د. فريد ميليش*
الولايات المتحدة الأمريكية حسمت أمرها مع استراتيجية الرئيس دونالد ترامب، التي ترى أن منطقتنا يمكن أن تكون تحت الرعاية الروسية بشرط ضمان أمن الكيان الصهيوني، ويليها باقي الحلفاء كالأردن والخليج كما مصر، اذ سعت لترجمة ذلك عبر وقف العمل بالاتفاق النووي مع إيران للحد من امتدادها الإقليمي نحو كل من العراق وسوريا ولبنان، وإرباكها دولياً عبر ضغوط اقتصادية خاصة في مجال النفط وتصديره.
هذه النقطة التي تأخذنا للمصالح الاقتصادية الأمريكية في المنطقة التي كانت تعتمد على النفط، وهو ما تبدل مع اكتشافات النفط لديها التي ستمكنها من التحكم بأسعاره أولاً، وباستنزاف دول الخليج والسعودية خصوصاً بعقود بالمليارات، وهو ما تحدث عنه ترامب بشكل متكرر صراحة دون أن يخفيه.
يسعى ترامب للضغط على أوروبا تجارياً عبر بعض القيود للاستيراد لبعض المواد ما يعني أن أوروبا تحت حرب تجارية تقوم بها الولايات المتحدة من جهة، وبطبيعة الحال تكتل “البريكس” كتحدي تقليدي لاقتصادياته وهذا أولاً، ومطالبته لهم بتسديد المبالغ المستحقة عليهم إلى حلف الناتو وبأن الولايات المتحدة تدفع مبالغ كبيرة لحمايتهم ثانياً، وثالثاً كانت مهاجمة ألمانية واضحة على أنها تحابي روسيا بسبب اتفاقيات الغاز الروسي، ورابعاً الدور الأمريكي مع الشريك البريطاني الذي يغادر الاتحاد الاوروبي، والذي تحدث عنه ترامب في آخر زيارة إليها عن شراكة اقتصادية رفيعة المستوى.
إذاً فإن “القارة العجوز” ما بين فكيي كماشة سياسات ترامب وعنجهيته التي لا اعتقد أنها فوضوية بل منظمة ومدروسة جيداً، وروسيا ودول “البريكس” التي تعقد قمتها لتحدد مساراتها في ضوء المستجدات الاقتصادية والسياسية. فقرارات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لم تعد تعطي أي ثقة بالولايات المتحدة، مع بعض الاختلاطات في مؤسساته، مع التلويح بإمكانية حجب الثقة عنه بين الفينة والأخر. إضافة إلى بعض المؤشرات التي تتصل بالعلاقات البينية الروسية – الأمريكية، حيث لا نرى استراتيجية جديدة بشأن سوريا، التي من الممكن أن تتضح معالمها حين تتم انسحابات حقيقية للتواجد العسكري الأمريكي، بحكم ضمانات، أو بحكم بعض القضايا والمسائل التي تراها تخدم استراتيجيتها.
لكنه وعلى المدى البعيد، من الممكن أن نلمح أنّ الولايات المتحدة قد تتعد عن ملف الشرق الأوسط، وهذا واضح جدا، حتى في التصريحات، فإذا كانت جادة الولايات المتحدة اليوم بإحداث تغييرات جذية على الأرض، فلا بد أنها حصلت على مكاسب لم تظهرها، خاصة بعد قمة “هلسنكي” الأخيرة بينها وبين روسيا، حيث أنّ الملف الوحيد الذي تم إظهاره وتبيانه على مستوى المؤسسات الأمريكية، من حيث السياسية الخارجية الأمريكية، فهو ملف الرئاسة وانتخابات الرئاسة، والتدخل الروسي فيها.
لم تحقق اليوم الولايات المتحدة الأمريكية أية مكاسب من خلال هذه القضايا، لكن من المؤكد اننا لن نرى استراتيجية جديدة بشك ملموس على الأرض في سوريا، الا من خلال ملف إدلب الذي سيكون ملفاً حاسماً، يتلوه الشرق السوري، والذي قد يبدأ بإنسحابات للقوات الأمريكية على مراحل، كي لا ينهي تواجدها العسكري في سوريا بشكل سريع.
*باحث سوري في العلاقات الدولية
مصدر الصورة: العرب القطرية.