إعداد: يارا إنبيعة
في رسالة واضحة لواشنطن مفادها استعداد موسكو لحماية سوريا، أُسدل الستار، في 8 سبتمبر/أيلول 2018، على أضخم المناورات البحرية الروسية في تاريخها الحديث في منطقة التنافس الاستراتيجي شرق البحر الأبيض المتوسط، والتي تشهد تجاذبات تحتل صدارة التنازع عالمياً بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية بسبب الملف السوري والذي تنخرط فيه كلتا الدولتين بقوة.
شارك في هذه المناورات، السفن التابعة لأساطيل بحر الشمال وبحر البلطيق والبحر الأسود وبحر قزوين، بالإضافة إلى الطائرات التابعة لسلاح الطيران الاستراتيجي (بعيد المدى) وسلاح طائرات النقل وسلاح الطيران البحري.
تنفيذ ناجح
أعلن القائد العام للقوات البحرية الروسية، الأميرال فلاديمير كوروليوف، اختتام التدريبات المشتركة بين تشكيلات الأسطول الحربي والقوات الجوية الفضائية الروسية في البحر الأبيض المتوسط. وقال كوروليوف “إن التدريبات توجت بتنفيذ جميع أهدافها”، مشيراً إلى أن أجهزة الإدارة العسكرية وطواقم السفن والغواصات والطيران البحري ومشاة البحرية أظهرت مستوى عالٍ من الجاهزية والمهارة.
وأضاف القائد العام أن كثيراً من أحداث التدريبات تم تنفيذها في عرض البحر بعيداً عن المنطقة الساحلية، وأن بعض الأحداث، مثل عملية الإنزال على شاطئ غير مجهز، نفذت من دون أي إعدادات تمهيدية. وفي الفترة ما بين 1 و8 سبتمبر/أيلول 2018، شاركت 26 سفينة حربية، بما فيها غواصتان، و34 طائرة تابعة لكل من سلاح الجو والقوات البحرية الروسية، في أول تدريبات واسعة النطاق مشتركة بين صنفين من القوات المسلحة الروسية، أجريت منذ قيام الدولة الروسية الحديثة.
إنزال “سوفياتي”
وفي إطار التدريبات، نفذت عمليات اطلاق صواريخ من على متن سفن ومروحيات وطائرات، وخلال المرحلة الختامية من التدريبات، نفذ العسكريون الروس مهمة إنزال قوة من مشاة البحرية من سفن الإنزال والاستيلاء على موقع تابع للعدو المفترض، كما قامت وحدات مشاة البحرية للأسطول الروسي بعملية إنزال عند ساحل محافظة اللاذقية السورية، وكانت مهمة العسكريين الروس وفق فكرة التدريبات، تهدف إلى غزو قاعدة للعدو الافتراضي على الساحل البحري.
وجرت عملية الإنزال بدعم من الطائرات التابعة للطيران البحري والقوات الجوية الفضائية، وشاركت في تنفيذ المهمة سفن حربية بما فيها 3 سفن إنزال و24 طائرة منها طائرات مروحية من طراز “كا – 29″ و”مي – 8” والطائرات من طراز “سو – 33″ و”سو – 30 إس.إم”.
وأشار الأميرال إلى أن إنزال القوات الروسية تزامن مع أول عملية إنزال جرت منذ 50 عاماً في ذلك المكان بالذات، إذ قال للصحافيين “نحتفل الآن بالذكرى الـ 50 لأول عملية إنزال نظمها السرب الخامس للأسطول البحري السوفياتي هنا، في البحر المتوسط، عام 1968، وهذا حدث ذو أهمية ودلالة كبيرة بالنسبة لبحارتنا.”
الروس.. “أمراء البر”
يقول الباحث في الشأن الإستراتيجي، طارق الحريري، “رغم إن هذه المناورة تبعث برسالة إلى واشنطن تحديداً مفادها أن موسكو مستعدة لحماية سوريا ضد أي تدخل أجنبي فى التوقيت الحالي، إلا أن مقارنة القوة البحرية بين كلا البلدين تأتي لصالح الولايات المتحدة التي تمتلك على سبيل المثال 14 حاملة طائرات بينما تمتلك روسيا واحدة فقط ولا يختلف الأمر كذلك لصالح واشنطن فى مجال الطيران الحربي. لكن القوة البرية للقوات الروسية على الأرض والأخرى الصاروخية على اختلاف مجالاتها من دفاع جوي أو مضادة للقطع البحرية أو . . إلخ تأتي لصالح موسكو وهو ما عبرت عنه مقولة شهيرة في أدبيات العلم العسكري هي: الأمريكيون أمراء البحر والروس أمراء البر.”
يبدو من اللافت تزامن توقيت إجراء هذه المناورة بالذخيرة الحية مع قيام الجيش السوري بعملية الحشد العسكري حول محافظة إدلب ومساندة روسيا بضربات جوية مكثفة على الإرهابيين فيها، ودعم قوات الجيش بالإحتياجات من الأساسيات التسليحية وصولاً إلى المعدات الفنية اللازمة، مثل الجسور المميكنة المخصصة لعبور التضاريس الصعبة والموانع المائية والمناطق الملوثة. لكن قراءة المشهد على نطاق أوسع، تكشف محاولة الغرب إعاقة عملية تحرير إدلب لإعادة ترتيب أوراقه الضعيفة في سوريا والبحث عن موطئ قدم أكثر ثباتاً وتأثيراً مع بداية الحل السياسي.
كما تزامن أيضاً مع اليوم الأخير للمناورة انعقاد القمة الثلاثية لروسيا وإيران وتركيا التي جاء فى بيانها الختامي تأكيد المجتمعين “عزمهم على مواصلة التعاون للقضاء النهائي على تنظيمي داعش وجبهة النصرة وغيرهما من المجموعات والتشكيلات والشخصيات ذات الصلة بالقاعدة أو داعش المصنفة كتنظيمات إرهابية من قبل مجلس الأمن الدولي”، وليس من قبيل المصادفة أن تنعقد جلسة خاصة لمجلس الأمن لمناقشة الأزمة تتبادل فيها الأطراف الإتهامات العنيفة، كما أنه ليس من قبيل المصادفة أن تقوم القاذفات الروسية الإستراتيجية بالتحليق في المنطقة الحرجة المتاخمة للولايات المتحدة فوق المياه المحايدة للمحيط المتجمد الشمالي واعتراضها من قِبل الطيران الأمريكي.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصورة: قناة الكوثر.