علوان أمين الدين*
عبر “دبلوماسية التويتر”، فرض الرئيس الامريكي، دونالد ترامب، رسوماً جديدة على تركيا حيث كتب “لقد سمحت للتو بمضاعفة رسوم الصلب والألومنيوم على تركيا، في حين تنزلق عملتهم، الليرة التركية، متراجعة بسرعة مقابل دولارنا القوى جداً. ستصبح رسوم الألومنيوم على تركيا 20% ورسوم الصلب 50%”، مشيراً إلى أن “علاقتنا مع تركيا ليست جيدة في الوقت الحالي.”
يأتي ذلك عقب تصاعد حدة الخلافات بين الطرفين، حيث اعتبر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن بلاده تخوض حرباً تجارية، وأنها ستقوم بالمواجهة طالباً من مواطنيه الإقبال على تحويل مدخراتهم إلى الليرة التركية كنوع من “الكفاح الوطني”(1) خصوصاً بعد التدهور الكبير في سعر صرفها أمام الدولار.
من هنا، توجد العديد من النقاط التي تبعد بين الطرفين، حالياً، وتبعث “البرودة” في العلاقات الثنائية، وأبرزها:
بناء روابط إقتصادية
يبدو أن واشنطن “منزعجة” من التوجهات الاقتصادية التركية، خصوصاً لجهة التكتلات الاقتصادية الكبرى التي بدأت بالتكوُّن إذ لجهة “البريكس” أم “الاتحاد الاقتصادي الأوراسي”.
– “البريكس”: دعا الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، زعماء دول “بريكس” إلى أن يسمحوا بانضمام أنقرة إلى هذه المجموعة، إذ قال أردوغان، في مدينة جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا حيث عقدت القمة، “لقد قلت: إذا أخذتمونا ستسمى المجموعة بريكست بدلا من بريكس.”(2)
– “الأوراسية”: أكد خبراء روس مختصون في مجال الاقتصاد، أن عضوية تركيا في “الاتحاد الاقتصادي الأوراسي”، و”البريكس”، ستحقق مكاسب سياسية واقتصادية لأنقرة ودول المنظمتين معاً، حيث أشار العديد من المختصين بأن دخولها الى هذا الفضاء سيعود بالنفع الكبير على الجميع.(3)
الإتجاه شرقاً؟!
لا شك ان العلاقات التركية – الصينية تثير الكثير من المخاوف لدى الولايات المتحدة سيما وأن أنقرة تعتبر أحد أهم المسارات الرئيسية لـ “طريق الحرير” البري (الحزام) إلى أوروبا (عبر نفق بحر مرمرة)، إضافة إلى أنها ومن المفترض أن تراعي مصالح واشنطن، كونها حليفتها الأساسية لا سيما في حلف “الناتو”، على حساب خصومها، وهذا ما لم يحدث. فتركيا ترى في نفسها لاعباً إقليمياً يجب “احترامه” وليس القفز عنه.
إلى ذلك، “تستفز” العلاقات المشتركة مع روسيا واشنطن أيضاً خصوصاً لجهة الضغط على تركيا للتخلي عن إبرام صفقة صواريخ “إس – 400” مع موسكو، ونشوب الخلاف بين الطرفين على مسألة تسليم طائرات “إف – 35” وتهديد أنقرة شركة “لوكهيد مارتين” باللجوء إلى التحكيم(4)، والتهديد باستبدال هذه الصفقة بأخرى روسية عبر شراء “سو – 57”.(5)
هذه الخلافات، يُضاف إليها التعاون الروسي – التركي “المثمر” في سوريا من خلال مؤتمرات “أستانا” الذي حقق عملياً الكثير من الانجازات بخلاف مسارات “جنيف” الأممية التي بقيت “راكدة” بسبب التأثيرات الدولية على وفود المعارضة السورية التي لم تستطع توحيد جهودها والجلوس على طاولة المفاوضات بفريق موحد في التأليف والرؤى.
إمدادات الطاقة
تتطلع الولايات المتحدة إلى مسألة بيع الغاز مستقبلاً، وأول ما يتبادر إلى الذهن هو “الاستيلاء” على السوق الأوروبية و”كف يد” المنافس الروسي عنه، وهو ما يحتاج إلى تعاون مع تركيا بشكل كبير وواسع.
غير أن الواقع مغاير تماماً، إذ يبدو أن أنقرة قررت المضي في مشروع “السيل الأزرق” او “السيل الجنوبي” مع موسكو إلى حين اتمامه العام 2019، حيث تم مؤخراً الإعلان عن إنجار 46% منه تقريباً(6)، وبالتالي سيتعذر إعادة إحياء مشروع “نابوكو”، لجر غاز وسط آسيا إلى أوروبا، والذي تسبب في الكثير من الخراب والدمار للمنطقة.
العلاقات مع إيران
أكد وزير خارجية تركيا، مولود جاویش أوغلو، أن بلاده لن تلتزم بالعقوبات الأمريكية ضد إيران، واعتبر أن موقف طهران من انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي معها جدير بالتقدير.(7)
كما أعلن وزير الطاقة التركي، فاتح دونماز، أن بلاده ستواصل شراء الغاز من إيران تماشياً مع اتفاق توريد طويل الأمد(8) حيث يأتي ذلك أيضاً تأكيداً على موقف أنقرة من رفض العقوبات على طهران.
وفي إشارة إلى موضوع مهم، بقيت العلاقات الإيرانية – التركية علاقات “استراتيجية” على الرغم من “الصدامات بالوكالة” عبر الجماعات المسلحة التي تدعمها كلتا البلدين في سوريا (بغض النظر عن شرعية تواجد هذه المجموعات من عدمه)، إضافة إلى الاتفاق على الموضوع الكردي لجهة عدم إقامة دولة كردية على حدود البلدين وما تشكله من خطر على الأمن القومي لكل منها.
“الخلاف على الكرد”
يعتبر هذا الملف من المواضيع التي تثير القلق لدى أنقرة، بالرغم من الحديث عن وضع خارطة طريق مشتركة بين الطرفين لحل الأزمة(9)، إذ أن الدولة الكردية هي العدو الأول لتركيا، وأية خطوات في هذا الشأن ستعتبرها الأخيرة عملاً “عدائياً” قد يستوجب التدخل العسكري ضده لإجهاضه.
بالإضافة إلى “أطماعها” في سوريا، كان الهدف من التدخل العسكري التركي في منطقة عفرين السورية إبعاد القوات الكردية إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات، وبالتالي إبعادهم عن منطقة شديدة الحساسية تهم أنقرة.
من هنا، تحاول واشنطن، عبر بوابة الكرد بعد دعمها لهم وتسليحهم وتأمين غطاء من الحماية، “ابتزاز” الحلفاء والضغط عل الخصوم من أجل تحقيق مصالحها في النهاية لا أكثر.
قضية غولن
على الرغم من إعلان الرئيس أردوغان أن قضية القس أندرو برونسون لن تكون ورقة للمقايضة بالداعية الإسلامي التركي فتح الله غولن، إلا أن الكثير من المؤشرات تدل على ترابط ما بين قضية الرجلين، حيث ترفض واشنطن تسليم غولن التي تعتبره أنقرة العقل المدبر لعملية الانقلاب الفاشلة، ليلة 15 يوليو/تموز 2016، فيما ترفض تركيا إطلاق سراح القس برونسون، الذي اعتقل في اكتوبر/تشرين الأول 2016، والمتهم بدعم جماعة غولن داخل تركيا حيث اتهمته النيابة العامة بالانخراط في أنشطة نيابة عن جماعة غولن، وحزب العمال الكردستاني المحظورين.(10)
كل تلك الملفات وغيرها، تعتبر من المحاور التي تؤدي إلى “تسخين” العلاقات بينهما. لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم يتمثل في: ما هو مستوى الضغط الذي يمكن أن تمارسه واشنطن على أنقرة من أجل “تطويعها” من دون أن تدفعها إلى اتخاذ خيارات معاكسة؟!
*مؤسس ومدير مركز “سيتا”
المراجع:
(1) إنهيار الليرة التركية وأردوغان يدعو الأتراك إلى تحويل عملاتهم الأجنبية لدعمها. 10/8/2018. فرانس 24. على الرابط التالي:
https://bit.ly/2McqONP
(2) صحيفة تركية: أردوغان يتمنى إضافة “التاء” إلى “بريكس”. 29/7/2018. موقع قناة المنار. على الرابط التالي:
http://www.almanar.com.lb/4080507
(3) خبراء روس: عضوية تركيا في “بريكس” و”الأوراسي” تفيد الجميع. 7/8/20148. وكالة الأناضول. على الرابط التالي:
https://bit.ly/2MCCA0G
(4) أنقرة تهدد واشنطن: سنذهب للتحكيم الدولي إذا لم نستلم “أف – 35”. 29/7/2018. وكالة تنسيم. على الرابط التالي:
https://bit.ly/2OYtUmU
(5) الأسباب التي تدفع تركيا إلى اقتناء “سوخوي 57” الروسيّة بدل “إف 35” الأمريكية: اعتراض إسرائيل ولجنة من الكونغرس وميل عسكر تركيا إلى روسيا وصناعتها العسكرية المتطورة يتصاعد. 28/5/2018. رأي اليوم. على الرابط التالي:
https://bit.ly/2vyrcwx
(6) تركيا: إنجاز 46% من الخط الثاني لمشروع نقل الغاز الروسي الى أوروبا. 8/8/2018. كونا. على الرابط التالي:
https://bit.ly/2vYBZiG
(7) أوغلو يؤكد عدم التزام تركيا بالحظر الأمريكي ضد إيران. 10/8/2018. روسيا اليوم. على الرابط التالي:
https://bit.ly/2AYQ31t
(8) تركيا والصين ترفضان قطع العلاقات التجارية مع إيران. 8/8/2018. موقع عربي 21. على الرابط التالي:
https://bit.ly/2nt9OF6
(9) إتفاق تركي أمريكي بشأن انسحاب المسلحين الأكراد من منبج. 4/6/2018. يورو نيوز. على الرابط التالي:
https://bit.ly/2stLN3s
(10) من هو القس الأمريكي الذي يريد أردوغان من واشنطن مبادلته بفتح الله غولن؟ 27/7/2018. بي.بي.سي عربية. على الرابط التالي:
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-44980773
مصدر الصورة: عربي 21.