطة العمل المشتركة الشاملة” والذي تم الإعلان عنه في 14 يوليو/تموز العام 2015 في فيينا – سويسرا، وقِّع بين إيران ومجموعة من القوى العالمية الست، بما في ذلك خمسة أعضاء دائمين في مجلس الأمن (الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وروسيا وبريطانيا والصين) وألمانيا. رسمياً، كانت الأهداف المطلوبة منه هي السير الى تخفيف العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران في حين يضمن المجتمع الدولي تطبيق القيود المفروضة على الصناعة النووية الإيرانية وإنشاء نظام مراقبة فعال على برنامجها النووي.

هذا الاتفاق، وهو في جوهره يعتبر واحداً من أعظم الاتفاقيات على مستوى الانجازات الدبلوماسية في العصر الحديث، أصبح في لحظة واحدة، من خلال قرار احآدي الجانب، لا قيمة له وكأنه قد مُزِّق الى أشلاء. من قِبل منْ؟ من قبل الرجل الذي يجسد أسوأ الصفات والعيوب المحتملة في أمريكا: الترابط والثقة في شخصية متعالية.

كان العرض الذي قدمه ترامب وشركاؤه عرضاً كلاسيكياً لـ “الرياء”، كوننا قد تعودنا، ولسوء الحظ في السنوات الأخيرة، على الهيمنة الأمريكية. لقد كان عرضاً للنفاق والمعايير المزدوجة، في مشهد تدفع قوة عالمية واحدة فيه، من بدون النظر إلى العواقب وآراء البلدان الأخرى، إلى حرب وحشية. حرب بدون مبادئ. حرب فظيعة تم التخطيط لها مسبقاً، ليس بإسم الحفاظ على الحدود أو دفاعاً عن المواطن، بل بإسم المصالح المالية الدولية و”أباطرة” الأسلحة المحليين الذين يستفيدون من الموت والدمار. لماذا يجب علينا أن نعاني مرة أخرى بسبب هذه الأمور الدنيئة؟ الآ يمكننا أن نأخذ الأمور إلى مجال أفضل مختلف؟

مرة أخرى، كأشخاص عاديين ومراقبين يقظين، نحن قادرون على رؤية ما تقوم به القوة الأحادية في الزمن الذي نعيش فيه. يجب أن نكون على وعي بأننا سنستيقظ قريباً في وسط مستنقع إعلامي على نوع من الدعاية التي تشن في جميع أنحاء العالم وهدفها واحد: إقناعنا بقبول ودعم مصالح “الأخ الأكبر”. هل نحن مستعدون لمثل هذا الموقف؟ كيف يجب علينا التعامل مع هذا الواقع؟ هل سنعارضها أم سنكون، مرة أخرى، منقادين بشكل أعمى للمعايير الغربية، غير الموجودة، والتي لا يلتزم الغرب بها نفسه؟ إن إيران، سواء أردنا ذلك أم لا، ستصبح قريباً “نقطة اشتعال” على خريطة العالم الحديث. شرق أوكرانيا، سوريا ، إيران، العراق، بحر الصين الجنوبي؛ كل مكان تقف فيه الإمبراطوريات المعادية لبعضها البعض على جانبي المتاريس، دون الاهتمام بمصير الناس العاديين، سيزيد من الصدع ويزعزع الاستقرار في العلاقات الدولية ويجعلها عرضة للتحولات والتعديلات الديناميكية. إن بناء العلاقات والروابط في مثل هذا الوضع سيصبح، مع الوقت، سيئاً ولا يمكن التنبؤ بمستقبله.

ما هي الاستنتاجات التي يمكننا استخلاصها منها؟ أولاً: مرة أخرى، يقودنا التنافس بين القوى العالمية ونفوذها المدمر على محيطنا إلى استنتاج واضح فيما يتعلق بضرورة رفع أو تطوير طريقة تفكير جديدة بالكامل وطليعية حول السياسة الدولية. ما نتحدث عنه هو الحاجة إلى إيجاد وتطبيق نوع من “الطريق الثالث”: بديل متماسك وواقعي، واضح وعقائدي، والذي سيسمح لكل من الدول الأوروبية ودول الشرق الأوسط وآسيا بوضع مفاهيم لسياساتها ورؤيتها التنموية بعيداً عن تأثيرات ومصالح القوى والامبراطوريات العالمية. من هنا، ينبغي على هذه الكتلة من الدول مواجهة “حقد” و”حماقة” الولايات المتحدة بشكل موحَّد خصوصاً إذا ما كانت تريد العيش في سلام وتطور. إن الوحدة في مواجهة الإمبريالية، بغض النظر عن انتمائها السياسية، هي مفتاح كل شيء. إنها الأساس لعالم أفضل لنا جميعاً.

ثانياً: في مثل هذه الموقف المماثلة، غالباً ما يدعي البعض بأن الأحداث التي نكتبها هنا لا ينبغي أن تكون ذات أهمية لنا لأن الأشخاص العاديين أمثالنا ليس لهم أي تأثير. ومع ذلك، إن ما يحدث من حولنا يلقي علينا التزامات هائلة. دعوة إلى المسؤولية والحكمة. دعوة لنكون في حالة تأهب ليس فقط لما يحدث في بلادنا ولكن خارجها أيضاً. دعوة لإدراك الإجراءات المعقدة. يجب أن نعلِّم أنفسنا على الرد لتعديل أساليبنا في مواجهة التحديات والمشكلات المستجدة التي لم يكن علينا مواجهتها، على عكس الآن. إن قرار ترامب، وإن لم يغير من قواعد ممارسة اللعبة، لكنه بالتأكيد سيفعل مستقبلاً. هل نحن مستعدون؟

إن عدم الاستقرار العالمي لا يمكن وصفه، بشكل لا لبس فيه، بأنه ظاهرة إيجابية أو سلبية. ان التحليل المتأني والمتعمق لتاريخ العالم يقودنا إلى الاستنتاج أنه أمر لا مفر منه. الأمر متروك لنا، كأناس احرار ليس فقط من دول اوروبا ولكن من جميع أنحاء العالم، لأن هذا التغيير في الاتجاه يعتمد علينا. “ما هو العالم الذي علينا ان نستفيق عليه”؟

في الختام، ليس غير الشخص الأحمق من يشارك في لعبة بقواعد جديدة ما دام ملتزماً بقواعد اللعبة القديمة. لا يجوز لنا القيام بذلك. دعونا نكون مختلفين. يجب أن نكون!

*كاتب بولندي

مصدر الصورة: سي.ان.بي.سي