تتحرك روسيا بكل ثقة نحو بسط المزيد من مقومات الحسم العسكري ضد أعدائها وبخيارات ردع استراتيجي ظاهر على اراضيها وواضح حتى خارجها وهي بذلك تبين مدى تحكمها في مقومات ضمان انتصاراتها الحاسمة والشاملة عسكرياً وحتى سياسياً واقتصادياً.
أما الانتصارات الاقتصادية فهي واضحة وجلية بفشل العقوبات الغربية التي كانت موجهة ضد روسيا وضد اقتصادها، خاصة وأن هذه العقوبات يمكن تصنيفها في خانة أخطر تحالف اقتصادي معادي مر به العالم، لكن وبالرغم من كل ذلك ولحد الآن لم تُعطِ هذه العقوبات نتائجها المرجوة قدر ما فضحت ضعف تماسك المنظومة الغربية، بل والأكثر من ذلك أن هذه العقوبات صارت بنتائج عكسية وجد سلبية في غير صالح بعض الدول التي تحسب على الحلف الغربي، مما عجل ببروز خلافات واضحة بسبب التبعات المرتدة لعقوبات كانت غير متوازنة من حيث الآثار المحتملة ضد مطلقي هذه المقترحات فبانت الاختلالات للعلن، لتنجح بذلك روسيا بشكل مضاعف.
أول هذه النجاحات يتمثل في قدرة روسيا على إظهار صمود اقتصادي كبير، وثانيها هو تمكنها من تجاوز تبعات العقوبات المكثفة بحنكة اقتصادية وبدهاء سياسي لتؤكد على تماسك اقتصادها وانسجام برامجه ومخططاته لدرجة جعلت من نتائج العقوبات آثاراً مرتدة ضربت عمق التماسك الغربي في ظل ما تمتلكه روسيا من خيارات بديلة مهدت الطريق لفضح ضعف التحالف الغربي أمام تناقض مصالحه وأطماعه وحتى تعارض اهداف دول مهمة ومحورية من داخله، لدرجة أن الرئيس الأمريكي صار يعيد طرح قضية تماسك الحلف الغربي دون أن يسأله أحد عن ذلك، وآخر مرة كانت عند لقائه بالرئيس الأوكراني في واشنطن، فهل يقدم الرئيس الأمريكي بحديثه عن تماسك الحلف الغربي تطمينات لنفسه أم لضيفه أم لذر الرماد على العيون؟ أم أن التماسك عملة مفقودة لدى الغرب لدرجة أنها تتكرر في الخطابات السياسية وفيما يتبعها من تحليلات إعلامية؟
أما الانتصارات السياسية فأهمها يرتبط بما سبق ذكره عن تراجع التماسك الغربي الذي أضعفته المصالح الاقتصادية المتعارضة، كما يمكن قياس كل ذلك من خلال جانبين أساسيين، الأول يتمثل في تماسك الوضع الداخلي الروسي وزيادة مستويات إدراك أهمية وأولوية التعددية القطبية حتى لدى شعوب أخرى من مختلف قارات العالم بما يدعم الخيارات الروسية، أما الجانب الثاني فيتجلى في نمو موجات المعارضة الشعبية في بعض الدول الأوروبية ضد توجهات حكوماتها التي تمارس سياسة الطاعة المطلقة لتوجهات ليست أوروبية وفي غير صالح شعوب أوروبا، خاصة تلك التي مصدرها من وراء المحيطات وهي خاضعه لدوافع الهيمنة الأمريكية التي بدأت تفقد توازنها وهي دون حدها الأدنى الكفيل بضمان تقاطع المصالح الغربية، لتظهر بعض المحاولات الانقلابية في أوروبا، ولتتصاعد معها حملات الرفض الشعبي لسياسة معاداة روسيا باعتبارها دولة أوروبية بالأساس ولها أهمية استراتيجية في مختلف التعاملات الاقتصادية البينية بالنسبة لاقتصاد أوروبا.
أما الانتصارات العسكرية الروسية فيمكن التعبير عنها من خلال مؤشر تزايد حجم المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا مقابل ثبات الجاهزية القتالية للقوات الروسية وما أعلنه الرئيس الروسي بوتين بخصوص الثالوث النووي الروسي الذي أرعب الجميع لدرجة ان هناك حديث عن مطالب أوكرانية وجهت للغرب وللولايات المتحدة الامريكية تحديدا تسألها الدخول في المواجهة بشكل مباشر دون تردد، لأن الضربات الروسية فتكت بمنظومة الدفاع الجوي وفتحت أبواب الانتحار العسكري لأوكرانيا، التي طار رئيسها في زيارة مستعجلة للولايات المتحدة الأمريكية، فهل هي زيارة طبيعية في وضع عادي؟ طبعاً لا ام هي زيارة تاريخية ورمزية وعادية كما يحاول الاعلام الغربي تسويقها؟ أم أنها نداء استغاثة أخير قبل الهزيمة الحتمية أمام القوة الروسية على أرض المعركة، في ظل حرب قد تتحول في أي لحظة لأخطر ساحة للضربات النووية الاستباقية أو قد تحدث فيها تفجيرات نووية مفاجئة ناجمة عن استهداف المفاعلات النووية التي يفترض أن تكون بعيدة عن أهداف الطائرات والصواريخ الطائشة التي لم تحسب عواقبها وتبعاتها والمخاطر الحقيقية ومختلف الكوارث الحتمية جراء محاولات كسب انتصارات وهمية على أرض معركة يراد أن تكون مفتوحة على تطورات لا يمكن التكهن بنهاياتها، ما يؤكد بأن الخيارات الروسية هي الأعلى تكتيكاً والأكثر جاهزية لدرجة حركت منطق التهور العسكري النازي، وأكد صحة التواجد الغربي المباشر على أرض المعركة، فكم دولة تواجه روسيا على الأراضي الاوكرانية؟
أما عددها فهو كثير ومؤكد بوجود مشاركة ولو بالتسليح وبالمعلومات الاستخباراتية وبالمخططات العسكرية وحتى بتواجد الخبراء ميدانياً حسب بعض المصادر الإعلامية الروسية التي تواجه هي أيضا حملة إعلامية غربية فيها من التغليط المعلوماتي ما يكفي ليطلق عليه مصطلح الحرب الإعلامية، بداية من الترويج لنظرية عدم وجود مسؤولية غربية بخصوص ما يحدث على الاراضي الأوكرانية التي تحولت لساحة حرب اقليمية غير محسوبة العواقب والمآلات، خاصة وأن روسيا تمتلك اجهزة استخباراتية قوية قادرة على توفير المعلومات الكافية لاستيعاب كل ما يدور من أحداث عالمية واقليمية وما ورائها من مخططات مستقبلية، وهي تشتغل على مختلف الاصعدة بالتنسيق مع حلفائها التاريخيين، والبداية من بلاروسيا حيث المناورات والتكتيكات الحربية التي أعادت للأذهان أمجاد الاتحاد السوفياتي الذي تمكن من ردع النازية، التي صارت مباحة غربياً بغطاءٍ اصبح مفضوحا بشكل تلقائي للعالم ولمختلف الشعوب غرباً وشرقاً، فالحجج التي اعتاد الغرب على تقديمها حين التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومحاكماته غير العادلة للمجتمعات ولقياداتها، كل ذلك أسقطه الصمود الروسي في وجه الأحادية القطبية، وزعزعته استراتيجية الردع الروسي، لتتراجع بذلك الوصاية الغربية المطلقة التي كانت مفروضة على العالم، ولتعطي التطورات المتسارعة في الأشهر والأيام الأخيرة للعالم فرصة كفيلة بضمان التعددية القطبية المتوازنة والعادلة.
مصدر الصورة: ريا نوفوستي – تاس.
د. عمار إبراهيمية
كاتب وباحث – الجزائر