إعداد: مركز سيتا
زار وفد حكومي روسي رفيع المستوى دمشق، ومن بين الزائرين وزير الخارجية سيرغي لافروف، بعد ثمانية أعوامً على آخر زيارة له إلى سوريا. فترة شهدت على الكثير من التغيرات في المعادلات على مسار الأزمة السورية ككل، لكن الموقف الروسي خلالها بقي ثابتاً وداعماً للحل السياسي، ومؤكداً حق الشعب السوري في تقرير مصيره وضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة أراضيه.
ليس مفاجئاً زيارة شخصيات دبلوماسية وعسكرية روسية إلى سوريا، فالزيارات لم تتوقف منذ العام 2011 وحتى اليوم، لكن اللافت اليوم وصف شخصيات دبلوماسية غربية زيارة الوفد الروسي بـ “المفصلية” حيت ضم الوفد أعلى الشخصيات المعنية بالملف السوري، على الصُعد الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والإقتصادية.
أهداف الزيارة
تحمل الزيارة الكثير من الدلائل خاصة مع تغير الكثير من المعطيات في الملف السوري على مدى السنوات الفائتة. فلقد كانت اللقاءات بناءة ومثمرة، بحسب وصف دمشق لمحادثات الوفد الروسي، برئاسة نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف ووزير الخارجية سيرغي لافروف، مع الرئيس السوري، بشار الأسد، والمسؤولين السوريين، حيث كشف وزير الخارجية والمغتربين، وليد المعلم، عن التعاون المرتقب مع موسكو، وتحسنٍ في الأوضاع الإقتصادية ستشهدها الأشهر المقبلة، ولعل النقطة الأهم هي أن الإنتخابات الرئاسية السورية، ستُجرى في موعدها المحدد.
من جانبه كشف بوريسوف عن مجالات تعاون عدة مع دمشق أبرزها مشاريع الطاقة من ضمن تأهيل 40 مشروعاً، بما فيها البنى التحتية وإعادة إعمار عدد من محاطات كهرومائية التي بناها الخبراء السوفييت في السابق، إضافة إلى توقيع إتفاقية لإستخراج النفط في الجرف السوري، وبالطبع مسالة الإرهاب.
في هذا المجال، يؤكد الوزير لافروف تمسك موسكو بسيادة سوريا وسلامتها الإقليمية وإستقلالها السياسي وذلك في وقت تسعى فيه بعض القوى الخارجية لتعزيز النزعات الإنفصالية، إذ أن ليست كل القوى الخارجية راضية عن التطورات الإيجابية التي تشهدها البلاد؛ بالتالي، هي تحاول تمرير أجندتها الإنفصالية، وتسعى إضافة إلى ذلك لخنق الشعب السوري إقتصادياً عبر العقوبات الآحادية غير القانونية. كما أعتبر الوزير الروسي بأن سوريا دخلت مرحلة جديدة إنتصرت فيها على الإرهاب، بدعم روسي، وتقف اليوم أمام أولويات جديدة، على رأسها تعزيز الاقتصاد وحشد الدعم الدولي لذلك.
عن كل ذلك، يرى الأستاذ أندريه أونتيكوف، المحلل السياسي الروسي في تصريح خاص لـ “سيتا“، بأنه “على الرغم من بقاء الكثير من الإرهابيين في إدلب، فإن روسيا لن تتخلى عن فكرة مكافحة الإرهاب بكل تأكيد، وستعمل على إيجاد حل لهذه المسألة عن طريق التعامل مع تركيا. وبإعتقادي، هناك بعض التغيرات التي تعد أهدافاً رئيسية بالنسبة لروسيا؛ الهدف الأول، إعادة إعمار سوريا بدليل أن من كان يترأس الوفد الروسي يوري بوريسوف نائب رئيس الوزراء، ورأينا الحديث المعمق حول المشاريع الإقتصادية المشتركة والدفع بهذا الإتجاه في ضوء قانون قيصر.”
ويضيف أونتيكوف “أما الهدف الثاني فهو الوجود الأمريكي على الميدان السوري، إذ ليس سراً بأن موسكو إستقبلت وفداً من مجلس سوريا الديمقراطية – مسد ورئيس حزب الإرادة الشعبية، قدري جميل، وكان هناك توقيع مذكرة تفاهم بينهما. هذا الأمر تم بوساطة روسية واضحة، بالتالي، تبقى أكبر التحديات بالنسبة إلى روسيا هي الولايات المتحدة ومساعيها الحثيثة لتفكيك سوريا عن طريق دعم الكرد وتشجيعهم على الإنفصال. من هنا، تحاول روسيا التعامل مع هذه المسألة من خلال قيادة حوار معمق مع الكرد في موسكو بهدف تقليص النفوذ الأمريكي شرق الفرات.”
رسم خارطة الطريق
لا شك بأن موسكو تعلق أهمية خاصة على هذه الزيارة في الظروف الراهنة تحديداً، سواء لجهة مشهد الإستثمارات الروسية في سوريا، أو التسخين الميداني الإسرائيلي – الإيراني عبر الغارات الإسرائيلية المتعاقبة في مختلف الأراضي السورية، أو التوتر السائد في منطقة شرق المتوسط، والتي تتعلق أيضاً بمستقبل تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا مستقبلاً.
في تصريح لمركز “سيتا“، يقول الأستاذ سلمان شبيب، رئيس حزب سوريا أولاً المعارض، إن “زيارة الوفد الروسي عالي المستوى تأتي بعد إعادة تقييم روسية لطبيعة الحضور الروسي في سوريا والإنتقال من مرحلة العمل العسكري إلى العملين السياسي والإقتصادي مع ضرورة رسم خارطة طريق للعمل المشترك في ضوء الإتصالات الروسية متعددة الإتجاهات والمحاور خلال الفترة السابقة، وفي ضوء الفعالية المتجددة للدور الأوروبي من ملفات المنطقة الملتهبة والذي يحظى بدعم أمريكي وقبول من القوى الإقليمية.”
ويضيف شبيب “بإعتقادي، إن التحرك السياسي الروسي سيعمل على عدة محاور خلال الفترة القادمة بالتنسيق مع الدولة السورية، وهو ما تم بحثه خلال الزيارة، كتثبيت الهدنة الميدانية القائمة، وتفعيل عمل اللجنة الدستورية ودخولها في جوهر مهمتها، والدفع لإعادة الحرارة إلى خطوط الحوار بين الحكومة والقوى الفاعلة شمال وشرق سوريا، مثل حركتي قسد ومسد والإدارة الذاتية، إذ أنني أتوقع أن يتم الحوار قريباً. بالإضافة إلى ذلك، يجري العمل على إشراك المكون الكردي بالنشاطات والجهود السياسية المرتقبة، ناهيك عم محاولة إعادة التواصل التركي – السوري في المجالين الأمني والسياسي، إذ من الممكن أن نشهد لقاءات قريبة بين الطرفين، كما يوجد هناك تشجيع للحَراك الفرنسي من أجل تسهيل مهمته لإعادة إحياء الدور الأوروبي الضروري لا سيما لمعالجة ملفات المنطقة وخلق توازن مع للأدوار التركية والإيرانية”.
أهمية التوقيت
تأتي زيارة الوفد الروسي في وقت تشهد فيه سوريا أزمة خانقة فاقمتها العقوبات الإقتصادية، وآخرها تلك التي فرضتها واشنطن بموجب “قانون قيصر”، منذ يونيو/حزيران الماضي (2020). هذه الأزمة تعد الأكثر شدة على الدولة السورية، إذ يرى باحثون سياسيون بأن زيارة الوفد لها بعد إستراتيجي الذي يعطي للمجال الإقتصادي أولوية ونقطة أساسية في جدول أعمال المباحثات إنطلاقاً من مواجهة سوريا للعقوبات، ودليل على دخول المرحلة الجديدة في حل الأزمة السورية وتحويلها من حرب عسكرية نحو الحل السياسي.
إن حضور بوريسف في سوريا دليل آخر على تنسيق روسي – سوري أكثر وأعمق دبلوماسياً وسياسياً لأن المرحلة الجديدة تطلب تنسيق أعمق بخصوص استمرار مناقشات الحل السياسي. هذه الزيارة جاءت في توقيت انتقال سوريا من زمن الحرب والمتغيرات إلى زمن التحولات الكبرى ستفرضها موازين القوى في ناتج الحرب التي ستنعكس على المنطقة والعالم لذلك كان لا بد من تعزيز هذا التحالف الإستراتيجي.
وحول ذلك، يرى الأستاذ شبيب أن الزيارة “تؤسس لمرحلة جديدة أكثر فعالية من الحضور الإقتصادي الروسي في سوريا خاصة بعد حزمة المشاريع التي تم التوافق عليها وتؤسس لإنطلاق قطار الحل السياسي من ضمن مناخات التهدئة التي دخلتها المنطقة وانتقال التوتر إلى مناطق أخرى ليست بعيدة لكنها من ضمن ملفات جديدة، مثل التوتر بين تركيا وكل من اليونان وقبرص وليبيا وجورجيا وبيلاروس.”
أخيراً، إن زيارة الوفد الروسي هي للتأكيد على أن عجلة الإقتصاد ستنطلق بالتوازي مع مكافحة الإرهاب، حيث أبدت موسكو تعاونها المطلق من دمشق مرسلة بإشارات إلى محور واشنطن مفادها أن دعم أية حركات للتقسيم لن تمر، يقابلها فتح الباب على مصراعيه لجهة الحوار البناء على أن تكون راعية له وضامنة لأي طرف من الأطراف.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصورة: سبوتنيك.
موضوع ذا صلة: هل تحافظ روسيا على مبدأ “الأسد أو لا أحد”؟