شارك الخبر

هاني الظليفي*

من المقرر أن يتوجه الشعب الروماني للإدلاء برأيه عبر الإستفتاء المزمع إجراءه، يومي 6 – 7 أكتوبر/تشرين الأول 2018، والذي من خلاله سيتم استدعاء الرومانيين للإجابة على السؤال التالي: “هل توافق على قانون تعديل دستور رومانيا بالشكل الذي يعتمده البرلمان؟”

لكن ما هو هذا التعديل المبهم الذي يشير إليه سؤال الإستفتاء؟

ينص القانون الذي اعتمده البرلمان على أن الدستور الروماني سينقح بحيث تعرَّف الأسرة على أساس الزواج بين رجل وامرأة، بدلاً من النص الحالي للدستور الذي يقر بأن الزواج يقوم على الزواج بين زوجين، أي أنه يعطي بطبيعته صفة مدنية للزواج، بحكم أن الدولة علمانية، فالدستور الروماني قائم أساساً على الدستور الفرنسي للجمهورية الخامسة.

وكانت الحكومة الرومانية، التي من المفترض أنها حكومة يسارية، قد خصصت، يوم الثلاثاء 18 سبتمبر/أيلول المنصرم (2018)، مبلغ 35.2 مليون يورو من أموال الصندوق الإحتياطي الحكومي لتنظيم استفتاء لتغيير تعريف الأسرة في الدستور الروماني على أعقاب قرار المحكمة الدستورية الرومانية، الذي صدر في 17 سبتمبر/أيلول، بأن القانون الذي اعتمده مجلس الشيوخ الروماني لمراجعة تعريف الأسرة في الدستور يحترم الأحكام الدستورية. وكان قرار المحكمة الدستورية الخطوة الأخيرة قبل تنظيم الإستفتاء لتغيير الدستور، وعليه ستتم الدعوة للإستفتاء المشار إليه لتقرير ما إذا كان يجب تغيير المادة الحالية في الدستور الذي يخص العائلة.

ويعتبر الإستفتاء على مراجعة الدستور، والذي يبدو مستعجلاً بشكل مريب، موضوعاً ساخناً ومثيراً في رومانيا اليوم، وحديث الشارع والصحافة ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي على شبكة الإنترنت، حيث يبدو أن الرأي العام منقسم حياله.

وتأتي أهميته لأنه يعبر عن امتداد للتجاذبات السياسية بين الحكومة المحسوبة على الجناح اليساري، الذي يدعم بالعادة التوجهات المؤيدة لحقوق الأقليات ومن ضمنهم الأقليات الجنسية ومعها المتدينين ورجال الدين من الكنيسة الرومانية الأرثوذكسية، من جهة، وبين المعارضة الليبرالية ومنظمات المجتمع المدني المؤيدة لحقوق المثليين من جهة أخرى. وبالتالي، في حال نجاح الإستفتاء فإنه سيغلق الباب أمام أية إمكانية لزيجات من نفس الجنس في البلاد، وبوجه مطالب مثليي الجنس بالإعتراف بالزواج المثلي أسوة ببعض دول الإتحاد الأوروبي الغربية التي منحت أولئك الحق في الزواج وتبني الأطفال. هذا من شأنه أن يجعل الزواج من نفس الجنس مستحيلاً في رومانيا، مما يشكل تحدياً للتوافق مع سياسات الإتحاد الأوروبي في هذا الصعيد، وتماشياً مع الموجة الشعبوية الجديدة المشككة بالإتحاد الأوروبي وقيمه الليبرالية.

وبالواقع، فقد جاءت مبادرة تعديل الدستور والترويج لها في الشارع الروماني والكنائس منذ العام 2015، حين قامت منظمات غير حكومية تدعى “التحالف من أجل العائلة”، والتي تدعو إلى القيم العائلية التقليدية، بجمع 3 ملايين توقيع من أجل إطلاق عملية تغيير الدستور بهدف إلغاء نص الزواج من نفس الجنس وجعله غير قابل للتحقيق قانونياً. وقد عمل هذا الإئتلاف، وهو أساساً تحالف علماني غير رسمي مكون من أكثر من 40 منظمة غير حكومية لا تتمتع بشخصية قانونية تدعم الأسرة ويضم العديد من المنظمات غير الحكومية الدينية والمحافظة وبعضها لها علاقات قوية مع الكنيسة الرومانية الأرثوذكسية (غالبية الكنيسة في رومانيا، 81٪ من السكان)، على توقيع بروتوكولات مع جميع الأحزاب الرومانية الرئيسية من مختلف الأطياف السياسية. وقد ساعدهم الوصول إلى شبكة من العلاقات والموارد المالية في جمع التواقيع اللازمة لبدء التغيير الدستوري، والقيام في خريف العام 2017 بتنظيم جولة في جميع أنحاء البلاد بهدف تعزيز القيم العائلية والمسيحية. كان الضيف الرئيسي كاتب مقاطعة روان بولاية كنتاكي الأمريكية، كيم ديفيس، الذي اشتهر في العام 2015 بتحدي قرار المحكمة الفدرالية القاضي بإصدار وثائق الزواج للمثليين والمثلييات، فامتنع ومنع زملائه من القيام بذلك أيضاً بعد أن تم تقنين زواج المثليين في عموم الولايات المتحدة الأمريكية والذي أعلنه الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، ووصفه بأنه “انتصار لأمريكا.. وانتصار للحب”.

وعلى أعتاب الإستفتاء القادم، تتظافر الجهود لتمرير الإستفتاء بدعم كبير من الكنيسة الأرثوذكسية الرومانية، حيث صرح البطريرك دانييل، رئيس الكنيسة الرومانية الأرثوذكسية في 29 سبتمبر/أيلول، أن المشاركة في هذا الإستفتاء هي “عمل وطني وديمقراطي بعمق” يهدف إلى الدفاع عن الزواج بين رجل وامرأة. وانتقد أولئك الذين لا يدعمون مبادرة تغيير الدستور وتحدثوا عن اجراءات “للمقاطعة والعدوان على الإستفتاء بشكل غير عادل”، وقد مرر الكهنة في جميع أنحاء البلاد هذه الرسالة إلى رعيتهم بعد خدمة صلاة الأحد. وبحسب ما ورد فقد غضب كاهن في كونستانتا حين بدأ بعض الناس في مغادرة الكنيسة بينما كان يقرأ الرسالة المؤيدة للإستفتاء قائلاً إن أولئك الذين لا يذهبون إلى الإستفتاء “ليسوا بمؤمنين مسيحيين أرثوذكس حقيقيين”.

كما بدأ الكهنة بالذهاب إلى اجتماعات بين الآباء والمدرسين في المدارس الرومانية لحثّ الآباء والأمهات على الذهاب إلى الإستفتاء والتصويت بـ “نعم” لتغيير الدستور. كما بدأت تظهر لوحات إعلانية تحتوي على رسائل تحث الناس على الذهاب على الإستفتاء في المدن الكبرى، كما ينشط أتباعهم في حملة ترويجية يشارك فيها عدد من البلديات والمسؤولين المحليين ومتطوعين لتوزيع منشورات تدعو الناس إلى “الدفاع عن أطفال رومانيا”، وفي بعض المدارس الرومانية يتلقى الأطفال منشورات، ويقوم المعلمون بحث الطلاب وأولياء أمورهم على الذهاب والتصويت بـ “نعم”، هذا من جهة.

من جهة أخرى، حث أسقف الكنيسة الرومانية الأرثوذكسية، لورينتسو ستريزا في العاصمة بوخاريست، رعايا الكنيسة وكافة المؤمنين لحضور الإستفتاء للعائلة التقليدية، وجادل في موعظة له ألقاها في أحد أديرة مقاطعة سيبيو مؤكداً على رعايا الكنيسة بأن الإقبال الشعبي سيكون له أهمية حاسمة وكبرى، إذ أنه في حال لم يشارك ستة ملايين شخص على الأقل فيه، فلن يكون له أية صلاحية قانونية. كما أشار الأسقف إلى أن “الكنيسة لن تزوج المثليين أبداً”، وجادل بأن هؤلاء المثليين سوف يطلبون بالحق في الزواج لاحقاً وأنهم “سيأخذون أطفالنا لأنهم لا يستطيعون إنجاب الأطفال”.

وبيَّن أنه دعا جميع رجال الدين لمرافقة رعاياهم انطلاقاً من الكاتدرائيات والكنائس بعد صلاة يوم الأحد مباشرة إلى مراكز الإدلاء بالأصوات من أجل إنجاح الإستفتاء الذي يحتاج 30٪ من مجموع المواطنين الذين لديهم حق التصويت بعد أن أعلنت الهيئة الدائمة للإنتخابات إدراج أسماء 18.9 مليون ناخب في سجل الإنتخابات، وبذلك يتطلب تصويت أكثر من 5.6 مليون ناخب لإنجاح الإستفتاء.

وكان مجلس الشيوخ في رومانيا قد اعتمد، في 11 سبتمبر/أيلول، مسودة القانون لتغيير تعريف الأسرة في الدستور، إذ كان تصويته بمثابة “الخطوة الأخيرة” قبل تنظيم الاستفتاء، والذي يحظى بدعم الإئتلاف الحاكم الذي يقوده الحزب الديمقراطي الإجتماعي، حيث أعلن ليفنيو دراغنيا، زعيم الحزب الحاكم، أن الإستفتاء سيكون “لحظة حاسمة للقيم الأساسية للمجتمع الروماني”، مضيفاً أنه سيصوت للعائلة، بالمعنى التقليدي للكلمة.

وكان قد صوت 107 من أعضاء مجلس الشيوخ، من الحزب الديمقراطي الإجتماعي وشريك التحالف الأصغر التحالف من أجل الديمقراطية وكذلك من الحزب الليبرالي الوطني وحزب الإتحاد الهنغاري، لصالح هذه المبادرة في حين صوت النواب من حزب الإتحاد لإنقاذ رومانيا (USR) المعارض ضدها. من جانب آخر قالت منظمة العفو الدولية بأن رومانيا تخاطر بخرق التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان إذا غيرت تعريف الأسرة في الدستور، حيث صرح باربورا سيرنوساكوفا، ممثل منظمة العفو الدولية في رومانيا، بأن إعادة تعريف الأسرة قد يؤدي إلى التمييز ضد المثليين، وبترسيخ “وصمة عار” وإثارة العداء تجاههم، مضيفاً أن المنظمة الذي يمثلها ستتقدم إلى المحكمة الدستورية بمذكرة ستوضح فيها أن هذا التغيير يمكن أن يؤدي إلى انتهاكات للمعايير الدولية في هذا الشأن.

وبينما يعد الزواج من نفس الجنس غير مسموح به في القانون المدني الروماني ولا يملك الأزواج من نفس الجنس أية حقوق لا سيما وأن الشراكة المدنية لم يحددها القانون بعد على الرغم من وعود السياسيين المحليين. بينما تلعب الكنيسة الرومانية دوراً بارزاً هي أيضاً ضد شرعية الشراكات المدنية، فقد أصبحت الدنمارك، منذ أكتوبر/تشرين الأول 1989، أول دولة أوروبية تعترف قانونياً بالعلاقات المثلية على شكل “شراكة مسجلة”، وهذا ما أعطى من هم في علاقة مثلية “معظم حقوق المتزوجين من الجنسين، ولكن ليس الحق في أخذ او الحصول على حضانة مشتركة لطفل.” غير أنه وفي العام 2001، أصبحت هولندا أول بلد يسمح بزواج المثليين بعد أن اعتمدت هولندا شراكة مفتوحة للمثليين، العام 1998، فكانت أول بلد يقر الزواج المدني لمثليي الجنس، في أبريل/نيسان 2001، مانحة مثليي الجنس نفس التزامات وحقوق الأزواج العاديين ومن بينها الحق في تبني أطفال. ومع فرنسا، أصبح زواج مثليي الجنس مشروعاً في 14 دولة أوروبية معظمها تسمح لهم بتبني أطفال، بينما يبلغ عدد الدول التي تجرم العلاقات المثلية قرابة 76 بلداً ومنها دول أوروبا الشرقية، المجاورة لرومانيا وروسيا وتركيا وجورجيا، وغيرها.

هذا ولقد أظهرت دراسة، أجراها مركز “بيو” للأبحاث لقياس توجه الرأي العام الروماني بخصوص زواج المثليين، أن 26% من المجتمع الروماني يؤيد ذلك بينما يعارضه 74%. ومن الجدير ذكره هنا أن الكثير من الأوساط الشبابية والأكاديمية والمعارضين الليبراليين يكافحون لإفشال الإستفتاء، الذي تم تمديده ليومين في سابقة من نوعها، معلنين عن استنكافهم عن المشاركة فيه محتجين بغموض السؤال الذي يطرحه.

ويعتبر العديد من المسيحيين المعتدلين أن الإستفتاء هو “مضيعة للمال” كونه سيكلف الدولة الرومانية 35 مليون يورو كان يمكن أن تنفق على ما هو أجدى للشعب، مشككين بنوايا الحكومة من وراء هذه الصياغة المبهمة كونها ستكون أداة تسمح للحكومة بتشتيت الرأي العام عن فضائح الفساد العديدة التي يشارك فيها حزب الأغلبية. أما الطرف المعارض للإستفتاء، من مؤيدي حقوق المثليين، فليس لديهم استراتيجية محددة رابحة من أجل مقاومة التغيير المقترح عدا ما يستوجبه الدستور من تحقق شرطين للإستفتاء؛ أولهما، تعبيره عما نسبته 30٪ من المواطنين الذين لديهم يمتلكون الحق في الإقتراع ضمن تصويت صحيح في الإستفتاء، أي حوالي 6 ملايين مشارك. والثاني، موافقة الأغلبية البسيطة من المشاركين على ذلك التغيير.

لذلك، ستقوم معظم المنظمات غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان بمقاطعة التصويت، وستحث مؤيديها والناس على المقاطعة أيضاً، غير أن فرصة نجاحهم تبدو ضئيلة نظراً لقوة الحملة والدعم الحاسم من جانب رجال الدين.

في حادثة موثقة، كان رجلان مثليا الجنس، أحدهما روماني والآخر أمريكي، قد تزوجا في بلجيكا، العام 2016، وقد قاما برفع قضية على الدولة الرومانية بعد عدم اعترافها بزواجهما، وقيام سلطات الإقامة بإلزام الرجل الأميركي المثلي بالحصول على تأشيرة سياحية من أجل تمديد الإقامة في البلاد لعدد محدد من الأشهر في كل مرة. وفي صيف ذاك العام، حكمت المحكمة الدستورية الرومانية بإلزام الدولة بالإعتراف بحق الزوجين في السفر بحرية داخل الإتحاد الأوروبي نظراً لكون الزواج تم في إحدى دول الإتحاد. كما أصدرت المحكمة حكماً يقضي بأن حقوق الزوجين تعتبر حقوق أسرة، بغض النظر عن جنس أعضاءها، وينبغي على الدولة أن تقوم بما يلزم لحمايتها سواء كان ذلك عن طريق الزواج أو الشراكة المدنية. هذا القرار حدد مسؤولية الدولة الرومانية لتقديم نوع من الإتحاد القانوني للأزواج حتى ولو كانوا من نفس الجنس.

من جانب آخر قررت محكمة التمييز والعدل الرومانية العليا، 1 أكتوبر/تشرين الأول، إعادة فتح قضية فساد بتهمة “إساءة استخدام السلطة ضد المصلحة العامة” تتعلق بخصخصة شركة عامة، إذ طال التحقيق فيها السيد ليفيو دراغنيا، زعيم الحزب الإشتراكي الديمقراطي الحاكم، بعد أن أغلق باب التحقيق فيها العام 2013، بناء على طلب المدعين العامين في الإدارة الوطنية لمكافحة الفساد الذين أظهروا بأن الأدلة “لم تعرض بشكل صحيح” في ذلك الوقت، وأن لديهم أدلة جديدة. وقد كان السيد دراغنيا قد تلقى حكماً بالسجن مع وقف التنفيذ، العام 2016، بتهمة الغش في الإنتخابات في استفتاء العام 2012 لفصل الرئيس السابق ترايان باسيسكو. وفي يونيو/حزيران 2012، حكم على دراغنيا بالسجن لمدة 3 سنوات و6 أشهر لإساءة استخدام المنصب، لكن القرار لم يكن نهائياً، إذ وجدت المحكمة أنه مذنب، لكن من المتوقع أن تقرر المحكمة قرارها النهائي في هذه القضية لاحقا.

يبدو أن السجال السياسي بين الحكومة، التي تحاول الإبتعاد عن الاتحاد الأوروبي وسياساته، والمعارضة الليبرالية، التي تحاول إسقاط الحكومة ويدعمها الإتحاد الأوروبي، مستمر في حلقات مثيرة إذ يعتبر هذا الاستفتاء أحدها. فهل ستكسب الحكومة وحلفاؤها هذه الجولة، كخطوة هجومية، وإلى أي مدى؟

هذا ما ستكشفه الأيام القليلة المقبلة.

*كاتب سياسي أردني

مصدر الصورة: lgl.lt – Pride Life Magazine


شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •