يقصد بالأزمة الأوكرانية الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا في اطار الصراع العالمي بين روسيا، من ناحية، والغرب، من ناحية أخرى.
بالطبع، فإن المواجهة الشاملة بين الطرفين الروسي – الغربي أثرت بدرجات متفاوته على العرب والآفارقة ودول الشرق الأوسط غير العربية. ويجب أن نفرق هنا ما بين مواقف هذه الدول من الأزمة، وبين آثار الأزمة عليها مع تعديل التحالفات والعلاقات بين هذه الدول وطرفي الصراع.
يمكن دراسة هذه الآثار من منظورين؛ المنظور الأول، هو علاقة هذه الدول بكل من طرفي الأزمة، ومدى تأثرها بها. والمنظور الثاني، هو الآثار الاجبارية التي تحدثها الأزمة في هذه المناطق الثلاثة؛ فكلما تعمقت المصالح الغربية والروسية في هذه المناطق، كلما كان أثر هذه الأزمة كبيراً.
أولاً: المنطقة العربية
تحكم علاقات العرب بكل من روسيا والولايات المتحدة عدة محددات، وأهمها الموقف من إسرائيل على أساس أن واشنطن تعتبر إسرائيل “الحليف الأوفى” لها في المنطقة، وهي التي توصي بفتح البيت الأبيض للحكام العرب؛ وما دامت واشنطن قد مكّنت إسرائيل من إختراق العالم العربي، فإن هذه الأزمة قد لا تؤثر على الموقف العربي من إسرائيل رغم إنها سوف تؤثر بالقطع على الموقف العربي من الولايات المتحدة والغرب عموماً.
في هذا المجال، لدينا مثال واضح يتمثل في العلاقات السعودية – الأمريكية، فقد أدركت الرياض أن واشنطن تتظاهر بحمايتها من إيران، كما كانت تتظاهر بحمايتها من الشيوعية. فأقدمت السعودية على الحوار مع إيران لكي تحرق هذه الورقة، وهذا التطور هو لصالح إيران، وقد أدركت الرياض أن واشنطن كانت تلعب في اليمن نفس اللعبة التي سبق أن لعبتها مع الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، حيث ورطته وورطت العرب جميعاً معه بقمع الثورة الإسلامية في إيران، وأمدته بالأسلحة الكيماوية لضرب الكرد، ثم أجهزت عليه واحتلت بلاده وحاكمه قاض كردي بأدلة أمريكية وإنتهت المحاكمة بإعدامه، حيث سبق ذلك أن قامت القوات الأمريكية بإعتقاله قبل عدة أشهر ولم يشفع له عند واشنطن أنه دخل في حرب مع إيران لصالحها – ولو بشكل غير مباشر.
الأمر نفسه في اليمن، حيث وجهت الولايات المتحدة المنظمات الدولية إلى إتهام السعودية بإرتكاب جرائم حرب في اليمن، وذلك استمراراً لسياسة الابتزاز الأمريكي للرياض، حيث قررت الأخيرة حرق هذه الورقة وذلك بأن دعت الحوثيين إلى مفاوضات مباشرة مع كافة أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي فيها حتى تتفادى المفاوضات المباشرة معهم، وهي التي تعتبرهم “ميليشيات إرهابية”. في المقابل، يبدو بأن الحوثيين يضغطون لكي تعترف السعودية بهم وتتفاوض مباشرة معهم، وهذا هو تفسيري للهجوم الذي شنهوه مؤخراً على بعض المناطق العسكرية السعودية في المنطقة الجنوبية القريبة من اليمن.
ضمن السياق نفسه، تفكر السعودية في توثيق علاقاتها بكل من الصين وروسيا، حيث زار ولى العهد، محمد بن سلمان، موسكو منذ أيام – على الرغم من تصويت السعودية لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اعتبرته واشنطن إدانة للغزو الروسي لأوكرانيا – كما ننتظر أن تدرس الرياض استبدال الدولار بالعملة الصينية في مبيعات البترول، وتلك ستكون ضربة قاسية للولايات المتحدة حيث تتحدث الصحف الغربية عن أن واشنطن فقدت السعودية التي اتجهت لتوثيق علاقاتها مع الصين، العدو اللدود والمنافس الشرس لها.
إقرأ أيضاً: مكاسب روسيا من التدخل العسكري في ليبيا
أيضاً، يرتبط بالموقف السعودي دعوة الرئيس السوري، بشار الأسد، لزيارة الامارات والترحيب الحار به، وكلمة محمد بن راشد، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم إمارة دبي، بأن سوريا هي “ركيزة أساسية” في العالم العربي؛ وبالطبع، فإن الامارات كانت الأسبق إلى إعادة فتح سفارتها في دمشق، وهي تشكل “رأس الرمح” الذي يريد إعادة دمشق – مرة أخرى – إلى الجامعة العربية. وعلى كل حال، فإن مجمل المواقف العربية من روسيا والولايات المتحدة سوف يتضح في قمة الجزائر بعد أيام.
ولكن هذا التباعد العربي عن واشنطن لا يعنى بعداً عن إسرائيل، ولكنه قد يؤدي إلى هذه النتيجة في المستقبل، حيث ظهر للعرب تراجع النفوذ الأمريكي وفشل القوة الغربية بوقف المخطط الروسي في أوكرانيا، وهذه هي المرة الأولى التي تتأثر فيها العلاقات العربية – الأمريكية لصالح استقلال القرار العربي وليس لصالح روسيا والصين، وهذه نتيجة نرحب بها ونأمل في تطويرها.
ثانياً: إفريقيا
تاريخياً، كانت إفريقيا في قبضة النفوذ الغربي، البريطاني -الفرنسى ثم الأمريكي؛ وبعد ذلك، دخلت روسيا – بديلاً عن الاتحاد السوفيتي وإيران وتركيا والصين – وهي الأكثر قبولاً في إفريقيا بسبب تركيزها على التنمية والاستفادة المتبادلة والبُعد عن المسائل السياسية والمشروطية، خلافاً للمنهج الغربي الذي يركز على حقوق الإنسان والديمقراطية.
يترتب على ذلك أن الأزمة الاوكرانية أضعفت الغرب، وأظهرت قلة حيلته أمام روسيا؛ ولذلك، فإن إفريقيا مطالبة بأن لا تنتظر نتائج الأزمة، وإنما تحاول أن تتحد على هدف واحد وهو ضمان موقع متقدم في النظام الدولي الذي يتشكل، لأن النظام الدولي القائم إتسم بعدم الاتساق بين النظرية والتطبيق، والدليل على ذلك أن إثيوبيا تفرض على الاتحاد الإفريقي منهجهاً في اختراع قانون دولي جديد للأنهار الدولية لكي تنفذ مخططاتها ضد مصر، تحت شعار التنمية لـ “سد النهضة”.
يأتي ذلك في وقت تراجع فيه الاتحاد الإفريقي كثيراً، حيث أننا نتوقع انهياره بالكامل خلال أعوام قليلة بسبب تهاونه أمام ظاهرة الانقلابات العسكرية، وأمام الحزم في تطبيق القانون الدولي، وهذا الوضع لا يرشح إفريقيا لما يجب أن تهدف إليه.
ثالثاً: الشرق الأوسط
يقصد بالشرق الأوسط – في هذا السياق – الدول غير العربية في المنطقة، وأهما إسرائيل وإيران وتركيا. فما أثر الأزمة الأوكرانية على المشروعات الإقليمية الثلاثة المتنافسة – وأحياناً المتصارعة؟ من الواضح أن تقدم روسيا نحو هدفها في مواجهة الغرب يعتبر انتصاراً لغيران وجزئياً لتركيا وهزيمة كاملة لإسرائيل، لأن الأخيرة مرتبطة بالغرب ارتباطاً عضوياً. والدليل على ذلك، أنها فسرت تصويتها إلى جانب قرار الجمعية العامة ضد روسيا بأنه دليل على أنها تتبع الغرب ولا تفرط فى الحليف الأمريكي.
إقرأ ايضاً: الصين بعد روسيا.. “الشرق الأوسط مهم لنا”
أما تركيا، فعلى الرغم من أنها عضو في تحالف شمال الأطلسي الغربي – الناتو، إلا أنها تدير علاقاتها مع واشنطن وموسكو بهدف واحد وهو المحافظة على مصالحها الحيوية، وهذا واضح في مواقفها من المعسكرين؛ بينما يمكن أن نحسب إيران جزءاً من التحالف الروسي – الصيني وإسرائيل جزء من التحالف الغربي، إلا أنه يصعب اعتبار تركيا ضمن أحد هذين المعسكرين.
الخلاصة هنا أن العرب والشرق الأوسط وإفريقيا يستفيدون بأقدار متفاوته من الأزمة، مع ملاحظة أن إسرائيل تتسم بالمرونة الكبيرة التي تسمح لها بالتقلب في تحالفاتها جرياً وراء مصالحها الذاتية؛ ولكن بصفة عامة، إن تغير النظام الدولي لصالح روسيا والصين لن يكون في صالح إسرائيل.
رابعاً: أثر الأزمة على القضية الفلسطينية
يمكن حساب أثر الأزمة الأوكرانية على القضية الفلسطينية من زاويتين؛ الزاوية الأولى، أثرها على إسرائيل. والزاوية الثانية، موقف المعسكرين من القضية الفلسطينية. عموماً، يمكن القول أن أثر الأزمة على القضية الفلسطينية سيكون أثراً ايجابياص، ولكن لا يتوقع أن تعادي روسيا إسرائيل، أو أن يتماهى الموقف الروسي مع المشروع الإيراني المعادي لها، ولا مع المشروع التركي الذي يميل إلى الحذر منها.
مصدر الصور: النهار – وكالة الصحافة الفرنسية.
د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ محاضر في القانون الدولي – مصر.