9 – حرب نهاية أوروبا الجزيرة – الحرب القارية الرابعة
حرب روسيا في مواجهة الحلف الأطلسي
في هذا العام، 2022، تحتفل موسكو بعيد تأسيسها الـ 875 في 9 تشرين الأول، موسكو حيث يُصنع القرار والتاريخ:
ويحتفل بوتين الأكبر بعيد ميلاده السبعين في 7 تشرين الأول 2022 المولود في 7 أكتوبر 1952 في مدينة بطرس الأكبر من العهد السوفياتي.
إقرأوا وتمعنوا:
“ترعرع بوتين فقيراً في مدينة من مدن ما بعد الحرب، وفي فناء دارٍ، تقول فيه “سيرته الذاتية” إنه كان يقاتل جماعات من الجراذين في أروقة بناية من الشقق الجماعية، حيث عاش مع أهله في غرفة واحدة بدون مياه ساخنة أو موقد” Foreign Affairs, sept-oct, page 10, 2019.
خلو العرش الروسي The Russian Interregnum
في 13 آب 1963، بنى نيكيتا خروتشوف جدار برلين لحماية الاتحاد السوفياتي من النزيف والاستغزاز وأحابيل الغرب الإمبريالي. وفي 9 تشرين الثاني 1989، وقف مخائيل غورباتشوف مواليد (1931) الأمين العام السابع للحزب الشيوعي السوفياتي، متفرجاً على هدم جدار برلين استرضاءً “للغرب الديمقراطي” وتطلعاته الشخصية إلى التغريب والتحديث. ومن أجل ذلك، اخترع الرجل Glasnost-Perestroika (الانفتاح وإعادة الهيكلة).
وفي ذلك السياق “الديمقراطي” المنفرد، قبض أربعة مليارات دولار سعودية (تشرين الثاني 1990) لعدم استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي، ومنح أميركا الشرعية الدولية لتشكيل تحالف دولي ثلاثيني “لتحرير” محافظة الكويت من العراق. واستكمل الرجل بطولاته بإلغاء وطنه الأم الاتحاد السوفياتي ببيان تلفزيوني في 25 كانون الأول 1991 مقابل جائزة نوبل للسلام وجولة محاضرات مفتوحة في الغرب بثمن مجهول. وتأكيداً على شعبيته وديمقراطيته، ترشح على الانتخابات الرئاسية للاتحاد الروسي عام 1996، ضد حليفه الحصري يلتسن، ونال الرقم الخيالي في التفوق بالهزيمة 0.51 % من أصوات الروس وأُسدل الستار على إنجازاته، والاتحاد السوفياتي العظيم.
وأعود إلى “مهندس الديمقراطية” في الاتحاد الروسي، الرفيق السابق بوريس يلتسن (1931 – 2007) حسب كهنوت البنتاغون ووكالة الاستخبارات الأميركية CIA . الرئيس يلتسن ذلك “البطل” الفذ في القفز والتدرج وصل إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي وبالتالي المكتب السياسيpolitburo مرشحاً 1986. وتدرج في سلم الصعود حتى وصل إلى مرتبة الرئاسة الروسية في 12 حزيران 1991، واستخدم تلك الصفة لإلغاء الحزب الشيوعي في روسيا. وحكم الاتحاد “مخموراً” ومؤازرة وكالة الاستخبارات الأميركية CIA، حتى 31 كانون الأول 1999، عندما كُلف بوتين برئاسة وزراء الاتحاد الروسي.
بالإقفال على عقد التسعينيات، اعترف بأن الاتحاد السوفياتي قد اس تُبدل بالدول المستقلة 1991 Commonwealth dec وهي حسب القاموس السياسي: Armenia, Belarus, Kazakhstan, Kyrgystan, Moldova, Russia, Tajikistan, Turkmenistan, Ukraine, Uzbekistan انضمت Azerbaijan and Georgia ووافقت على تقديم طلب للعضوية عام 1993.
بوتين الأكبر: رجل القرن الحادي والعشرين
بعد وفاة ستالين في 3 آذار 1953، كتب السياسي البريطاني تشرشل: “استلم ستالين روسيا وهي تملك محراثاً خشبياً، وترك ستالين روسيا وهي تملك قنبلة نووية”.
وأنا جورج حجار أكتب: استلم بوتين روسيا وهي على ركبتيها عام 2000، وسيترك روسيا عام 2036 وهي تملك أسطول للنقل الفضائي تنقل فيه بشر من كوكبٍ إلى آخر ومن مجرةٍ إلى أخرى.
أما بعد، تتكون البوتينية من أربعة أعمدة: الكنيسة الأرثوذكسية، القومية الروسية، الشعوب السلافية وجوارها، وبوتين الفرد التاريخي العالمي.
اعتنقت روسيا المسيحية الأرثوذكسية عام 988 ب. م. تحالفت الكنيسة مع الدولة القيصرية لحمايتها وأصبحت إيديولوجيتها أيديولوجية الدولة الروسية. لم تتعرّض الكنيسة الروسية إلى انشقاقات تُذكر أو تمردات. وبالتالي، لم تمر بحروب دينية كما حدث في الغرب والوسط الأوروبي، الحروب التي اشتعلت بين البروتستانية والكنيسة الرومانية في القرنين السادس والسابع عشر، والتي انتهت بعد تمزيق البلاد والانتفاضات إلى تسوية في اتفاقية وست فاليا Westphalia (24 أكتوبر 1648) بعد آخر حرب دامت ثلاثين عاماً بين 1618 – 1648.
حاربت اليسوعية وهي الثورة المضادة للإصلاح، (Counter reformation) الكنيسة الروسية بالكلمة والمال، لا بالسلاح والتمردات واخترقت وسط وغرب أوكرانيا وكثلكته بالعقيدة والمال. ويُروى أن اليسوعية اشترت بعض الأسقفيات كمقدمة للاجتياح والتبشير والتنظيم والتغلغل في صفوف الفقراء.
والنتيجة أدت إلى انقسام أوكرانيا مذهبياً إلى شرق أرثوذكسي وغرب كاثوليكي روماني. في هذا السياق، لا بد من الإشارة، إلى أن أوكرانيا كهوية هي مصطلح يعني أرض الحدود (Borderland) لكثرة ما تعددت الدول وتنوعت الانقسامات التي ضمت أجزاء من أراضي أوكرانيا لها. ولأني لا أكتب تاريخ تلك المرحلة، بل أتحدث هنا عن تداعيات الكثلكة على أوكرانيا: الوسط والغرب الكاثوليكي الذي تجند وشارك في الحرب الهتلرية ضد موسكو الشيوعية بينما الكنيسة الأرثوذكسية الروسية كانت عماد موسكو في “الحرب الوطنية العظمى” التي هزمت النازية وانتصرت على تلك الجائحة، وهي نفس الكنيسة التىي أصبحت المتراس الأول للبوتينية، الكنيسة والرعايا في خدمة روسيا ودولة المواطنة.
القومية الروسية هي السمة الأبرز للبوتينية، وهي قومية عضوية تاريخية ازدادت تجذراً وعمقاً في عصر القوميات التي انطلقت من أوروبا وخاصة بعد الثورة الفرنسية التي أطاحت الإقطاع وبُناه وأسست الدولة الأمة. القومية الروسية هي قومية روسية لا سلافية، أي أنها انصهار للاثنيات التي تقطن في الفضاء الروسي وهي قومية حاضنة بدون تمييز وبدون مكونات متحاربة وكلها يعيش تحت علم الدولة الروسية بقيادة بوتين القومي الروسي بامتياز وفخر!
الشعوب السلافية وأرض الجوار هي التي وفّرت الجنود الفلاحين للقيصرية الروسية ورفعت علم “الاتحاد السلافي” منذ القرن التاسع في كييف الأوكرانية واعتبرت وحدتها ضرورة تاريخية لمجد روسيا الأم، وهي كصفة شاملة تشكل نموذجاً يُحتذى من أجل الوحدة السلافية المعاصرة رغم تدخلات الغرب ومحاولة تفكيك دول المنطقة وضمها إلى “النعيم الأوروبي” وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الإرث اليسوعي أو الكثلكة التي اخترقت غالاسيا Galacia وحافظت على صلاتها بالغرب الأوروبي، وقد تمثل ذلك بانخراط غرب أوكرانيا في الحرب النازية ضد الاتحاد السوفياتي. والملفت إن النازية اعتبرت شعب المنطقة untermenschen (أي شعوب دونية) وأرادت تحريره من البلشفة والشيوعية. وفي عصرنا، نظمت تلك المجموعات الاتحاد السلافي (1999) بقيادة ديمتري داموشكن، وهي اليوم تقاتل بشراسة ضد روسيا تحت تلك اليافطة.
بوتين الفرد التاريخي العالمي هو من طينة العظماء لمؤسسي الدول العظمى والأنبياء والمفكرين الاستراتيجيين. إنه شخصية تاريخية فولاذية ولد في مدينة بطرس الأكبر (7 أكتوبر 1952) وأخذ من بطرسها نموذجاً للكِبر والكبرياء القومي. وقد تدرج من فرع ك.ج.ب. KGB في درسدن إلى الأمن الفدرالي في عهد يلتسن، وعند وصوله إلى موسكو صُعق أولاً بوجود أساتذة جامعيين مع طلابهم من جامعات “العصبة العاجية” يعملون كمستشارين وخبراء ومدربين في الإدارة ويتقاضون رواتب خيالية.
واكتشف أن مهمتهم الأساسية هي تصفية الدولة وخصخصة ممتلكاتها وبيعها بأبخس الأثمان لما اصطلح على تسميته “The oligarchy” أي لصوص الكلبتوقراطية الجديدة التي استولدها اقتصاد السوق. ثانياً، لاحظ بوتين نساء شيوخ في الشوارع، يبيعون ما تيسر لديهم لسد رمق الجوع الذي تفشى في موسكو نتيجة زلزال أمركة الإدارة. ثالثاً شاهد بوتين بأم العين “مهندس الديمقراطية” السيد يلتسن يقصف البرلمان (1993) بالدبابات لتطويعه وجعله أداة “للديمقراطية” المنشودة وسُمي ذلك “العلاج بالصدمة”.
بوتين في السلطة: من 2000 – 2036
عشية بزوغ القرن الحادي والعشرين، عيَّن الرئيس يلتسن فلاديمير بوتين (آب 1999) رئيساً للوزراء، واستقال (31/12/1999) بعد أربعة أشهر على تعيينه، فاز بوتين في أول انتخابات رئاسية في 27 / 3/ 2000، وأعُيد انتخابه لدورة ثانية في 2004 امتدت حتى 2008 . ونزولاً عند دستورية القانون ترشح مدفيديف للرئاسة وفاز فيها من 2008 حتى 2012. وفي تلك الفترة عُين بوتين رئيساً للوزراء، وفي عام 2012 انتخب بوتين مجدداً للرئاسة حتى 2016. وأخيراُ، عُدِّل القانون وانتخب بوتين ومُدد له قانوناً حتى عام 2036، عندها يصبح عمره 86 عاماً.
كانت أولى الأولويات لبوتين في السلطة، الأمن القومي الداخلي ومكافحة الحركات الانفصالية، وأبرزها في ذلك الزمن الحركة الشيشانية ذات الطابع والعقل الإسلامي التي انتشرت ومارست الإرهاب بدفع من إسلام بن لادن وسُحقت الحركة وأثبت بوتين مركزية الحكم. وبالتالي، مُنع التفكير بانفراط الدولة الروسية.
التحدي الثاني الذي واجهه بوتين كان في ما يُسمى “الخارج القريب”، والثورات الملوَّنة التي أشعلتها أميركا في البلدان المصنفة غير الصديقة. وأبرزها “الثورة البرتقالية” في أوكرانيا (2004) و”ثورة الورد” في جورجيا، موطن ولادة ستالين (2003) و”ثورة الخزامى ” في قيرغيزستان (2005) “الثورة البرتقالية” على تنوعاتها ورجالتها ستبقى “الثورة الدائمة” طيلة حياة بوتين، وتفجرت مجدداً في حرب روسيا ضد الحلف الأطلسي في (24 شباط 2022). سأعود لاحق اً إلى هذا الموضوع لكن مسألة جورجيا، حُسمت نهائياً (8 آب 2008) في حرب خمسة أيام بعدما اعتدى الرئيس المتأمرك شيكاشفيلي على حلفاء بوتين. “وثورة الورد”، أعدمت في مهدها.
عنوان المرحلة: بوتين في السلطة
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أنجز بوتين الأوراسي ما يلي من مؤسسات:
1.في 10 تشرين الأول 2000 تم توقيع إقامة المجموعة الاقتصادية الأو ا رسية من روسيا، وروسيا البيضاء، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان وأوزبكستان. وبصفة مراقب: أوكرانيا، مولدافيا، وأرمينيا.
2.في 15 حزيران 2001 أعلن عن تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون.
3.في 30 حزيران 2005 انضمت روسيا بصفة “مراقب” إلى منظمة المؤتمر الإسلامي للتعاون.
4.مجموعة الثماني الكبار (G8) تلتقي في مدينة بطرسبورغ 15 – 17 تموز 2006.
5.اندلاع حرب الغاز بين موسكو وأوكرانيا بسبب رفع الأسعار (7 كانون الثاني 2009)
6.في 18 تشرين الثاني 2011، تم توقيع “منطقة التجارة الحرة” في رابطة الدول المستقلة.
7.في 16 كانون الأول 2011، قبلت منظمة التجارة الدولية (WTO) روسيا في عضويتها تحت رقم 15.
8.ضم الاتحاد الروسي جزيرة القرم (18 آذار 2014) إلى الوطن الأم، بعدما اطاحت الثورة المضادة الرئيس يانكوفيتش.
العقيدة العسكرية لبوتين: إنطلاقاً من مقولة بوتين، “الشعب الذي يدافع عن حريته وعن حقه في الحياة لا يُقهر”. تأتي العقيدة العسكرية في حلتها الأولى بين 2000 – 2004 وتتمثل في عقيدة استعادة الدولة كدولة مركز في نظام سلطوي حيث تُمارس دكتاتورية القانون بكلمة الدولة القوية تفرض سلطتها حسب القانون.
في المرحلة الثانية، الدولة تفرض احترامها (2005 – 2009) إنها دولة ترفض التهميش من قبل الولايات المتحدة أو غيرها، وتمنع التدخلات في مجال الأمن القومي. أي لا اعتراف بسلطة المجتمع المدني الأداة الأساسية للسيطرة على الدول والشعوب من الداخل. بإيجاز، الدولة تمنع زعزعة استقرارها تحت ستار الديمقراطية الزائفة.
في المرحلة الثالثة، تفرض العقيدة التوازن الاستراتيجي، 2010 – 2015. تعتبر العقيدة تزايد القدرة العسكرية لحلف شمال الأطلسي، “الخطر الرئيسي الخارجي الذي هدد روسيا الاتحادية (في إعداد القائمة أعلاه، اعتمدت على كتاب وسيم خليل قلعجبة منجم معلومات: روسيا الأوراسية زمن الرئيس فلاديمير –بوتين، إضافة إلى منح حلف شمال الأطلسي مهمات ووظائف عالمية يتم تنفيذها مع انتهاك معايير مع انتهاك معايير القانون الدولي وكذلك اقتراب البنية التحتية العسكرية للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي من الحدود الروسية بما في ذلك عن طريق التوسع المستمر للحلف وقبول قوى جديدة فيه” ص 116 روسيا الأوراسية).
وفي هذا السياق، يجب الحد من سباق التسلح ومنع نشوب النزاعات العسكرية وردعها. وفي القراءة التحليلية للعقيدة، يدخل مبدأ احتواء العدوان، والإعداد لمواجهة النزاعات المحلية والحروب الإقليمية، والاهتمام بالتطور في مجال الصناعات العسكرية والانتشار الاستراتيجي. وقد نُشرت العقيدة بشكلها المتبلور في 26 كانون الأول 2014، ما يؤكد “كونها إعلاناً” عن سياسة الدولة خلال المرحلة المقبلة.
كما جاءت العقيدة العسكرية الجديدة لروسيا الاتحادية لتؤكد مكانتها كقوة كبرى على الصعيدين الدولي والإقليمي، وعزمها على توظيف قد ا رتها في الدفاع عن أمنها ومصالحها وعن مواطنيها داخل الاتحاد الروسي وخارجها” (ص 116 روسيا الأوراسية).
وفي الخاتمة، الوثيقة وضعت “أسس سياسة الدولة في مجال الردع النووي حتى عام 2030 !” وللتوضيح تشكل العقيدة العسكرية، أحيل القارئ إلى مؤتمر ميونيخ 11 شباط 2007، وإعلان النسخة الأولى من الساحة الحمراء لمناسبة الذكرى 62 للانتصار على النازية. وإليكم موجز لكلمة بوتين في مؤتمر ميونيخ: في وجود أكثر من 300 “شخصية سياسية وعسكرية”، اتهم بوتين الولايات المتحدة “بالسعي إلى الهيمنة على مقدرات العالم”.
ثم توجه بوتين لمخاطبة الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي وبقية الدول، لإخضاعها للمشيئة الأميركية وجرها إلى الحروب والقتال. وقد خصص ألمانيا بكلمة واضحة: أنها “انتقلت من “دور الوسيط والمحاور” إلى المظلة الأميركية، لأن برلمانها قبل أيام قليلة، “اتخذ قرار بوضع سرب من ست طائرات استكشاف حربية متطورة من نوع “تورنادو” في خدمة القوات الأميركية في أفغانستان، بهدف مطاردة “طالبان” ودفع المزيد من الجنود (ثلاثة آلاف جندي إضافي)ودفع مزيد من الأموال ويعني ذلك انتقال ألمانيا الموحدة من خطوط المساعدة الإنسانية والطبية والتعليمية في إطار الأمم المتحدة إلى خطوط المارينز الأميركية وعملاً بقرارات وزارة الدفاع الأميركية، وفي هذا الصدد، قال بوتين إن استخدام القوة يُعد مشروعاً إذا اتخذ بذلك على أساس الأمم المتحدة وفي إطارها، ولا داعي في استبدال منظمة الأمم المتحدة بحلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي”. ولكي لا يظن المؤتمرون إن بوتين يهلوس، ذكرهم:
“إن روسيا تملك أسلحة متطورة، بإمكانها أن تحول المظلة الدفاعية الصاروخية الأميركية فوق شرق أوروبا إلى مظلة دون جدوى وعديمة الفائدة”. وقد أوضح بوتين: “إن ما نراه هو سيطرة نظام على العالم، هذا لا علاقة له بالديمقراطية، لأن الديمقراطية تعني سيطرة الأكثرية مع مراعاة حقوق ومصالح الأقلية”، وأضاف “أن كل مواطن غربي يسعى إلى تعليم روسيا الديمقراطية بينما هو نفسه لا يسعى إلى تعلمها”، مضيفاً “نحن اليوم شهود عيان على تمدد عسكري متجاوز للحدود والمعايير الدولية، لأن الولايات المتحدة تجاوزت حدودها السياسية في جميع الميادين”.
وسأل بوتين: “متى ينتهي هذا الأمر؟ ما من مواطن يشعر اليوم بالأمن”. واختتم بقوله: إن روسيا قامت أخيراً بتصدير منظومات دفاع جوي إلى طهران كي لا تشعر إيران بأنها محشورة في الزاوية وكي لا تشعر إنها موجودة في وسط عدائي، وكي تعرف إن لديها قناة للتواصل، وإن لديها أصدقاء يمكن الركون إليهم” (جريدة الأخبار، 12 شباط 2007).
بوتين رجل العام في مجلة تايم، 31 كانون الأ ول 2007، 7 كانون الثاني 2008
“أميركا ليست بحاجة إلى أصدقاء إنما إلى رعايا كاحتياط فقط كي تأمرها”. بوتين في مقابلة مجلة تايم Time ص 40.
America does not need friends but only auxiliary subjects to command”
خصصت تايم Time 35 صفحة لكي تطلع أميركا والعالم على شخصية بوتين كرجل تاريخي صنع نفسه بنفسه. عالجت تايم Time خلفية بوتين كرجل إنحدر من عائلة فقيرة من مدينة بطرس الأكبر، القيصر الذي ادخل التغريب Westernization إلى روسيا ووضعها على سكة التحول. وتحدثنا عن بوتين المؤمن الأرثوذكسي بعظمة روسيا ومسؤوليته كرئيس يحاول استعادة تلك العظمة والمكانة الروسية التي يفرضها واقعها الجيوسياسي ومقد ا رتها الطبيعية.
تقول التايم Time إنها اختارت بوتين كرجل العام لا لتأييده بل للاعتراف في فرادته القيادية، القيادة الجسورة التي ترفع ا رية التغيير. القيادة التي تؤمن بالاستقلاالا قبل الحرية، الاستقرار قبل الخيار، الاستقرار في بلدٍ لم يرها منذ مائة عام. الانجاز القيادي الذي فرض الاستقرار على الأمة وأعاد روسيا إلى طاولة القوى العظمى في عالم لا يحترم إلا القوة.
في هذا السياق، تبدأ التايم Time بتلخيص بوتين روسيا بعنوان: “خيار الانتظام والاستقرار قبل الحرية” مما يؤشر إلى المحافظة العقائدية للمجلة، فتقول إن روسيا قد سقطت من خارطتنا العقلية، والآن يقودها رجل فولاذي مصمم على انبعاثها وقد أصبح المسمار المحرج للقرن الحادي والعشرين. وبسرعةٍ فائقة تجزم تركيزاً على موقع الرجل الرئاسي، كي تطلعنا على محيطه الجيوسياسي وعن الطاقات في حوزته: روسيا تشارك الصين في حدود 4200 كلم، ولديه شعب مسلم شموس حرون، ومخزون من السلاح النووي المهلك والمميت، ولمن لا يدرك، تفيد أن روسيا تملك الإنتاج الثاني من النفط في العالم.
وتدخل التايم Time في صفات القائد المستدام، وتقول أنه يستطيع تغيير الأرض في محيطه وإن نظرته المحدقة تقول لك: الأمر لي وأنا صاحب القرار هنا، وتختتم، يعطيك بوتين الانطباع بأنه يكتنز سلطة مدمجة وثقة فولاذية وقوة عارمة لا تعرف المداهنة ولا التملق وهي تنحني إجلالاً في انضباط وتصميم داخلي لدور روسيا في العالم، الدور الذي فقدته بحل الاتحاد السوفياتي الحل الذي كان أكبر كارثة في القرن العشرين.
تنتقل التايم Time لكي تقول أن بوتين امبراطور منتخب وقد قاد روسيا في تحولات كبرى وأدخلها على منوال بطرس الأكبر، في طور الحداثة لأنه يمتلك الإدراك الحسي ونفاذ البصيرة التي تساعده على تشجيع القومية الروسية غير القابلة للانجراح، وتختصر شخصيته بالقول: إنه الفارس الروسي للثورة ومؤهل لحماية طهارة روسيا. ثم تسنتجد بكيسنجر لتقويم تلك الشخصية الفذة.
يبدأ كيسنجر بالقول: إن بوتين استعاد روسيا إلى مكانة محترمة في العالم وفي النظام الدولي. إنه هائل الذكاء ومتمركز على أي موضوع يتناوله. إنه على إطلاع على كافة القضايا في السياسات الخارجية ونضيف أن لدى بوتين مجموعة مؤتلفة من البعد والذكاء وقوة تمسك است ا رتيجي روسي قومي. وخلافاً لمعظم زعماء العالم، إن باعثه الرئيسي ليس الانضمام إلى الغرب، ولديه نزعة قومية تقول إن الخطر الأعظم على العالم يأتي من الولايات المتحدة وهو يطمح بأن تكون روسيا أمة محترمة بسلطتها وسلطانها. وعند السؤال ماذا يريد بوتين؟ يجيب كيسنجر، إن بوتين يرفض الهيمنة الأميركية ويريد فرض توازنات في العالم، ولديه مفهوم استراتيجي يطرح بموجبه إنه من المنطق، أن تكون روسيا وأميركا شركاء في هذا العالم. ويختتم كيسنجر قائلاً: القائد يصبح عظيماً بمأسسة نظامه وتجلي شخصه كأيقونة في عالمه!
العالم وفقاً لبوتين شخصية جبارة تاريخية
“سنة بعد سنة، جيل جديد ينهض، رافعاً رايات الأباء والأجداد يمتلك الإرادة لإعادة كل شيء مطلوب منه لنا”. ستالين عام 1939.
لمناسبة مرور 71 عاماً (في 2013) على بدء معركة ستالينغراد في 23 آب 1942، اليوم تدعى فولغوغراد (Volgograd) تداعى المحاربون القدامى للاحتفال في النصر التاريخي في المدينة التاريخية في “يوم الكبرياء القومي”، فاق عديدهم الـ 250,000 محارب وكان الرئيس بوتين ضيف الشرف الذي استقبله “ذئاب الليل” بقيادة زولد استانوف Zold Astanov صاحب نظرية “الاستثنائية السلافية التي تقول إن الله معنا”. وتحاول لم الشمل بين الشعوب السلافية.
أقول بدون تردد، أن بوتين في تلك اللحظة التاريخية، قد قرر المواجهة الشاملة مع أميركا والغرب، وبالتحديد مع التمدد الأطلسي شرقاً. في هذا المنعطف، تبلورت ثلاث قضايا رئيسية في ولادة جديدة والبعض يقول قيامة، لروسيا في القرن الحادي والعشرين:
القضية الأولى: الانغماس الروسي في سوريا، في أول فرصة تاريخية للوصول إلى المياه الدافئة منذ 300 سنة، والقضية كانت في منتهى الوضوح، أميركا تحاول إعادة تجربة تدمير العراق بكذبة اقتناء أسلحة دمار شامل بشن حملة صليبية على سوريا عنوانها استخدام سلاح كيماوي لقهر شعبها دفاعاً عن القانون الدولي الذي يحرّم استعمال الغاز منذ العشرينيات للقرن العشرين. ومن هو ذلك “البطل”؟ إنه الرئيس الأميركي أوباما الأسود البشرة بعقل أنكلوسكسوني أبيض متغطرس يعلن أنه يريد إسقاط النظام السوري وتغيير الحكم استكمالاً لربيع العرب وإزالة الأنظمة الوطنية غير الخاضعة للمشيئة الأميركية وإذ بالرئيس بوتين يدخل المسرح معلناً بدء الحرب العالمية الثالثة إذا تدخلت أميركا في سوريا قبل التأكد من أن النظام السوري هو المسؤول عن استعمال الغاز لا المعارضة الإخوانجية المتآمرة مع أميركا ودول الخليج الطاغية. ارتدع أوباما، لكن الاحتلالات ازدادت في سوريا، فجاء إنزال بوتين في 30 أيلول 2015 وجعل من حميميم قاعدة جوية ومن طرطوس قاعدة بحرية عسكرية موسعة.
القضية الثانية: هي العدوان الأميركي الدائم على روسيا والعالم غير المنضوي في الإمبريالية. تمثلت تلك القضية في منح أدوارد سنودن اللجوء السياسي في روسيا (12 تموز 2013) على خلفية تسريب مناورات أميركية يابانية لاحتلال شرق روسيا. فوراً حرك بوتين تمرين سريع للقوات الروسية، وحشد 160,000 عسكري في الشرق الروسي مزوداً بألف دبابة وعشرات الطائرات والسفن البحرية في نطاق سيبيريا والشرق الأقصى. بكلمة، للمرة الثانية يعلن بوتين الخطوط الحمر في المجال الجيوسياسي لروسيا الاتحادية وأهمية الأوراسية الذي قال فيها بوتين إنها “إرادة هذا العصر”.
القضية الثالثة: هي الحلف الصيني الروسي من أجل قيام العصر الأسيوي في القرن الحادي والعشرين وإنقاذ الشعوب من براثن التنين الأميركي المفتش على فرائس. وعليه، يتوجب نشوء وتطوير البريكس ومنظمة شنغهاي وتبنى مشروع الحزام والطريق الصيني كوكبياً.
ولئلا ينسى العالم ما فعلته أميركا في المحيط الروسي، نذكّر بالإطاحة بسلوبودان ميلو سيفيتش عام 2000 بعد شيطنته لإضعاف الصلات الثقافية السلافية بين الشعوب بدءاً من صربيا. وتلى ذلك، “ثورة الورد” في جورجيا 2003، و”الثورة البرتقالية” في أوكرانيا 2004، و”ثورة الخزامى” في قيرخيزستان 2205، ونحن الآن في 2013 على أعتاب الثورة المضادة في أوكرانيا 2014 ونشوب الحرب بين روسيا والحلف الأطلسي في 24 شباط 2012.
مصدر الصور: سبوتنيك – رويترز.
موضوع ذا صلة: أوروبا: الجزيرة الكونية وحروبها القارية الأربعة (5/3)
د. جورج حجار
رئيس منتدى العروبة للدراسات الاشتراكية – لبنان