إعداد: يارا انبيعة
اختتم الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون بين الصين والدول العربية، 10 يوليو/تموز 2018، بتوقيع الدول العربية مع بكين على 3 وثائق مهمة تعزز الصداقة التقليدية، وترتقي بالتعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق”.
إعادة إحياء “طريق الحرير”
في كلمة ألقاها الرئيس الصيني، شي جين بنيغ، أمام المنتدى، الذي عقد في قصر الشعب ببكين بحضور ممثلي 21 دولة عربية، قال إن الصين ستقدم مساعدات إنسانية بقيمة 106 ملايين دولار لـ “سوريا والأردن واليمن وفلسطين”، كما رحب الرئيس شي بالوفود مؤكداً على أهمية العلاقات الصينية – العربية، ومشيراً إلى دورها “التاريخي العريق وإلى مستقبلها الواعد” في مبادرة “الطريق والحزام” موضحاً أهمية موقعها الجغرافي في قلب طريق التجارة القديم، مما يجعل منها شريكة طبيعية في المبادرة الصينية الجديدة التي ترتكز على إعادة إحياء “طريق الحرير” من الصين إلى المناطق القريبة من إفريقيا وأوروبا، بمشاريع في البنى التحتية بقيمة تريليون دولار.
كما أعرب الرئيس شي عن ترحيب الصين بفرص المشاركة في تنمية المرافئ وبناء شبكات للسكك الحديد كجزء من شبكة لوجيستية تربط بين آسيا الوسطى وشرق إفريقيا والمحيط الهندي بالبحر المتوسط، داعياً الى العمل على تعميق العلاقات المشتركة التي تقوم على مبادئ راسخة محورها المنافع المتبادلة والمساواة واحترام السيادة الوطنية لكل دولة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والعمل من أجل السلام، والتعاون على أساس الكسب للجميع.
ومن أبرز ما أعلنه الرئيس الصيني هو اتفاق الصين مع الدول العربية على إقامة شراكة استراتيجية صينية – عربية مستقبلية للتعاون الشامل والتنمية المشتركة، كما قدم مقترحات جديدة حول التعاون الإضافي حول مبادرة “الحزام والطريق”.
رؤية إستراتيجية
شمل البيان الختامي، وخطة العمل للفترة القادمة، جوانب عدة من التعاون والتنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتعليمي والعلمي ونقل الخبرات وبرامج التدريب الصينية للخبراء من الدول العربية، حيث أكد حرص الصين على نقل التكنولوجيا للدول العربية، وتعزيز الاستثمارات في إطار مبدأ التعاون والمصالح المشتركة وتبادل المنافع والكسب للجميع، مشيراً إلى رغبة الصين في مشاركة الدول العربية بالمبادرة الصينية التي تهدف إلى بناء عالم جديد يقوم على السلام والاستقرار والتعاون.
وفي إعلان بارز، أشارت وزارة الخارجية الصينية إلى عودة شركاتها للعمل في ليبيا، إضافة إلى الرغبة بفتح سفارة لها بطرابلس في أقرب وقت ممكن، والمساهمة في صندوق إعمار ليبيا، مؤكدة انضمام ليبيا إلى مبادرة “الحزام والطريق”.
وفي هذا الإطار، أشاد مسؤولون واقتصاديون عرب بعلاقات التعاون القائمة بين الدول العربية وجمهورية الصين الشعبية، حيث قال الدكتور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء المصري السابق والذي يشغل عضوية اللجنة القيادية لشبكة التعاون بين المنظمات غير الحكومية لدول طريق الحرير، إن حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية عند تأسيس المنتدى كان يقدر بـ 37 مليار دولار، أما بعد إطلاق مبادرة “الحزام والطريق” فقد زادت فعالية المنتدى بشكل كبير، وتضاعف حجم التبادل التجاري بين الجانبين بشكل لافت للغاية، حيث وصل في العام 2017 إلى أكثر من 190 مليار دولار، مشيراً إلى وجود رؤية استراتيجية للتعاون المشترك.
من جانبه، قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إن الدول العربية تؤيد إعلان الرئيس الصيني بإقامة شراكة إستراتيجية والبدء في البرنامج التنفيذي لبناء مبادرة “الحزام والطريق” التي ستربط مصالح الجانبين بما يعود على الجميع بالخير والنماء.
بدوره، قال عضو مجلس الأعيان في المملكة الأردنية نائل رجا الكباريتي “ما نلمسه من الجانب الصيني هو الحيوية في تطبيق ما يقول”، مؤكداً أن “طريق الحرير هي فكرة مميزة وقد بدأ العمل فيها على مستوى العالم العربي من خلال عدد من المشاريع التي تعبر عن جدية الحكومة الصينية في وضع الاستراتيجيات وتنفيذها وتطبيقها.”
الوفود المشاركة
كان التمثيل العربي في المؤتمر كاملاً إذ حضر وزراء خارجية الدول الأعضاء في الجامعة العربية والأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، وما يعد دليلاً على الأهمية التي توليها الدول العربية للمصالح المشتركة والسياسة الصينية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، توجت بحلول أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، كـ “ضيف شرف” على هذه الدورة من المنتدى مما أعطاها ثقلاً وأهمية لا سيما وأن الكويت كانت من أوائل الدول العربية التي ساهمت في تنمية الاقتصاد الصيني، من خلال بناء الشركات والمصانع مشتركة وتقديم الاستثمارات منذ ثمانينات القرن الماضي.
لعبة كبيرة!
يرى مدير معهد “هو شي مين” والبروفيسور في جامعة بطرسبورغ الروسية، فلاديمير كولوتوف، أن الصين بدأت “لعبة كبيرة” في منطقة الشرق الأوسط، حيث أنها تقترح الإنضمام إلى المشروع الإقليمي العابر للحدود، “الطريق الكبيرة”، ومن هنا ظهر لدى العالم العربي خيار بين أمرين؛ إما الإقتتال فيما بينهم مجاناً وبدون مردود كما ترسم “الولايات المتحدة” لهم، وإما السير بإتجاه المشاركة في مشاريع لتنمية التعاون الاقتصادي الإقليمي.
وأردف البروفيسور كواوتوف “دعونا لا ننسى أنه منذ عام 2014، الاقتصاد الصيني هو أكبر الإقتصادات في العالم، الآن بدأت حرب اقتصادية كبيرة بين الولايات المتحدة والصين. لذلك، تدرك الصين أنه ستكون هناك محاولات لوضع العصى في عجلات تطورها الاقتصادي، وستكون هناك محاولات لإعاقة هذا التطور، وستضطر الصين لإتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية مصالحها، أو إيجاد حلفاء، أو حتى شراء حلفاء في هذه القارة، وأن تقدم خيارات ونظم معينة للتعاون.”
صفقة القرن “حاضرة”
الأمر لم يتوقف عند تقديم المساعدات المالية فقط، وإنما ذهب إلى أبعد من ذلك من خلال المبادرة الصينية للسلام بين الدول العربية وإسرائيل، التي كانت كفيلة لإقناع الجانب الفلسطيني بثقلها وأهميتها حيث اكد مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الخارجية والعلاقات الدولية، نبيل شعث، أن المبادرة الصينية للسلام تنهي الحديث عن الخطة الأميركية المعروفة بـ “صفقة القرن”، وذلك بعد فشل المحاولات الأميركية للالتفاف على القيادة الفلسطينية لتمرير الصفقة المزعومة عربياً ودولياً، مضيفاً “حول ما تتضمنه المبادرة الصينية للسلام، نجد أنها ترتكز إلى تعزيز حل الدولتين على أساس حدود 1967 مع القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية جديدة، إضافة إلى دعم مفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، الذي ينهي بناء المستوطنات الإسرائيلية، ويتخذ تدابير فورية لمنع العنف ضد المدنيين، ويدعو إلى الاستئناف المبكر لمحادثات السلام.”
“توأمة رقمية”
يأتي مشروع “المكتبة الرقمية العربية الصينية” في إطار البرنامج التنفيذي للمنتدى الذي تضمن في فقراته تعزيز التعاون في مجال المكتبات والمعلومات من خلال إنشاء آلية دائمة لتعزيز التعاون بين الصين والدول العربية في مجال المكتبات والمعلومات.
في هذا السياق، قام الجانبان العربي والصيني بالاتفاق على إقامة مشاريع “توأمة” بين المكتبات العربية ونظيراتها الصينية، في إطار الشراكة الإقليمية المؤسسية بما يخدم مصالح المكتبات الشريكة والعمل على إطلاق بوابة إلكترونية لمكتبة رقمية عربية – صينية تتيح مصادر للمعلومات التاريخية والثقافية عن الحضارتين بغرض تسهيل استرجاع المعلومات في مجالات التاريخ والثقافة للطلبة والدارسين الصينيين باللغة العربية والباحثين الصينيين المهتمين بالقضايا العربية وكذلك للباحث العربي المهتم بالشأن الصيني.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور: البيان.