فراس الراعي*
إجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عدة مرات خلال السنوات القليلة الماضية، إضافة إلى إجراء العديد من الإتصالات الهاتفية. معظم هذه الإجتماعات والإتصالات تمحورت حول التنسيق في الحرب السورية، التي دخلتها روسيا العام 2015.
تسوية روسية – إسرائيلية
عندما أسقط الجيش السوري الطائرة الروسية “إليوشن – 20″، في سبتمبر/أيلول العام 2018، ألقى الرئيس بوتين باللائمة على إسرائيل التي لم تنسق مع القيادة العسكرية الروسية في الوقت المناسب، حيث اختبأت الطائرة الحربية الإسرائيلية خلف الطائرة الروسية متعمدة خلق وضع “خطير”، فإستهدفتها الدفاعات السورية بعد أن اختفت عن الرادار أمام سواحل اللاذقية حيث لقي 15 جندي روسي مصرعهم. لاحقاً، إستطاع كل من الرجلين تسوية الموقف، وتخفيف الكثير من التوترات التي تلت وقوع تلك الحادثة.
الصاروخ في قبضة الروس
في الآونة الأخيرة، ظهر تقرير إخباري صيني يشير إلى أن روسيا حصلت على صاروخ من نوعية الصواريخ الإعتراضية الاسرائيلية، أو ما يعرف بـ “مقلاع داوود” الذي أطلق لإعتراض صاروخ سوري بالقرب من الحدود السورية مع إسرائيل، يوليو/تموز العام 2018، من دون أن ينفجر، إذ يشير التقرير بنقله إلى موسكو لفحصه.
فمع اكتشاف روسيا للتقنية الصاروخية الإسرائيلية المتقدمة، تبرز العديد من الأسئلة المطروحة في دوائر السياسة الخارجية الآن هي: ماذا سيحدث هذه المرة؟ وكيف ستحافظ روسيا وإسرائيل على علاقات جيدة مع الكثير من القلق في المنطقة؟
في حالة ما إذا كان التقرير صحيحاً، من المؤكد أن إسرائيل ستكون قلقة لإحتمال قيام دولة معادية لها، كإيران، بالسعي إلى وضع يدها على مثل هذه التكنولوجيا لإنتاج نسختها الخاصة من هذا النظام. فهل يمكن أن تكشف روسيا لإيران عن تكنولوجيات هذا الصاروخ؟
يمكن القول بأن المصالح هي من تحكم في مثل تلك المواقف، وكما يُقال “في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة.” يمكن القول بأن الأمور كانت أفضل بينها عندما أُسقطت الطائرة الروسية لجهة التنسيق المستمر، والمحادثات إيجابية، غير أنها كانت منفصلة عن القرارات الإستراتيجية لموسكو التي دائماً ما تفتش عن مصالحها.
التأثير على الجميع
بالنسبة إلى سوريا، يمكن أن نقول بأن الرئيس بوتين إختار بوضوح الوقوف إلى جانب الرئيس السوري، بشار الأسد، والتقرَّب من محور دمشق – طهران. إلا أن سيد الكرملين لا يريد إظهار تحيزه بشكل علني؛ ولهذا السبب، يردد دائماً بأنه يدعم الحكومة “الشرعية” في دمشق. من خلال ذلك، سيطل بمظهر “الطرف الأقوى” خصوصاً وأن أغلب من يحيطون به هم أطراف ضعيفة.
على المقلب الآخر، سبق وأن أوضح نتنياهو إستمرار تأكيده على أن المصالح الروسية في دمشق لن تمنع أو تعوق أو تحد من جهود إسرائيل بتدمير محاولات إيران لإنشاء أو تثبيت آلة حرب ضدها وعلى مقربة منها، إلا أنه من المستحيل عليها أيضاً صياغة سياستها الأمنية دون أخذ روسيا وتواجدها بعين الإعتبار. بالتالي، يمكن القول بأن هناك جوانب إيجابية لهذا الأمر بمعنى أن موسكو قادرة على توصيل الرسائل لسوريا وإيران بسبب تأثيرها، وهو ما لا تستطيع إسرائيل تجاهله أو الإستخفاف به.
المطلوب توازن.. لا حل
عملياً، تحرج إسرائيل موسكو في كل مرة تستهدف فيها نقاطاً عسكرية في سوريا. برأيي، يأتي ذلك في وقت لا تشعر فيه كل من سوريا وإيران بأنهما حلفاء لروسيا وتقوم بحمايتهم من هذه الهجمات، التي تأخر، بشكل أو بآخر، تقوية النظام في سوريا، الذي يحاول أن يظهر نفسه بمظهر المنتصر والمتعافي من الحرب.
من جانب آخر يعتبر الروس وجود إسرائيل ميزة لهم لأنها بمثابة “الخط الساخن” مع واشنطن. والسؤال الذي قد يسأله العديد من الخبراء هو: ما لو دافعت روسيا عن إسرائيل إذا ما هاجمتها إيران مباشرة أم لا؟ هنا، يمكن القول بأن روسيا “ستراوغ” بطريقة دبلوماسية تقتنع بها إسرائيل لأن الرئيس بوتين سيكون حريصاً على تقديم حجج محورها محدودية القدرات الروسية في الوقوف إلى جانب اسرائيل.
ففي قراءة لتصريحات الرئيس الروسي السابقة عن إيران، ترى بأنه يعتبرها بلداً مستقلاً لا يمكن لأحد أن يتحكم بها. مرة أخرى، أعتقد بأن الرئيس بوتين سيبذل قصارى جهده لتحقيق التوازن قدر الإمكان، وربما يقدم نفسه وسيطاً يمكنه التحدث إلى جميع الأطراف.
أما في حال وقوع النزاع، فإن الرئيس بوتين سيكون أمام واقعين؛ الواقع الأول، أن يكون غير مهتم بإنهاء الصراع. أما الواقع الثاني، فهو عدم إستطاعته على إنتهائه أو وقفه. ولكن وفي كلتا الحالتين، إن هذا النزاع سيخلق حاجة ملحة لوجوده وأهميته خصوصاً أنه غير ملزم بإعطاء أية تقديمات إستراتيجية سواء للإيرانيين أم الإسرائيليين.
ختاماً، هناك بحدود مليون يهودي روسي يعملون في إسرائيل، ما يعد نقطة إيجابية للأخيرة لأن روسيا تقول دائماً “لن ندع إسرائيل تتضرر لأن لدينا فيها الكثير من أبناء الوطن”. ويبقى السؤال: هذا الوعد الروسي، هل سيتم إختباره فعلاً؟
*كاتب سوري
مصدر الصور: وكالة الأنباء الإيرانية – ميدل إيست أونلاين.
موضوع ذو صلة: أميركا توفي بوعودها لإسرائيل