عرفت المجتمعات الإنسانية بشكل عام، النشاط الإنساني والعمل الدبلوماسي منذ عهدٍ بعيد، وهذا ما أكدته المخطوطات التاريخية واللقى الأثرية، كالتي تم اكتشافها في تل ماري شمال سوريا حيث تم اكتشاف أقدم معاهدة دولية في العالم، إضافة إلى ما تم اكتشافه في مصر والعراق واليونان وروما وبلاد فارس وغيرها.

بالتالي، أصبح الإنسان – منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا – يسعى للعمل على إعداد وبناء قواعد عامة تهدف إلى تنظيم الحياة الدبلوماسية الدولية بشكل لائق تستطيع فيه جميع الدول ممارسة هذا النشاط المهم انطلاقاً من حقها السيادي بقيادة علاقاتها الداخلية والخارجية، لما لممارسة هذا النشاط من أثر كبير وفعّال على حياة المجتمعات الإنسانية في كافة المجالات. من هنا، يمكننا أن نعتبر الدبلوماسية أهم أداة استراتيجية لتحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية للدول.

أيضاً، من الممكن اعتبار القانون الدبلوماسي الدولي أحد أهم فروع القانون الدولي، وهو يعبر عن مجموعة موحدة من القواعد التي تهدف إلى القيام بتنظيم الواقع الشرعي الدبلوماسي ونشاط الممثليات الدبلوماسية، هذا من جهة.

من جهةٍ أخرى، إن قواعد القانون الدبلوماسي الدولي تعتبر ضرورية جداً كونها قواعد تمتلك تأثيراً كبيراً على تنظيم عمل السفارات والممثليات الدبلوماسية الأخرى وموظفيها، كما تقوم على تنظيم مختلف الإجراءات الخاصة من استقبال وقبول واستضافة مختلف أشكال الممثليات الدبلوماسية وموظفيها؛ ما يعني أنه ومن غير المستغرب بعد الحديث عن التاريخ القديم للحياة الدبلوماسية الدولية، أن تشكّل القواعد العرفية في القانون الدبلوماسي الدولي جزءاً هاماً منها، بالإضافة إلى القواعد الأخرى ذات المنشأ التقاعدي، على غرار معاهدة فيينا حول العلاقات الدبلوماسية لعام 1961، ومثل معاهدة مكافحة الجريمة والمعاقبة عليها التي يمكن أن ترتكب ضد الأشخاص الذين يتمتعون بالحماية الدولية، ومن بينهم الموظفين الدبلوماسيين.

من هنا، إن النشاط الدبلوماسي الذي تمارسه الدولة مع بقية الدول والمنظمات الدولية الأخرى، يعتبر نشاطاً يتطلب – من أجل القيام بتنفيذه – ضرورة القيام ببعض الإجراءات الضرورية لاستكمال هذا النشاط الشرعي الحيوي والمهم في الحياة الدولية، إذ تتلخص هذه الإجراءات بضرورة القيام بإحداث مؤسسة خاصة لمزاولة مثل هذا النوع من الأنشطة والذي يمكن أن يطلق مسميات مختلفة مثل ممثلية دبلوماسية (سفارة، مفوضية، مقر دبلوماسي، .. إلخ).

هذه الإجراءات تتم عادةً وفقاً لقواعد توافقية بين الدولتين عبر توقيع اتفاقية دولية تحدد فيها جميع الأمور التي تخص إنشاء الممثلية ومستوى التمثيل ونسبة قواعد القانون الدبلوماسي الداخلي للدولة، مع قواعد القانون الدبلوماسي الدولي، الذي ينظم مثل تلك العلاقة الدبلوماسية بين كل دولتين.

وقد نصادف في الحياة الدولية أن بعض الدول يمكن أن توقّع اتفاقية فيما بينها ولا تقيم تمثيلاً دبلوماسياً مشتركاً، وهذا ما كان حاصلاً على سبيل المثال في العلاقة القائمة بين سوريا ولبنان طيلة أعوام كثيرة.

مصدر الصورة: كونا.

موضوع ذا صلة: حقوق الإنسان بين العالمية والإقليمية

د. عبد العزيز بدر القطان

مستشار قانوني – الكويت.