إعداد: يارا انبيعة
بعد محاولة لإنهاء خلاف طويل الأمد مع جارتها اليونان وفتح الطريق أمامها للإضمام إلى الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو، سعت حكومة سكوبيا إلى تغيير اسم البلاد تنفيذاً لإتفاق جرى بين اليونان ومقدونيا، في 6 يونيو/حزيران 2018، حيث أعلن رئيس لجنة الانتخابات في مقدونيا، أوليفر ديركوسكي، فشل الإستفتاء على إعادة تسمية البلاد لأن إقبال الناخبين المسجلين الذين حددهم القانون، لم يتجاوز الـ 50%، وقال للصحافيين “لم يتم اتخاذ قرار في الإستفتاء لأن أكثر من نصف الناخبين المسجلين لم يصوتوا.”
مقاطعة الإستفتاء
أخفق الإستفتاء على تغيير اسم جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة بسبب انخفاض المشاركة، إذ بلغت نسبة المشاركين 34% قبل ساعة من إغلاق مراكز الإقتراع، حيث أن المادة 30 من الدستور المقدوني تنص على أن نتيجة الإستفتاء تعد صالحة فقط في حال دعمه أكثر من 50% من الناخبين.
وأعلن معارضو تغيير اسم البلاد، الذين دعوا لمقاطعة الإستفتاء، عن تنظيم احتفالات أمام مقر البرلمان حيث أقاموا منصة لتلك الغاية، ولم يخف مسؤولون حكوميون خشيتهم من عدم تخطي نسبة المشاركة 50%، وهو الهدف الذي حددوه قبل يومين.
وتفيد النتائج التصويت بأن 91.93% من الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم وافقوا على تغيير اسم مقدونيا ليصبح “جمهورية مقدونيا الشمالية”، في حين بلغت نسبة المشاركة 36.8% فقط ولم تصل إلى نسبة الـ 50% المحددة قانوناً. ويرى المراقبون أن سبب الفشل يعود إلى رفض غالبة المقدونيين تغيير اسم بلادهم، لا لرفضهم العضوية في الناتو والاتحاد الأوروبي.
إلا أن الكرة لا تزال في ملعب البرلمان المقدوني الذي بإمكانه تغيير اسم البلاد إذا صوت لصالح هذا الاقتراح أكثر من ثلثي النواب.
ما هو الإتفاق؟
اتفقت كل من مقدونيا واليونان على تغيير اسم “جمهورية مقدونيا” إلى “جمهورية مقدونيا الشمالية”، وستُعرف اللغة المستخدمة هناك بالمقدونية وشعبها بالمقدونيين، واتفق الطرفان على استخدام الإسم الجديد إقليمياً ودولياً لا سيما مع تأييد أكثر من 140 دولة لإعتماد الإسم الجديد للبلاد. ولقد استمرت المفاوضات بين البلدين منذ 27 عاماً، إذ رفض كلاهما العديد من الأسماء المقترحة مثل “مقدونيا العليا” و”مقدونيا الجديدة”.
ويشير اسم مقدونيا، إلى المنطقة الشمالية من اليونان، التي تشمل ثاني أكبر المناطق من البلاد، وهي سالونيك، ولكن بعد انهيار يوغسلافيا العام 1991، تبنت الأمة السلافية الإسم نفسه، إذ يشار إليها باسم “مقدونيا اليوغسلافية”.
ولم يهدئ سلوك المقدونيين الجدد الأمر، بل زاده اشتعالاً عندما أطلقوا على المطار الرئيسي في العاصمة سكوبيا، اسم البطل الإغريقي “الإسكندر الأكبر”، كما استخدموا الإسم نفسه لتسمية الطريق السريع المار من صربيا إلى حدود اليونان. وقد أثار تبني السلافيين الإسم “غضباً” عن اليونانيين الذين ساورتهم شكوك في نية جارتها الجديدة الإستيلاء على جزء من أراضيها.
موطئ قدم
عبَّر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عن دعمهما للإتفاق، وزار العديد من القادة الأوروبيين العاصمة المقدونية، سكوبيا، لحث المقدونيين على انتهاز هذه الفرصة “التاريخية”.
وقالت الناطقة بإسم وزارة الخارجية الأمريكية، هيذر نويرت، في بيان لها إن “الولايات المتحدة تدعم بقوة التطبيق الكامل للإتفاق الذي يسمح لمقدونيا بأن تأخذ مكانها الصحيح في حلف شمال الأطلسي والإتحاد الأوروبي، لتساهم بذلك في الإستقرار والأمن والرخاء الإقليمي”، ودعت نويرت أعضاء البرلمان المقدوني إلى “الترفع عن السياسات الحزبية وانتهاز الفرصة التاريخية لضمان مستقبل أفضل للبلاد بمشاركتها الكاملة في المؤسسات الغربية.”
من جهته، رحب الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبيرغ، بنتائج الإستفتاء، ودعا جميع القادة السياسيين والأحزاب المقدونية للعمل البنَّاء وبروح المسؤولية من أجل انتهاز هذه الفرصة التاريخية، مضيفاً أن “أبواب الناتو مفتوحة، لكنه لا بد من استكمال كافة الإجراءات على المستوى الوطني.”
وقد أصدر حلف شمالي الأطلسي دعوة انضمام لمقدونيا مرهونة بالمصادقة على الإتفاق مع اليونان، ومن المقرر أن تبدأ مفاوضات الدخول إلى الإتحاد الأوروبي العام المقبل (2019)، حيث يحرص الغرب على الحصول على “موطئ قدم” آخر في منطقة البلقان الغربية في مقابل معارضة روسيا توسع الغرب فيها، وخصوصاً مع وجود صلات تاريخية مشتركة ونفوذاً واسعاً لموسكو فيها.
ويقول مؤيدو الاتفاق في مقدونيا إن الرغبة في الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي مستقبلاً ستساعد على توحيد المواقف بين من هم من أصول إثنية مقدونية والأقلية ذات الأصول الألبانية المؤيدة للغرب في الغالب. ويسعى المقدونيون إلى تجنب الحروب العرقية التي مزقت المنطقة أثناء انهيار جمهورية يوغسلافيا السابقة، ولا سيما أنها سبق أيضا أن شهدت تمرداً للأقلية الألبانية، في العام 2001، خلف وراءه أكثر من 100 قتيل.
ويشير بعض المراقبين إلى عدداً من السياسيين البارزين، في الإتحاد الأوروبي والناتو، قد شاركوا في حملة الترويج للإستفتاء، وتدخلوا في الشؤون الداخلية لمقدونيا.
تدخلات خارجية
أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن تأييد الإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي لنتائج الإستفتاء في مقدونيا يشير إلى رغبتهما في تعجيل دخول الدولة للحلف بغض النظر عن رأي سكانها. وجاء فى بيان وزارة الخارجية الروسية أن نسبة المشاركة 36.8 % لا تسمح بإقرار الإستفتاء، وتشير بشكل لا لبس فيه إلى أن الناخبين المقدونيين فضلوا مقاطعة القرارات التى تفرض على سكوبيا وأثينا من الخارج.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصورة: إيلاف.