حيدر مصطفى

أزمة البحرين كغيرها من أزمات الشرق الأوسط مرت في مراحل عدة، مؤخراً تحضر في المحافل الدولية كواحدة من أبرز أزمات حقوق الإنسان من حول العالم. وكثيرون يعتقدون أن الثورة في البحرين مجرد حراك حركته رياح الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة العربية عام 2011.

بالفعل الأزمة البحرينية تأججت من جديد في تلك المرحلة، لكن الحالة البحرينية كان لها خصوصيتها، وشكلت استمرارا لحراكات مطلبية تركت بصماتها في تاريخ البحرين القديم والحديث.

عام 1956 على سبيل المثال، تصاعدت الدعوات إلى إضراب شامل لعزل المستشار البريطاني آنذاك تشارلز بلغريف وإجباره على مغادرة البلاد، وعمت الاضطرابات أرجاء البلاد وشارك فيها أكثر من 30 ألف شخص منهم تسعة آلاف من عمال شركة النفط، ولعبت فيها هيئة الاتحاد الوطني آنذاك دوراً هاماً في لم شمل البحرينيين.

“كغيرها من دول المنطقة العربية بالتحديد عانى شعبها من ظلم سياسي واجتماعي متفاوت النسب، مع فارق أن الحراك المدني في البحرين له جذور ضاربة في التاريخ الحديث”

في حراك الخمسينيات، انتفض البحرينيون، وهاجم مجهولون سيارة سلوين لويد وزير الخارجية البريطاني بالحجارة وهتف المتظاهرون “فليسقط بلغريف”، إضافة إلى جملة من التحركات المناهضة التي أجبرت الاستعمار البريطاني على تخفيض سلطات مستشارهم، وفي السادس من نوفمبر تدخل عسكر الاستعمار واعتقل قادة الهيئة وحلها، لكن بلغريف المستشار الاقتصادي في البلاد لمدة ثلاثين عاما رحل عن البحرين في غضون ستة أشهر في ديسمبر 1956.

ويشهد التاريخ أن البحرينيين رسموا طريق استقلالهم بتضحيات كان ثمنها دماء العشرات من أبنائهم، ونالوا ذلك في الرابع عشر من أغسطس عام 1971، وهو تاريخ مغيب في البحرين لاعتبارات خاصة بالحكم، فيما تقول المعارضة إن السبب الرئيس هو أن العائلة الحاكمة حالياً لا تعترف بأن البحرين كانت تحت الاحتلال البريطاني.

بعد الاستقلال سارع البحرينيون في سبيل بناء دولتهم، وكانت التجربة النيابية البرلمانية الأولى عام 1973 ما برحت تأخذ دورها في إحداث نقلة نوعية في أسلوب العمل السياسي، حتى جاء قرار القصاص منها من أمير البلاد آنذاك عيسى بن سلمان آل خليفة، وطوال 27 عاماً لم تولد تجربة برلمانية جديدة، حتى العام 2002 الذي شرعت فيه السلطة نحو بناء تجربة برلمانية جديدة .. والتي استمرت بصيغة مشوهة حتى الآن على مايبدو، وغادرتها المعارضة عام 2012 احتجاجاً على عدم استجابة الحكومة لمطالبها، وبقيت تمثل لوناً واحداً بالغالب.

وما وصلت إليه البحرين في هذه المرحلة، مشهدية مأساوية كغيرها من الدول التي اجتاحتها رياح الربيع العربي، ولسنا بصدد تبييض صورة طرف على حساب آخر ولكن في الصورة أرقام ودلائل تؤشر على وجود 4000 آلاف معتقل في السجون واضطهاد لشريحة واسعة من المواطنين وهذا ما اعترفت به وزارتي الخارجية في بريطانيا وأمريكيا، رغم التحالف الاستراتيجي بين كلا الدولتين والبحرين.

بالتأكيد الثورة البحرينية لم تخطو خطى غيرها من التحركات الشعبية في المنطقة، استبعدت خيار التسلح، وعلى الرغم من أن الحكومة تعلن بين الفنية والأخرى ضبط مجموعات إرهابية وإرهابيين ينفذون عمليات تخل في الامن، إلا أن الوثائق التي تقدمها تشكك بها منظمات حقوقية دولية أوردت مئات التقاريرعن وجود منهجية لانتزاع اعترافات تحت التعذيب في البحرين.

سبع سنوات وحملات الاعتقالات لا تتوقف والمواجهات مستمرة بين السلطة وشعبها، والخلاف في أبسط أسبابه عدم وجود بوادر لإجراء حوار شعبي شامل، يقرب وجهات النظر. يضاف إلى ذلك عدم اعتراف المجتمع الدولي بوجود أزمة سياسية في البحرين.

وهنا لا بد من السؤال، أليست الأزمة الحقوقية القائمة حالياً هي نتيجة مباشرة لأزمة سياسية مستمرة، لا يبدو أن حلولها قد تتشكل في الأمد القريب!

وعلى ضوء ذلك، البحرين منسية ومعاناة شعبها مغيبة بفعل تحالفات سياسية إقليمية ودولية تضعها في ذيل قائمة الأزمات.

اعلامي سوري