يارا انبيعة
بعدما تبين أن الوضع وصل في البلاد إلى طريق مسدود، بدأ الحديث الجدي عن الحاجة إلى تسوية الأزمة في فنزويلا من خلال المفاوضات، في مايو/أيار 2019. فرئيس البرلمان، خوان غوايدو، حتى مع الدعم الأمريكي، لا يملك القدرة على إسقاط الحكومة؛ والرئيس نيكولاس مادورو، مع أنه يعتمد على الجيش، إلا أنه عاجز عن كم أفواه المعارضة بالقوة.
من هنا، عقدت مفاوضات بين الحكومة والمعارضة الفنزويلية، بوساطة نرويجية وعلى “أرض محايدة” في جزيرة بربادوس ولم يكشف عن تفاصيلها، بدأت خلال الأسبوع الأول من شهر يوليو/تموز 2019، حيث كانت مغطاة بسرية شبه تامة.
مفاوضات بربادوس
كانت النرويج، التي تعتد بخبرتها في تحقيق الهدوء في أمريكا اللاتينية، قد عرضت وساطتها لحل الأزمة. فعقد الإجتماع الأول بين مندوبي غوايدو ومادورو، في أوسلو من شهر مايو/أيار 2019، وأعلن الطرفان حينها عن الفشل في الوصول إلى أي نتيجة في ذلك اللقاء، إلى أن جاءت مفاوضات بربادوس لتظهر أن حل الأزمة في فنزويلا بات ممكناً. فقد تقاطعت آراء المشاركين في الإجتماع على ضرورة إجراء انتخابات رئاسية ومواصلة التفاوض على مستوى الوسطاء من أجل وضع النقاط على الحروف.
لكن ما نشر في الصحافة عن نتائج المفاوضات لم يكن له الصدى المتوقع، فلم تكن تغريدات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نارية كما وبدا أعضاء منظمة الدول الأمريكية، الذين تداولوا حتى اللحظة الأخيرة في إمكانية اسقاط النظام في فنزويلا بمساعدة التدخل الخارجي، أكثر ضبطاً للنفس.
أما في موسكو، فتم تقييم اجتماع بربادوس بشكل إيجابي مع التشديد على أنه “يدل على استعداد الرئيس مادورو للدخول في حوار مع المعارضة.” هذا وقد رفض الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عمد لقائه للرئيس البوليفي إيفو موراليس، التدخل الخارجي في فنزويلا معتبراً إياه “أمراً غير مقبول”.
تباينات أمريكية – روسية
اتهمت الولايات المتحدة موسكو بالتدخل في فنزويلا، وهي حليفة لروسيا منذ حكم الرئيس الراحل هوغو تشافيز، وقال بومبيو إن مادورو كان مستعداً للرحيل لكنه غير خططه بعد تدخل روسيا، في وقت نفت المتحدثة بإسم الخارجية الروسية ذلك. فيما قال مستشار الأمن القومي، جون بولتون الذي يتخذ موقفا متشدداً داخل الإدارة تجاه كاراكاس، إن تدخل موسكو ليس موضع ترحيب، مضيفاً “هذا نصفنا من الكرة الأرضية” هذا ليس مكانا يمكن لروسيا التدخل فيه.
من جهته، أكد الرئيس بوتين أن أي تدخل خارجي في فنزويلا غير مقبول، معرباً عن أمله في إيجاد حلول بناءة في المفاوضات بين حكومتها ومعارضتها، قائلاً “بالطبع أولينا اهتماماً معيناً للوضع في فنزويلا، وأكد الجانب الروسي مراراً أن التدخل الروسي في شؤون فنزويلا غير مقبول”، مضيفاً “نأمل في أن يتم، في إطار المفاوضات المنطلقة بدعم النرويج بين الحكومة الفنزويلية والمعارضة، إيجاد حلول مقبولة بالنسبة إلى كل الفنزويليين، ما سيمكن من تطبيع الأوضاع في البلاد.” كما أكد الرئيس بوتين على تمسك بلده بالتسوية السلمية للأزمة السياسية، وضرورة حل النزاع الداخلي بناء على الإلتزام بالقانون والتشريعات المعمول بها.
من جهته، أبلغ وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، نظيره الأمريكي، مايك بومبيو، هاتفياً بأن اتخاذ المزيد من الخطوات العدائية في فنزويلا ستكون له عواقب وخيمة، مندداً بما وصفه “تدخل” الولايات المتحدة في شؤون فنزويلا الداخلية وإعتباره انتهاكاً للقانون الدولي، ومضيفاً “أن الحوار بين كل القوى السياسية مطلوب في فنزويلا.”
بدوره، أكد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريباكوف، أن بلاده ليس لها أية مصالح عسكرية في فنزويلا، حيث قال “ليس لدينا أية وحدات عسكرية في فنزويلا وليس لدينا أي موارد في فنزويلا في هذا المجال، التي قد ينظر إليها أي شخص سواء كانت الولايات المتحدة أو فنزويلا كعامل مزعزع للإستقرار، وكل ما تم القيام به هناك كان في إطار صيانة المعدات التي يتم تسليمها هناك بموجب العقود المبرمة سابقاً.”
وفي ذات السياق، أشارت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إلى أن “تعاوننا مع فنزويلا يتطور بشكل يتطابق بدقة مع قوانين البلدين، وتواجد خبراء روس، وليس أفراداً عسكريين، على أراضيها ينظمه اتفاق حكومي ولا يغير ميزان القوى الإقليمي”، وأضافت “لذا، فإنه ليس هناك ما يدعو للقلق لدى الشركاء الأمريكيين وخصوصا الرفيق الأميرال”، قاصدة قائد القيادة الجنوبية الأمريكية، الأميرال كريغ فولير، الذي تحدث، خلال جلسات الإستماع للجنة الفرعية للقوات المسلحة في مجلس الشيوخ، بأن هناك “المئات” من الأفراد العسكريين الروس والمقاولين العسكريين الذين يدعمون الرئيس مادورو، ويراقبون كفاءة المعدات الروسية في فنزويلا.
خيانة للفنزويليين
احتجاجاً على تقرير المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، تظاهر آلاف من أنصار الرئيس الفنزويلي في كراكاس. فلقد أشارت باشليه، في تقريرها بعد زيارة فنزويلا ما بين 19 و21 يونيو/حزيران 2019، إلى وجود عدد مرتفع من الإعدامات خارج نطاق القضاء، وبالأخص منذ العام 2016، حيث نفذت حكومة كراكاس ومؤسساتها إستراتيجية “هادفة إلى تحييد وقمع وتجريم المعارضين السياسيين والأشخاص الذين ينتقدون الحكومة.”، فيما اعتبرت كراكاس أن هذا التقرير يضم أخطاء و”مغالطات لا تحصى”.
في هذا الشأن، سار موظفون وناشطون وأعضاء بمجموعات موالية للرئيس مادورو مرتدين ملابس باللون الأحمر، ترمز إلى التيار التشافي، في وسط كاراكاس، في وقت اتهم فيه نائب رئيس الحزب الحاكم، ديوسدادو كابيلو، باشليه بأنها قدمت تقريراً “منحازاً تماماً” بضغط من الولايات المتحدة.
بيع الذهب
في إطار آخر، أوردت وكالة “بلومبرغ” خبراً مفاده أن فنزويلا باعت كميات من الذهب بقيمة 40 مليون دولار، وأشارت إلى أن احتياطياتها الدولية وصلت إلى أدنى مستوى لها، خلال 3 عقود تقريباً. ونقلت “بلومبرغ” أن البنك المركزي الفنزويلي باع، في 12 يوليو/حزيران 2019، ما يقارب طناً من الذهب، ما خفض الإحتياطيات الفنزويلية إلى 8.1 مليار دولار، وهو أدنى مستوي لها في نحو 30 عاماً.
فبعدما حدت العقوبات الإقتصادية الأمريكية من وصول فنزويلا إلى النظام المالي العالمي، بدأت كاراكس ببيع الذهب لشركات في دول مثل الإمارات وتركيا، وبلغت مبيعاتها منذ بداية شهر أبريل/نيسان بحدود 24 طناً من الذهب. وكان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية قد أدرج، في أبريل/نيسان 2019، البنك المركزي الفنزويلي في قائمة العقوبات، للضغط على حكومة الرئيس مادورو.
ختاماً، إن ردة فعل المجتمع الدولي المتحفظة لا تعني الوصول إلى حل يناسب الجميع، إنما تدل على أن العالم قرر عدم التسرع في صياغة استنتاجات، على الأرجح، حتى اللحظة التي يعود فيها الغليان مرة أخرى.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور: روسيا اليوم – سبوتنيك.