سمر رضوان*

لا تزال حادثة إسقاط الطائرة “إيل – 20″، في سبتمبر/أيلول 2018، السبب الرئيس في فتور العلاقة الروسية – الإسرائيلية، والتي لم تصل إلى حد القطيعة رغم أنها تعد من أشد الأزمات بين البلدين كما حدث في العام 2015 بعد إسقاط تركيا للمقاتلة “سو- 24” حيث وصلت الأزمة إلى حدود القطيعة، انتهت بإعتذار رئاسي تركي علني، لتعود بعدها العلاقات إلى ما هي عليه اليوم.

بُعد نظر

يعتقد البعض أن إسقاط الطائرة حدث مهم لجهة فتور العلاقة بين موسكو وتل أبيب، وبالتالي تتموضع روسيا بشكل أوسع في الحلف الآخر، الأمر الذي يشكل “صفعة” قوية للكيان الصهيوني، وهذا لا يغدو أن يكون أكثر من مجرد افتراض ضعيف إلى حد ما، إذ أن الدبلوماسية الروسية أثبتت مقدرتها على امتصاص الصدمات، والإستفادة حتى من حوادث كبيرة، على قياس إسقاط مقاتلاتها أو طائرتها، وتحويلها من خسائر إلى أرباح ومكاسب سياسية، فكيف وإن كان ذلك مع “مدللة” الولايات المتحدة، إذ أن موسكو ليست بموقع الضعيف، فهي شبه مقتنعة بما يُحاك لها منذ انخراطها المباشر بالأزمة السورية لا سيما على الصعيدين العسكري والسياسي. فهل ستترك الساحة خالية من تأثيرها وتجعل الأمريكي، وحليفته، “يسرح ويمرح” في المنطقة؟!

حنكة سياسية

على الرغم من السخط الشعبي والسياسي والعسكري الروسي من ارتكابات “إسرائيل” المتعمدة في السماء السورية، دون تدخل روسي واضح تجنباً لحدوث أي صدام وإن كان دبلوماسياً، إذ اعتقد كثيرون أن “إسرائيل” عقب هذا الحادث تستجدي موسكو وتسترضيها، متأملين أن تصل العلاقات إلى حد القطيعة. لكن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، امتص هذا الوضع مع تل أبيب عندما وافق على تصريح وزارة الدفاع بشأن اتهامها، دون توجيه أصابع اللوم لها، نافياً أن يكون الحادث يشبه، بأي شكل من الأشكال، حادثة إسقاط المقاتلة “سو- 24″، إلا أنه أكد على وجوب التزام “إسرائيل” بالإتفاقيات الموقعة بينهما، في العام 2015، للحيلولة دون وقوع أي تصادم بين قوات الجانبين في سوريا.

وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على تمسك الرئيس بوتين بالعلاقات الثنائية، خاصة لجهة اعتبار تل أبيب بوابة مهمة لتخفيف حدة الخلافات مع الولايات المتحدة، في ظل صداقة حميمة تجمع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فهذه البوابة غير التقليدية قد تحمل “مفتاح” تخفيف التوتر مع واشنطن.

“خلافات إيجابية”

تتفق كل من روسيا و”إسرائيل” على العديد من الملفات وتختلف في أخرى. على سبيل المثال لا الحصر، تعتبر موسكو أن ما حدث في غزة مؤخراً “استفزازاً” إسرائيلياً، إضافة إلى التوتر على خلفية إرسال منظومة صواريخ “أس – 300” لدمشق والتخلي الكامل عن إدارتها؛ بينما تلتقي مع تل أبيب بما يخص المنطقة الجنوبية، وخصوصاً على حدود الجولان السوري، إضافة إلى مسألة إبعاد القوات الإيرانية مسافة 15 كلم، الأمر الذي يؤكد نجاعة التنسيق الأمني بين البلدين.

الشيء نفسه حدث مع أنقرة، فقد تبدلت الأحوال، ما بعد العام 2015، إذ استمرت المحادثات واللقاءات والقمم على مستوى رؤساء البلاد ووزراء الخارجية لحل ملفات عدة، أهمها المسألة السورية، الأمر الذي يعيدنا إلى المربع الأول.

على ما يبدو أن “البرود” الروسي ترجم إيجاباً من خلال وضع جميع أطراف اللعبة تحت مظلته، فتجاوز الخلافات مع واشنطن المتمثلة في الحجز على أموال عامة روسية في أمريكا كذلك عملية طرد الدبلوماسيين المتبادلة، العام 2017، واستوعب تداعيات قضية الجاسوس سكريبال، وتعامل بترقب مع أحداث اغتيال سفراء بلاده (مثل اغتيال السفير الروسي لدى تركيا)، ودخل بشكل غير مباشر على الأزمة الخليجية الرباعية، إضافة إلى العديد من الملفات والمسائل الإقليمية والدولية الأخرى.

حضور فاعل

وقعت الحادثة في توقيت يحتاج فيه كلا الطرفين للآخر، ورغم حساسية الأزمة إلا أن موسكو لم تقطع الإتصالات العسكرية بما يهدد العلاقة الثنائية بينهما، بل على العكس تماماً، ربما قد تنشط في مجالات عدة خاصة في موضوع الصراع العربي – الإسرائيلي حيث يشير الدكتور آصف ملحم، الخبير في مركز الأوضاع الاستراتيجية – موسكو، إلى إدراك “إسرائيل”، “أن معظم مفاتيح الحلول في هذه البقعة الهامة من العالم بات بيد الروس. ومن الطبيعي والمتوقع، بعد القضاء على الإرهاب، أن تقوم روسيا بتناول الملفات الحساسة في منطقة الشرق الأوسط، وأهم هذه الملفات هو الصراع العربي – الإسرائيلي”، مضيفاً “وبما أن أساس المشكلة هو الصراع العربي – الإسرائيلي، فمن المتوقع أن تدفع روسيا بإتجاه موقف سياسي موحد، تحت سقف جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو الأمم المتحدة، لمواجهة الغطرسة والعربدة الإسرائيلية. إلا أن الحركة نحو هذا الهدف ستكون بخطى بطيئة وواثقة”(*)، وبذلك تكون روسيا قد أثبتت حضورها وقوتها دونما قطيعة أو فتح جبهات جديدة مع أي طرف كان.

الذي يؤكد ما نرمي إليه تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يشير فيه إلى محادثته مع الرئيس بوتين في الإحتفال بذكرى مئوية انتهاء الحرب العالمية الأولى، في باريس بتاريخ 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، في أول لقاء بينهما بعد حادثة إسقاط الطائرة “إيل- 20″، رغم معلومات كثيرة عن فشل المساعي لعقد لقاء يجمع بينهما، حيث أعلن نتنياهو ان “الحديث مع الرئيس بوتين كان جيداً وعملياً، بل قد أصفه بأنه مهم للغاية.”

*المدير التنفيذي في مركز سيتا

الهوامش:

(*) العلاقات الروسية – الإسرائيلية بين القطيعة والتنازلات. 13/11/2018. مركز سيتا. على الرابط التالي:

https://sitainstitute.com/?p=3854

مصدر الصور: الجزيرة.