الحرب في أوكرانيا لها العديد من الآثار السلبية على أوروبا. إحدى هذه النتائج أزمة الثنائي الفرنسي الألماني في الوقت الذي يحتفل البلدان بالذكرى الستين لمعاهدة الإليزيه، التي وقعها الجنرال ديغول وكونراد أديناور في 22 يناير 1963. السؤال المطروح في هذه الأثناء على خلفية الحرب الأوكرانية هو مصير العلاقات بين فرنسا وألمانيا، وعلاقات هذان البلدان بالولايات المتحدة الأمريكية. عملت هذه الأخيرة بنشاط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية للسيطرة على ألمانيا، كان هدف الولايات المتحدة هو منع أي تقارب بين الألمان والروس. تجدر الإشارة إلى أنه وراء الحرب في أوكرانيا، هناك أيضاً تحدٍ يتمثل في إضعاف ألمانيا القوية اقتصادياً، والتي تهيمن على أوروبا، والتي تهمش دولاً أخرى في الاتحاد الأوروبي.
أقامت ألمانيا تحت حكم جيرارد شرودر وأنجيلا ميركل اتفاقيات الغاز الهامة مع روسيا. اعتقد الألمان أن بإمكانهم الاستفادة من الحماية الأمريكية، ثم إيجاد اتفاقيات الغاز الاقتصادي مع روسيا ومن ثم إدارة أوروبا. يضع العديد من الأوروبيين في هذا السياق انفجار نورد ستريم 2 كشكل من أشكال تحدي الأمريكيين للألمان والروس، بالتعاون مع البريطانيين والبولنديين. طبعاً هذه ليست الأطروحة الرسمية في أوروبا، على الأقل في وسائل الإعلام الرسمي. بالنسبة للمفكر الفرنسي إيمانويل تود: هوس الأمريكيين نورد ستريم 2، إرادتهم بعزل المانيا عن روسيا يجعل من الولايات المتحدة الأمريكية المشتبه الأول في هذه العملية. يتذكر البعض في أوروبا كيف حاول الرئيس دونالد ترامب مرارا عديدة منع انشاء نورد ستريم 2.
إن ما تكشفه الحرب في أوكرانيا للألمان هو أمر مروع.. يكتشف الألمان أن حاميهم الأمريكي هو في نفس الوقت عدوهم عدوه. هذا يضع ألمانيا كقائدة لأوروبا في صعوبات غير مسبوقة، وبالتالي بقية أوروبا. لذلك تستنتج ألمانيا أن الحامي الأمريكي يشن حرباً بلا رحمة ضدهم من خلال الحرب في أوكرانيا، من ناحية أخرى علاقاتهم مع روسيا ليست مرضية.. علاوة على ذلك، فإن إسقاط ألمانيا يعني ببساطة إسقاط أوروبا.
يجب على فرنسا أن تتفهم الوضع المأساوي الذي يعيشه حاليا شريكها الألماني. إن ترك ألمانيا تتورط في مواجهة مباشرة مع روسيا عمل غير مسؤول على الإطلاق.. أن ترك المانيا تتهاوى قد يؤدي إلى تهاوي الاتحاد الأوروبي، وخلق اضطرابات داخلية تكون نتيجتها زعزعة هذا الأخير.
الحرب الدائرة في أوكرانيا هي حرب اقتصادية بحتة. هذا الشكل من الحرب يكاد يكون أكثر خطورة من الحرب العسكرية. تعكس هذه الحرب الاقتصادية على الصعيد العالمي خوف الولايات المتحدة التي تدرك أن العالم يمكن أن يعيش مالياً بدون الدولار. في هذه الحالة يمكن أن ينهار الاقتصاد الأمريكي ومعه ينهار اقتصادات المعسكر الغربي.
يجب التنويه أن كان لدى الأمريكيين قوة ناعمة هائلة عندما مثلوا الازدهار والديمقراطية الليبرالية، لكنهم اليوم ضعفاء للغاية.
ضعف الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية هو أحد الأسباب التي شجعت الرئيس فلاديمير بوتين على إعلان الحرب على أوكرانيا. لقد شعر بالقوة الكافية لأسباب تتعلق بالتكنولوجيا العسكرية، ولأنهم يرون أن الولايات المتحدة قد ضعفت. وتراجعت بشكل جدي على الساحة الدولية خصوصا بعد خروجها من أفغانستان. رغم ذلك أخطئ الروس في التقدير خصوصا عندما اعتقدوا أن الحرب في أوكرانيا ستحسم بوقت قصير لصالحهم.
يبدو أن العالم كله يشهد ويعي تراجع الولايات المتحدة باستثناء الأوروبيين الذين ما زالوا في حالة إنكار قاتلة.. بينما يركز الأمريكيون في الوقت عينه جهودهم على السيطرة على محمياتهم السابقة، والتي تعد أوروبا جزءًا منها. يتلاعب القادة الأمريكيون عاطفيًا بالأوروبيين من خلال إظهار أنهم مصدومون للغاية من غزو روسيا لأوكرانيا، لكنهم يخفون على سبيل المثال، عمدا حروبهم في أفغانستان والعراق وفي مناطق أخرى في العالم.
أخيراً، لفهم العواقب الكارثية للحرب الأوكرانية على أوروبا بشكل أفضل، من الضروري أخذ إنكلترا في عين الاعتبار باعتبارها حالياً المؤشر الأوروبي بامتياز.
تشهد إنكلترا حالياً انخفاضاً في النمو، ومتوسط العمر، وانهياراً لنظام المستشفيات، وانهياراً للاقتصاد، وهبوطاً بنسبة 7٪ في مستوى المعيشة. في مثل هذا المنظور، السؤال هل الحرب في أوكرانيا ستدمر أوروبا؟ هل آخر حروب الولايات المتحدة ستكون في أوروبا؟
مصدر الصورة: tfiglobalnews.
إقرأ أيضاً: هدنة سلام.. تجاوز الخلافات الأساسية بين ألمانيا وفرنسا
صحفي مستقل – متخصص في الشرق الأوسط وأوروبا – باريس