سمر رضوان*

في جديد حروب القرن الـ 21، حالة لم يألفها من عايش حروباً خلت، كالحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الألمانية – الفرنسية وغيرها، لينشئ نوعاً يعتمد على تأجيج النعرات الطائفية وخلق صراعات دموية من شأنها إيجاد بيئة مؤاتية لتحريك الأذرع المخططة، ومن ثم الإنقضاض وتدمير المجتمعات، إذ بدأ هذا الأمر مع الغزو الأمريكي للعراق العام 2003.

من خلال هذ المقدمة البسيطة، قرأنا دراسة الأستاذ إسلام زعبل تحت عنوان: “الجنرال الأخطر: صانع الإستراتيجيات العسكرية والدبلوماسية الإيرانية الحديثة”، حيث ضمت الكثير من المعلومات المغلوطة حول سوريا والعراق ولبنان واليمن، وارتباط إيران بهم من خلال الجنرال قاسم سليماني، مما يقتضي توضيح بعض الأمور المهمة سواء في المعلومات أم في الجغرافيا.

وقبل الخوض في التفاصيل وبناءً على مراقبة السلوك الطبيعي للدول بشكل عام، يمكن القول بأن التمدد الإيراني في المنطقة وهو أمر جدا عادي، فلكل دولة مصالحها الخاصة المنطلقة من أمنها القومي ومن منطلق تحالفات وبناء استراتيجيات تقوم بها كل دول العالم، فكيف يكون مسموحاً للغير وممنوعاً على إيران؟ ومن خلال مثال بسيط، يمكن الإشارة إلى غزو الولايات المتحدة لعدد من دول المنطقة العربية حيث شارف عديد قواتها العسكرية المتواجدة فيها على مئات الآلاف، بينما التواجد الإيراني، قليل العدد، محصور فقط في سوريا وفي أماكن تتواجد فيها التنظيمات الإرهابية المسلحة. عند التدقيق في السلوك، يمكن القول بأن الدول عامة تسير على نفس المنوال، فالتمدد هو سياسة متفق عليها، ضمنياً، حين تسنح الفرصة.

وبالعودة إلى العام 2001، إن مفهوم “الحرب الإستباقية”، التي أطلقته واشنطن، جعلت من الدول التي تخاف على نفسها من “بطش” الولايات المتحدة عبر “استباق” الصراع على أراضيها بحروب في الخارج من أجل كبح جماح “التهور” الأمريكي وتأخير تلك المواجهة بقدر الإمكان. بالتالي، إن إيران، وغيرها من الدول بما فيهم روسيا نفسها، تحاول استباق الأحداث من أجل حماية أمنها القومي.

الساحة السورية

إن ما تعرضت له سوريا هو حرب كونية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث شارك ما يفوق على الـ 80 جنسية (الآن وفي هذا التوقيت بالذات يوجد حوالي الـ 146 ألف مسلح ينتمون إلى 103 جماعة ويحملون جنسية 60 دولة على الأقل موجودون فقط في مدينة جرابلس وإدلب وحدهما) تقاتل بإسم “الدين الإسلامي” (لغايات ومصالح صهيو- امريكية لتفتيت المنطقة وفقاً لمخططات برنارد لويس ورالف بيترز صاحب نظرية “حدود الدم”) يسمح لها بالإستعانة بالحلفاء والأصدقاء خصوصاً إيران التي تربطها مع سوريا معاهدة دفاع ثنائي مشترك (أيام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد) سابقة بزمن عما سمي بـ “الربيع العربي”، حيث تم استكمالها وتجديدها خلال ولاية الرئيس السوري الحالي، بشار الأسد، ووزير دفاعه، علي أيوب، مع وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، وهي تسمى حرفياً “اتفاقية التعاون العسكري والدفاعي التي تسمح بمواصلة التواجد والمشاركة الإيرانية في سوريا”. من هنا، إن وجود خبراء وقادة ومستشارين إيرانيين، أو حتى مقاتلين، في سوريا هو أمر طبيعي، ولو كان العكس لكان هناك سوريين في إيران، بحسب المعاهدة المنصوص عليها، وبالتالي تعاون الحكومات هو مشروع في كل دول العالم.

أما مسألة قرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالتدخل العسكري في سوريا بعد زيارة سليماني، فهذا الأمر يعد مغالطة كبيرة، فدولة بحجم روسيا التي لطالما اشتهرت بإلتزامها بالأعراف الدبلوماسية وقوانين المجتمع الدولي، قدِمت للمشاركة في الدفاع عن دمشق بناء على طلب صريح وواضح قدمته الحكومة السورية الشرعية.

وعند حديث الكاتب عن وجود دعم “علوي” في مقابل “السنة”، فهذا الأمر أوضحته الكثير من الوقائع ونذكر منها، أخيراً وليس آخراً، تحرير الجيش السوري لمخطوفي السويداء، وهم من طائفة الموحدين الدورز، وتطهير حلب وإعادتها إلى أهلها السنة وتحرير القرى المسيحية في القلمون وإعادة ترميم الكنائس فيها بعدما تم الإعتداء عليها، ناهيك عن أن عماد وقوام العصب الأساس في الجيش السوري، بمن فيهم أغلب الوزراء، هم من الطائفة السنية الكريمة.

أما بالنسبة إلى موضوع الإنشقاقات، نستخلص أنها لا تعدو كونها حالات فردية تمت من خلال شراء ذمم بعض الضباط الفاسدين، ولم تكن أبداً بحجم الجيش ككل، الذي يعتبر المؤسسة الأكبر والأكثر تماسكاً بإعتراف دول كبرى كالصين والهند وغيرهما. إن البناء على كلمة انشقاقات والإسترسال في معناها يضع القارئ أمام حالة تفوق العقل خاصة لمن لا يعرف حقيقة ما حدث، فالذين قاتلوا في حلب هم في البداية جنود سوريون، بجانب وجود قوى حليفة، وهذه حقيقة نفتخر بها أن قاتل إلى جانب الجيش أشقاء واخوة، ومن الطبيعي أن يتخلل أي معركة هزيمة أو انتصار. الأمر نفسه في موضوع السلك الدبلوماسي والسياسي الفعلي، إذ بقيت حالات الإنشقاق فردية لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.

إن المعارك التي جرت في سوريا، أكدت وبالأدلة وجود دور مؤثر لإستخبارات دول كبرى بالإضافة إلى العامل الإسرائيلي (الذي فتح مستشفياته أمام العناصر الإرهابية لتلقي العلاج بحجة العامل الإنساني وقصفه لمواقع الجيش السوري عند كل هجوم معاكس كانت تشنه تلك الموجوعات)، فـ “الجهاديون” الموجودون في سوريا هم عبارة عن “بضاعة” أرادت دولهم التخلص منهم، بحسب المخطط لهم، وبذات الوقت لإسقاط الدولة السورية، التي وقف إلى جانبها الحلفاء وامتزجت دماؤهم في تراب تلك الأرض.

أما ما تحدث به الكاتب عن أن الجنرال سليماني أمر بعض الميليشيات العراقية بحسب تعبيره المكلفة بالدفاع “عن الأسد بعبور عبر الحدود لإنقاذ الدولة العراقية”، فهذا الأمر غير صحيح البتة وذلك لأسباب عدة أهمها قطع الطريق بين الطرفين من قبل الأمريكيين (من خلال قاعدة التنف والقوات التي كانت موالية لها قبل حلها كـ “مغاوير الثورة”) و”داعش” نفسه (التي سيطر على المناطق الحدودية بعد أن استولى على محافظة الأنبار الموازية للحدود ودير الزور والحسكة والبادية السورية).

لبنان وحزب الله

بالنسبة إلى حزب الله ونشأته، لن ندخل بالتفاصيل التاريخية بالقدر الذي نريد أن نسأل عن دور الحزب في الصراع مع “إسرائيل”، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم: هل باتت المقاومة ضد العدو الصهويني مدعاة ذل؟ هل يجب قطع خطوط الإمداد المُساعدة فقط لأن مصدرها إيران أو سوريا؟ هل رفضت المقاومة اللبنانية بشكل عام أية مساعدة تم تقديمها من أجل محاربة كيان الاحتلال والوقوف بوجه أطماعه على الأقل وهو الذي لا يزال حتى اليوم يحتل مناطق في لبنان (مزارع شبعا وحتى القرى السبع التي تم هضمها ونسيانها بالكامل)؟

أما فيما يخص تفجير مقر قوات “المارينز” في بيروت، يقول الكاتب الصحافي الشهير بوب ودوورد في كتاب له بأن “إسرائيل” كانت على علم مسبق به ولم تمنع وقوعه وذلك بهدف إقحام واشنطن في الحرب اللبنانية من أجل التخفيف من خسائرها التي كانت تمنى بها يومياً. أما بالنسبة إلى تفجير السفارة الإسرائيلية في بيونس آيرس، فلقد أكد سفير لبنان السابق في الأرجنتين، الدكتور هشام حمدان، أن سبب التفجير كان وجود صاروخ في داخل السفارة نفسها. إضافة الى موقف السفير، يقول الكاتب الفرنسي الشهير تيري ميسان بأنه، وخلال جولته على أمريكا اللاتينية، استمع فيها إلى العديد من الأمنيين هناك الذين أشاروا إلى عدم وجود أية علاقة لحزب الله في هذا التفجير، وهو ما كشفت عنه تحاليل الحمض النووي التي تم اجراؤها.

وبالعوة إلى ما يعرف بـ “حرب تموز” 2006، تظهر وثائق ويكيليس المسربة إلى أن الجانب الإسرائيلي كان “يستجدي” وقف الحرب ولكن الأمريكيين هم من كانوا خلف استمرارها (خصوصاً بعد إعلان وزيرة الخارجية السابقة، كوندوليزا رايس من بيروت، ولادة “الشرق الأوسط الجديد”)، وما يبرر صحة هذا القول إن القرار 1701 جاء بعد موافقة حزب الله والحكومة اللبنانية على بنوده بالكامل بما يتناسب مع مصالحهما وليس من خلال فرضه بالقوة نظراً لضعف الجهة المقابلة.

أما وأن حزب الله هو القوة التي تستطيع أن توقف أي عدوان إسرائيلي، فهذا الأمر واضح وجلي. فلو رأى الإسرائيليون فرصة في استعادة الهيبة التي فقدوها في حرب العام 2006، وأبرزها مجزرة الدبابات في وادي الحُجير والتي أدت إلى إلغاء الهند لصفقة دبابات “ميركافا” بقيمة تفوق المليار دولار، لكانوا أقدموا عليها بدون تردد. وفي دليل قريب جداً، لم يستطع الكيان الإسرائيلي أن يستمر في الحرب على غزة بعد الأعمال الحربية التي أعقبت فشل انسحاب فرقة الموت التي أقدمت على اغتيال قياديين من حماس. وبإعتراف تل أبيب نفسها، لم تستطع “القبة الحديدة” اعتراض أكثر من 20% من الصواريخ التي أطلقت عليها.

من هنا يظهر السؤال التالي: لماذا لم تقم “إسرائيل” بضرب حزب الله بعد مشاركته في الحرب السورية، العمل الذي سيكون “منطقياً”، نظراً إلى فقدانه لتواجد العديد من العناصر في لبنان وبالتالي قلة فعاليته؟ الجواب يكمن في نظرية “الرد المتوازن” عبر صواريخ الحزب التي قدَّرت “إسرائيل” نفسها سقوط 2000 صاروخ يومياً في حال القيام بأية مجازفة أخرى وهو ما يفوق قدرة تل أبيب العسكرية والسياسية، في آن معاً، على تحمل تبعات هذه الحرب.

أما بالنسبة إلى الجيش اللبناني، فإن قدراته التسليحية وطريقة تنظيمه لا تعطيه قدرة التحرك في حرب مقبلة مع “إسرائيل” بالرغم من أنه قام، وما زال يقوم، بواجباته تجاه أي عدوان مقدماً الشهداء واحداً تلو الآخر، ولا تزال مسألة مقاومة الكيان الصهيوني في صلب عقيدته القتالية.

فيما يخص الدعم الإيراني، لم ينكر حزب الله هذا الدعم اللامحدود له (فكما تدعم الولايات المتحدة معارضات عشرات الدول وتستقبل على أراضيها مئات السياسيين “لجوء سياسي”، من كل الجنسيات وتقدم لهم كل ما يلزم، فعلى صعيد الحرب السورية نقلت أمريكا قادة “داعش” من سوريا إلى العراق بطوافاتها العسكرية وساعدتهم في كثير من المعارك إضافة إلى الأسلحة) خصوصاً وأنه يواجه كياناً عنصرياً يتربص للإنقضاض على أية دولة مجاورة قد تشكل خطراً مستقبلياً عليه.

من هنا، يبدو من الطبيعي أن تقوم كل من سوريا وإيران بمد يد العون له ولكل من يؤمن بقضيته، وهنا يستوقفنا أمر مهم جداً: إن إيران (الشيعية) وسوريا (العلوية) تطالب بحقوق فلسطين (السنية). ألآ يدل ذلك على شيء ما؟

اليمن وأنصار الله

من الجدير ذكره هنا أن مخزون اليمن البالستي تعود أدراجه إلى زمن الإتحاد السوفياتي السابق، حيث تم تطوريها من قبل الجيش اليمني واللجان الشعبية فهي ليست إيرانية كما تمت الإشارة في البحث، إذ كيف تُدخل طهران أسلحتها واليمن يقع تحت حصار، منذ 26 مارس/آذار 2015، بري وبحري وجوي؟

إضافة إلى ذلك، وفي العام 2017، أعلنت الأمم المتحدة أنها “ليست قادرة” على التثبت من أن الصواريخ التي تستهدف السعودية من صنع إيراني أم لا، فيما قال مراقبوها المكلفين مراقبة تطبيق قرار الحظر، ضمن تقرير نشر في كانون الثاني/يناير 2017، أنهم لم يعثروا على ما يكفي من الأدلة التي تثبت إرسال طهران أسلحة إلى الحوثيين، وهذا يناقض كلياً ما جاء على لسان الكاتب.

أما بالنسبة إلى موضوع التدريب، فهذا أمر جائز إذ من الممكن أن يكون هناك عدد من العناصر الإيرانية تشارك في المعارك كمستشارين عسكريين على غرار ما هو قائم في سوريا. فهذا الأمر لا يمكن تأكيده أو نفيه.

العراق والحشد الشعبي

من الجدير ذكره هنا بأن منظومة الحشد وألوية منه تعود أمرتها إلى السيد على الخامنئي، كالعصائب وكتائب حزب الله، لكن لا يمكن لها ولا بأي شكل من الأشكال أن تتجاوز مقام السيد السيستاني لأي سبب كان. فألوية الفصائل التي تعود له، كـ “لواء علي الأكبر” وفرقة “العباس” القتالية وفرقة “الإمام علي”، هي على اتصال مع مرجعيتها في العراق لا في إيران؛ أما “سرايا السلام” فهي تحت إشراف السيد مقتدى الصدر الذي يقف في الصف المعادي لإيران. بالنسبة إلى الفصائل السنية (مثل الحشد العشائري من عشائر الجبور التي ساهمت بشكل واضح وكبير في تحرير مدينة صلاح الدين) إضافة الى فصائل مسيحية وتركمانية تحت اسم “حركة بابليون”، فهي لا علاقة لها بإيران البتة.

أما بالنسبة للتواجد العراقي في سوريا، فإن هدفه حماية مقامات آل البيت(ع)، لما تحمل من قدسية. فمسألة انسحابهم من سوريا غير صحيحة، نظراً لوجود أعداد كبيرة من المقاتلين في العراق، إلا أن ما حمل على تأخير تحرير بعض المدن كالفلوجة والموصل، فكان بتدخل أمريكي واضح للإستثمار في هذا الملف، أما كركوك فلقد كان هناك نزاع بين بغداد وكردستان وتمت عملية تحريرها بإشراف الحكومة المركزية واشتراك الجيش والقوات الخاصة وظهر جلياً ذلك على شاشات التلفزة.

وفيما يخص علاقة الجنرال سليماني مع كل من هادي العامري وأبو مهدي المهندس، فهي تندرج تحت مسمى علاقة الصداقة التي تربط فيما بينهم، إضافة إلى مسألة التشاور الميداني كون المعارك واحدة. لكن ما ذهب عن ذهن الكاتب هنا أن الدور الأبرز كان للجنرال أبو مهدي المهندس، والذي اشتهر أيضاً بـ “مهندس الانتصارات” و”سليماني العراق”.

*المدير التنفيذي في مركز “سيتا”

مصدر الصور: روسيا اليوم – سبوتنيك – كردستان 24.