أمجد إسماعيل الآغا*

امام التطورات المفصلية في مسارات الحرب على سوريا، يبدو ان خيار المواجهة مع اسرائيل بات اكبر من اي وقت مضى، حيث ان الهزائم المتكررة للفصائل الإرهابية، والإنتصارات الإستراتيجية للدولة السورية وجيشها، ارغما اسرائيل على ان تخرج من خلف الستار لمواجهة الصمود السوري. فالوضع الحرج الذي تعيشه، هو نتيجة منطقية لجملة من الوقائع التي باتت تشكل بتفاصيلها عنوان الإنتصار السوري، اضافة الى ضيق الجغرافية التي لم تعد تستطع من خلالها كسب الرهانات وفرض الخيارات.

ان ضغط الزمن الذي بات في ثوانيه الأخيرة لإعلان الجغرافية السورية خالية من الإرهاب، ارَّق اسرائيل ووضعها في خانة البحث عن استراتيجيات من شأنها إطالة وقت الحرب، وسيناريوهات يمكن من خلالها إلهاء الدولة السورية وجيشها، لتكون الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة رد على ما تم حصده سورياً خلال سنوات الحرب.

لكن حين تخطئ الحسابات الإستراتيجية تكون النتائج كارثية، فالبيئة الإقليمية الجديدة التي فرضها صمود الدولة السورية ومعادلات الردع التي حققها الجيش السوري، اضافة الى تشكيل منظومة المقاومة، دمشق – طهران – بغداد – حزب الله، مضافاً اليه حليف قوي، مثل روسيا، هي معطيات لا يمكن ان يبددها اي اعتداء، لتأتي الحماقة الإسرائيلية بالعدوان على الساحل السوري مخالفاً لكل ما خطط له فيها، فالخطأ قاتل حين يكون الهدف طائرة روسية على متنها خيرة ضباط الإستطلاع الروس.

يبدو أن حادثة إسقاط الطائرة الروسية “إيل – 20” قبالة الساحل السوري، لن يكون حدثاً عرضياً يمكن تجاوزه بالإعتراف بالخطأ، أو صيغ الإعتذار، ما يفسر التصريحات الروسية المتكررة بأن اسرائيل هي المسؤولة اولاً واخيراً، لتتوضح التفاصيل اكثر وتعلن وزارة الدفاع الروسية بأن اسرائيل متورطة في اسقاط الطائرة. وفي مثل هذه الحوادث، لا يمكن العودة الى طبيعة العلاقة بين روسيا والكيان الإسرائيلي لحلحلة تداعيات اسقاط الطائرة، غذ لا بد من رد مباشر على الهمجية الإسرائيلية.

من هنا، اعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو وبإيعاز من الرئيس فلاديمير بوتين، ان وزارة الدفاع الروسية ستتخذ ثلاث خطوات مهمة بهدف تعزيز القدرات القتالية للدفاعات الجوية السورية:

الأولى: تسليم منظومات الدفاع الجوي “إس – 300” الى سوريا خلال اسبوعين، وهي قادرة على اعتراض الأهداف الجوية على مسافة تتجاوز الـ 250 كلم، بسبب قدرتها العالية على عرقلة التشويش وسرعتها المتفوقة في إطلاق الصواريخ.
الثانية: ستجهز روسيا المراكز القيادية لقوات الدفاع الجوي السورية بنظام آلي للتحكم موجود حصرياً لدى الجيش الروسي، مما سيضمن الإدارة المركزية لجميع الدفاعات الجوية السورية، وتحديد جميع الطائرات الروسية في الأجواء من قبلها.
الثالثة: اعلن شويغو عن اطلاق الجيش الروسي لمنظومة التشويش “الكهرومغناطيسي” في مناطق البحر المتوسط المحاذية للسواحل، بهدف منع عمل رادارات واتصالات الأقمار الصناعية والطائرات اثناء اي هجوم مستقبلي.

ضمن هذه المعطيات، باتت تدرك اسرائيل ان الحرب على سوريا لا يمكنها ان تكون ابعد مما تتحمله المنطقة، فأي توتر اضافي من شأنه ان يكون مقدمات لحرب عالمية حقيقية، كما باتت تدرك ايضاً ان توازن الرعب الذي حققته الدولة السورية سيكون مانعاً لأي حماقة قد تفكر بالإقدام عليها مستقبلاً، فإاندفاعات محور المقاومة باتت تشكل تهديداً كبيراً لكل مغامرة اسرائيلية بالحرب، وبالتالي لقد انتهى زمن التفوق الإسرائيلي جواً وبراً وبحراً.

في المحصلة، روسيا تعلم مدى حماقة وخطورة اسرائيل على المنطقة، لكن سياسية الإحتواء الروسية المعتمدة على معالجة التطورات بذكاء وروية، لتجنب الإنجرار والوقوع في حروب سيكون الجميع خاسراً بها، كما ان اسرائيل تعلم ان روسيا لا يمكن ان تتخلى عن حليفتها الإستراتيجية سوريا، وكذلك الأمر بالنسبة لإيران التي تشترك معها بنفس الرؤى الإستراتيجية فيما يخص العديد من القضايا الإقليمية والدولية. وبالتالي، ان موقف إسرائيل من النواحي الإستراتيجية والسياسية والميدانية ضعيف امام روسيا في هذه الملفات. فبعد ان فشلت العديد من المحاولات الرامية الى ابعاد روسيا عن سوريا وايران، تعمدت اسرائيل توجيه ضربة غير مباشرة لروسيا، في محاولة لإيصال رسالة الى موسكو تكون بمثابة “الإنذار والتحذير” من الإنجرار اكثر في دعم سوريا. لكن الرسالة الروسية المضادة لم تكن متوقعة، لتدخل بذلك اسرائيل في نفق الأخطاء الإستراتيجية، فالكبار وحدهم من يقومون بفرض التفوق الإستراتيجي والتوازن الحقيقي الرادع لإسرائيل مستقبلاً.

 

*كاتب وإعلامي سوري

مصدر الصورة: موقع موسوعة العراق.