حوار: سمر رضوان

تعتبر قضية إسقاط الطائرة العسكرية الروسية، “إيل -20” بسبب التمويه الجوي الإسرائيلي المتعمَّد، من أكثر الأزمات حساسية بين الفريقين خلال عقد من الزمن، وهو يأتي في وقت تحتاج فيه تل أبيب إلى الحفاظ على علاقات وثيقة مع موسكو. وعلى الرغم من حساسية الموقف الآني، فإن كلا الطرفين يحتاج الآخر خصوصاً في القضايا المشتركة، كالأزمة السورية والمسائل الدولية والإقليمية الأخرى.

عن فتور العلاقات الروسية – الإسرائيلية وتداعياتها، سأل مركز “سيتا”، الدكتور آصف ملحم، الخبير في مركز الأوضاع الاستراتيجية – موسكو.

موسكو وخيوط اللعبة

عند دراسة العلاقات الروسية – الإسرائيلية، لا بد من أن نأخذ بعين الإعتبار النقطة التالية: في “إسرائيل”، يبلغ عدد اليهود المنحدرين من روسيا وجمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق أكثر من مليون نسمة، ومعظمهم هاجر إلى “إسرائيل” بعد انهيار الاتحاد. إضافة إلى أن العديد منهم يشغل مناصب سياسية متقدمة؛ فوزير الدفاع أفيغدور ليبرمان هاجر إلى “إسرائيل” في العام 1978 من جمهورية ملدافيا السوفياتية؛ والعديد منهم ما زال يحمل جنسيته الأصلية، وروسيا تسعى دائماً إلى استعادة مواطنيها.

في الحقيقة، ترافق الدخول الروسي المباشر على خط الأزمة السورية، والإنتصارات الكبيرة التي حققها محور المقاومة على المجموعات الإرهابية، مع انسحاب تدريجي أمريكي من ملفات المنطقة؛ فلقد تكررت عبارة “ترك الأمريكيون المنطقة للروس والإيرانيين”، في صيف وخريف العام 2017، على لسان العديد من المسؤولين الإسرائليين. لذلك، لاحظنا جميعاً تزايداً في النشاط الدبلوماسي الإسرائيلي بإتجاه روسيا، إذ أدركت “إسرائيل” أن معظم مفاتيح الحلول في هذه البقعة الهامة من العالم بات بيد الروس. ومن الطبيعي والمتوقع، بعد القضاء على الإرهاب، أن تقوم روسيا بتناول الملفات الحساسة في منطقة الشرق الأوسط، وأهم هذه الملفات هو الصراع العربي – الإسرائيلي.

هدوء وحكمة

لا يمكن لدولة ذات حضارة عريقة، كروسيا، أن تغض النظر عن الخرق الإسرائيلي الدائم للقوانين الدولية واحتلال الأراضي العربية، والإعتداء الدائم على الشعب الفلسطيني؛ وهي التي أكدت دائماً على ضرورة مراعاة قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن في العلاقات بين الدول. فلقد صرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين في المؤتمر الصحافي المشترك الذي انعقد مع الرئيس الأمريكي في قمة “هلنسكي” بتاريخ 16 يوليو/تموز 2018، بأنه “سوف يتم إنجاز خطوة بإتجاه تحقيق السلام العادل والراسخ على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 338.”

بالطبع، إن هذه التصريحات لا يمكن أن تعجب الجانب الإسرائيلي، لذلك فإننا نعتقد بأن حادثة الطائرة “إيل-20” هي محاولة بائسة ورسالة سياسية واضحة من “إسرائيل” لـ “إيقاف روسيا عند حدها ودفعها بعيداً عن هذه الملفات.”

لذلك، تعاملت وتتعامل القيادة الروسية مع هذا الموضوع بهدوء وحكمة، على الرغم من الغضب الشديد الذي اعترى جميع المستويات الرسمية والشعبية؛ فروسيا دولة عظمى وفارق القوة كبير بينها وبين “إسرائيل”، إلا أن هناك مسؤولية أخلاقية كبيرة وراء أي رد غير محسوب النتائج؛ كما أنه لا بد من التعامل مع هذه الحادثة ببراغماتية، فروسيا لم تنظر يوماً من الأيام إلى “إسرائيل” كحليفٍ أو شريكٍ، وفي نفس الوقت لا تعتبرها عدواً لها.

المقارنة غير دقيقة

في الواقع، لا يمكن مقارنة حادثة إسقاط الطائرة “سو – 24” من قبل تركيا، في العام 2015، بإسقاط الطائرة “إيل-20″، في العام 2018؛ فالأتراك اعترفوا مباشرة بإسقاطهم لهذه الطائرة، وفي تلك المرحلة بدأت تتكشف النوايا الأمريكية الخبيثة تجاه المنطقة، وأدركت أنقرة بأن واشنطن اتخذتها كـ “مطية” لتمرير مشاريعها؛ لذلك اعتذرت أنقرة وشهدنا بعد ذلك طوراً متواصلاً من تحسن العلاقات الروسية – التركية، كان له أثراً بالغاً في معالجة ملف الأزمة السورية. أما الجانب الإسرائيلي، فلا يزال وبكل وقاحة يحاول، رسمياً وإعلامياً، إيجاد التبريرات واختلاق الأكاذيب على أنواعها حول هذه الحادثة، وهذا ما يعكس اطمئناناً من الموقف الأمريكي الداعم له.

أما عن الإعتذار اللفظي، فلا أهمية له من الناحية السياسية، وقد يكون ذا أهمية معنوية لا أكثر؛ فالمتابع للقاءات المسؤولين الإسرائيليين، على وسائل الإعلام الروسية او الناطقة بالروسية وخاصة بعد حادثة سقوط الطائرة، يلاحظ أنهم جميعهم يتكلمون كـ “الحمل الوديع” الذي يحاول الدفاع عن نفسه ضد ما يسمى “الوجود الإيراني” في سوريا.

حلٌ من شقين

إن شروط عودة العلاقات إلى سابق عهدها، فتتألف من شقين؛ أمني وسياسي.

سياسياً؛ في الآونة الأخيرة، تطورت وتشعبت العلاقات الروسية مع معظم الدول الشرق أوسطية، العربية وغير العربية، بما في ذلك الدول التي اشتركت في التآمر على سوريا، وهذا يعني أن لدى موسكو العديد من أوراق الضغط على تل أبيب. وبما أن أساس المشكلة هو الصراع العربي – الإسرائيلي، فمن المتوقع أن تدفع روسيا بإتجاه موقف سياسي موحد، تحت سقف جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو الأمم المتحدة، لمواجهة الغطرسة والعربدة الإسرائيلية. إلا أن الحركة نحو هذا الهدف ستكون بخطى بطيئة وواثقة، وهذا ما اعتدنا عليه من صناع القرار في الكرملين. وبهذه المناسبة، فإن الدول العربية والدول المؤمنة بعدالة القضايا العربية، وكذلك القوى السياسية والإجتماعية والمفكرين والباحثين والمثقفين من جميع المستويات، مدعوون للتعاون مع روسيا بهدف توحيد الجهود وتنسيقها لإيجاد الحلول العادلة لهذه الأزمة المستمرة منذ حوالي قرن من الزمن، خاصة بعد “الصفقة المشؤومة” التي باركتها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وما تلاها من خزي وعار في سلوك بعض الدول الخليجية.

أما من الناحية الأمنية، فسيتم الحد من حرية حركة الطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية؛ كما أنه سيتم إعادة النظر بشروط التنسيق المشترك، وهذا ما يقوم بدراسته الخبراء العسكريون.

مصدر الصورة: روسيا اليوم.