ربى يوسف شاهين*
تطورات عديدة شهدتها الساحة السورية سواء من الناحية السياسية أم العسكرية، ولكن اللافت في الأمر هو التوافق الحاصل بين إيران وتركيا، وخصوصاً وأن التوقعات كانت تميل إلى حدوث تضارب في المصالح بين البلدين، لكن ومع مرور الوقت اتضح العكس.
إيران الحليف القوي لسوريا، وخلال السنوات الثمان الماضية، أثبتت مدى قدرتها على تحمل مسؤولياتها تجاه دمشق، وشهدنا كيف تعاملت مع العامل التركي في الكثير من الملفات المتعلقة بمسار التطورات السورية، فلقد عملت على امتصاص أي خلاف من شأنه أن يؤثر في مجريات الأحداث السياسية وحتى الميدانية، لا سيما فيما يخص تنفيذ مخرجات “سوتشي” و”أستانا”. كذلك، لا يمكننا ان ننسى روسيا وكيف تعاملت بكل ذكاء مع إسرائيل في مسألة إسقاط طائرتها “إيل-20”.
التعاون مستمر بين تركيا وإيران وروسيا في إدلب، إذ لم نلاحظ تذمراً من الأتراك للتواجد الإيراني كما الحال مع الولايات المتحدة، وهذا دليل على أن ادعاءات واشنطن كاذبة. فهناك توافق إيراني – تركي على أن الميليشيات الكردية، في الشمال الشرقي السوري المدعومة أمريكياً، خطر قومي يهددهم وعليهم إبعاده، وخاصة بالنسبة إلى تركيا، إما إيران فهي تعمل على تنفيذ ما فيه المصلحة السورية.
“شبح” إيران و”التعنت” الأمريكي
تكثر مزاعم أمريكا لتبرير تواجدها في سوريا، فتارة لمكافحة الإرهاب المتمثل بوجود الجماعات الإرهابية، وتارة أخرى أنها تريد تحقيق السلام العادل والشامل للشعب السوري، ويضاف إليهما الخوف من التواجد الإيراني في سوريا، إذ سبق وأن صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، بأن “أمريكا تنوي البقاء في سوريا طالما بقيت إيران”، وما هدف كل تلك الإدعاءات إلا تهوين خسارتها.
في المقابل، تركيا قلقة من الدعم الأمريكي للكرد في الشمال الشرقي، وبالتالي إن سياستها في استمرار التعاون مع إيران يهدف إلى الإتفاق على أن مشكلة الميليشيات الكردية المدعومة أمريكياً يجب أن تحل، فالتأثير الأمريكي واضح على بعض الكرد السوريين.
من هنا، يمكن القول بأن العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة في حالة توتر بسبب الموضوع الكردي، يضاف إليه رفض أنقرة التطبيع مع واشنطن. نتيجة لذلك، عمدت أمريكا إلى فرض عقوبات على تركيا مما أدى إلى هبوط حاد في عملتها، وهذا الفعل بحد ذاته يحتم على تركيا الحفاظ على حالة التوافق مع إيران، ففكرة عزل تركيا ليست واردة لدى رئيسها، رجب طيب أردوغان.
أما مسألة تعويل تركيا على الولايات المتحدة للتخلص من الكرد فهذا غير وارد. من هنا، صرح الرئيس أردوغان بعد الإتفاق بشأن إدلب أن “تركيا ستتخذ اجراءات شرقي نهر الفرات في سوريا وفرض منطقة آمنة كما فعلت في الشمال الغربي من سوريا”، فيما كان البرلمان التركي قد وافق على إعطاء صلاحيات استثنائية للجيش ليستخدمها ضد الكرد في سوريا.
إحتمالات تركية قائمة
لا شك أن التعامل التركي مع اتفاق “سوتشي” هو الذي سيحدد المسار القادم. فإذا ما فشلت تركيا في تنفيذ الجزء الخاص بها من الإتفاق، سيشكل ذلك الحجة لكل من روسيا وإيران لإتخاذ القرار العسكري كحل لا بد منه، والذي بدوره سيجعل موقف تركيا صعباً تجاه هذين البلدين، وهذا ما لا تتحمله تركيا فمسألة الكرد تقلقها وكذلك قضية اللاجئين.
إن تركيا، وإن كانت تحاول رسم دور إيجابي لها في سوريا، تقوم بتنفيذ أجندة خاصة بها، فهي بلد معتدٍ وما مواقفها إلا تنفيذ لمصالح أمريكا وإسرائيل.
التباين في مواقف الأطراف الإقليمية والدولية
تحالفات عديدة شهدناها منذ بداية الحرب السورية، ولكن اللافت هو التباين في المصالح الإستراتيجية لمحور “أعداء سوريا”، الأمر الذي أدى إلى اختلافات في وجهات النظر أضعفت هذا التحالف، وانعكست بدورها، بشكل إيجابي، على الميدان السوري راسمة خارطة انتصارات على مختلف الجبهات، وهذا ما كان ليتحقق لولا ثبات الدولة السورية وحلفائها على الصعيدين العسكري والسياسي.
إن الإنكسارات التي منيت بها هذه الدول جعلتها تخطط لزرع الخلافات بين حلفاء سوريا، مثلما فعلت في الجنوب السوري من خلال الإدعاءات الأمريكية والإسرائيلية بوجود مستشارين إيرانيين في تلك المنطقة. صحيح أن هناك اختلافات في وجهات النظر بين روسيا وسوريا أو بين روسيا وإيران، وهذا أمر طبيعي، لكن الثبات في الأهداف والنوايا لتحرير سوريا من الإرهاب ماضٍ بكل قوة.
إن هذا التحالف القوي، بين حلفاء سوريا، أدى إلى نشوب خلافات بين قوى التحالف المعادي وأدواتهم على الأرض، وهو ما بدى واضحاً في مسارات الحرب من خلال الإقتتال الداخلي بين الفصائل والمجموعات الإرهابية.
في النتيجة وضمن ما سبق من معطيات، نجد أن التوافق المؤقت في المصالح والأهداف بين القوى في سوريا لن يبقى مستمراً، فمنطق المصالح السياسية سيفرض على كل هذه القوى أن تتجه في النهاية لتنفيذ خططها انطلاقاً من مصالحها الإستراتيجية، ما سيؤدي إلى حدوث تباين فيما بينها، الأمر الذي سيؤدي حتما إلى تصدعٍ في المسارات السياسية والعسكرية المرتبطة بالحرب على سوريا.
*كاتبة وإعلامية سورية
مصدر الصور: USA Today – ABC News.