سمر رضوان*

بينما يجري الإعداد والتحضير لعقد قمة رباعية، في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2018، يبدو أن الجبهات الدولية محتدمة في مجملها، أبرزها زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون إلى موسكو في وقت تريد فيه الولايات المتحدة الإنسحاب من المعاهدة النووية المشتركة مع روسيا، والتحضير لعقد لقاء ثنائي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في تركيا قبيل انعقاد القمة الرباعية حول سوريا.

ملفات كثيرة، خلافات وتوافقات، رؤساء دول تنشط في معالجة القضايا الأكثر احتداماً والأشد خطورة، ولعل الملف السوري هو الذي يترأس جولات المحادثات تلك أينما عقدت.

من المتوقع أن تضم القمة الرباعية، المزمع عقدها في مدينة اسطنبول التركية، كل من روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا لبحث الأزمة السورية، أو كما وصفتها المستشارة الألمانية انجيلا ميركل بـ “بحث النزاع السوري” الذي اعتبرته “هشّاً”، فيما تتربع مدينة إدلب على قائمة جدول أعمالها، ظاهرياً، خصوصاً وأن “قمة سوتشي” الأخيرة، بين روسيا وتركيا، قد سبق وأن حددت معالم الحل الذي دخل حيز التنفيذ بالفعل. وعلى الرغم من رفض بعض الفصائل الإرهابية تنفيذ بعض البنود، إلا أن الأوساط المعنية أعلنت أن الاتفاق لا يزال سارياً ومعمولاً به. فما جديد هذه القمة الرباعية؟ وإلى ماذا يرمي الغرب من ورائها؟!

وفي فترة سابقة، دعا الرئيس التركي أردوغان، وتحديداً في 7 سبتمبر/أيلول 2018، إلى عقد قمة حول سوريا، ولكنها لسببٍ ما لم تبصر النور، ليعود الحديث عن القمة الحالية التي ستناقش أبرز ملفين وهما عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، لتأتي إدلب في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية. بالنسبة للغرب، هناك عدد من المسائل المقلقة والتي تتمثل في الخوف على خروجهم من “الكعكة” السورية صفر اليدين، إضافة إلى وضع “الجهاديين” الأجانب الذي يمس الأمن القومي الغربي في الصميم كون أغلب تلك البلدان ترفض عودتهم إليها مجدداً. وهنا يأتي السؤال البديهي: إذا كانت اوروبا، تحديداً، قلقة من عودتهم، فلماذا ترفض محاربتهم من قبل الدولة السورية والتخلص منهم؟!

في المقابل، تبدو الدولة السورية جادة في حربها على الإرهاب، فلقد أعلن وزير الخارجية والمغتربين، وليد المعلم، أن “كل المناطق ستعود إلى الوطن الأم”، مستبعداً تماماً موضوع التقسيم، في رسالة واضحة من الجانب السوري مفادها: أن الطرف الرافض للحل السياسي سيكون الحل العسكري بإنتظاره.

إذاً، كل المؤشرات تقول إن هناك مسعى أوروبياً جاداً للإنخراط في الحل السياسي على الرغم من “ضيق الخناق” الأمريكي عليهم. إن ما تتحمله أوروبا في ظل أزمتها الاقتصادية، تترافق معها كلفة استضافة عشرات آلاف اللاجئين، الأمر الذي يعد حملاً يثقل كاهلها، فهي تريد حسم هذه الملفات وبأسرع وقت ممكن.

من هنا جاءت المشاركة الفرنسية في هذه القمة بطلب من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لبحث كل هذه التطورات وعلى رأسها ملفي اللاجئين وإعادة الإعمار، فيما مسألة إدلب باتت “تحصيل حاصل”. فإن كانت إدلب اولوية للأوروبيين كما يدعون، فلماذا لم يتم تحديد مصير تنظيم “جبهة النصرة”؟ ولماذا لم يحسم هذا الملف حتى الساعة؟ على عكس روسيا التي تريد مساعدة سوريا في إنهاء حالة الإرهاب والإلتفات إلى القضايا الأهم والتوجه نحو الجانب الإقتصادي لإعادة سير العجلة الإقتصادية التي ستدر خيراً على الجميع؟

من هنا، يمكن القول إنه كلما حاولت الدول الأوروبية التقرب من وجهة نظر روسيا فيما يخص عملية مكافحة الإرهاب، تحاول الولايات المتحدة الأمريكية عرقلة أي جهد مبذول للوصول إلى حل. فهي من جهة تحاول إطالة أمد النزاع، ومن جهة ثانية تحاول التحكم بالدول الأوروبية عبر فرض املاءاتها عليها كلما تطلب الأمر ذلك. فعلى الرغم من اقتراب ساعة حسم الصراع لصالح الدول السورية، لا تزال واشنطن تراهن على ملفات لن يكتب لها النجاح من قبل، كموضوع الفدرلة، ودعمها اللامحدود للكرد وإنشاء جيش متواضع على غرار “قسد”، وبناء القواعد العسكرية في مناطق شرقي الفرات، إضافة إلى إدخال العامل الإنساني بحجة وقوفها إلى جانب الشعب السوري، غير أن بعض الشواهد، كمخيم الركبان في الأردن والذي يعيش فيه آلاف السوريين في وضع مزرٍ، تشير بوضوح إلى أن هذا الجانب غير موجود على أجندة الولايات المتحدة الأمريكية، على الأقل في الوقت الحالي.

بالنسبة إلى القمة المنتظرة، فقد يكون لواشنطن دور فيها عبر مشاركة ثلاث دول حليفة لها (ألمانيا – فرنسا – تركيا). إلا أن ما يطمئن هو حضور روسيا ومشاركتها في كل المحادثات الدولية والإقليمية، وهي التي عطلت وما تزال تعطل المساعي الرامية إلى استمرار النزاع السوري، بحيث أصبحت خبيرة في عملية “سحب البساط” من تحت أرجل الأمريكيين. فكلما خططت واشنطن نسفت روسيا مخططاتها. لقد أثبت الجانب الروسي أنه لاعب محترف ومتمرس على مختلف الجبهات، بينما أثبتت التجارب الميدانية تعثر الجانب الأمريكي في إدارته للأزمات فهو، وحتى الآن وبالرغم من كل ما يقوم به، لم يستطع تحقيق أية انجازات تتناسب مع حجمه كقوة عظمى.

*المدير التنفيذي في مركز “سيتا”

مصدر الصور:  H24info – أخبار الآن.